السويداء: حين يُرفع علم الاحتلال على جثة الكرامة

السبت لم يكن اختيارًا عابرًا... كان رمزاً لدنسٍ مُتقنٍ، أرادوا بهِ تكريسَ الانفصالِ

في السويداءِ، وفي ساحة تدعى “الكرامةِ” ، ارتفعتْ رايةُ الخزيِ: علمُ الكيانِ الإسرائيليِّ. يومَ السادسَ عشرَ من آب، لم يكنْ هذا مجردَ احتجاجٍ؛ إنهُ اعترافٌ صريحٌ بالخيانةِ. اختاروا السبتَ، لا تبركاً ، بل وقاحةً و رمزاً لدنسٍ مُتقنٍ، أرادوا بهِ تكريسَ الانفصالِ عن الجسدِ الأمِّ.


“بنو معروف”، الذينَ كانتْ لهم قصةُ بطولةٍ وشرفٍ، أضحوا اليومَ مرآةً تعكسُ قبحَ التبعيةِ لغولٍ لا يعرفُ سوى التمزيقِ.
وقد تحوّلَ نسيانُ الدمِ المسفوكِ، الذي ما زالتْ تربةُ الوطنِ تحتضنُهُ، إلى مقايضةٍ رخيصةٍ على مذبحِ الخيانةِ .

سرابُ “اللامركزية” و”الانتخابات الحرة” الذي رُفع يومًا في وجه السلطة، تحوّل في لحظة الارتماء إلى غطاءٍ زائفٍ يُستخدم لتبرير التبعية لكيانٍ محتلٍّ لا يكفّ عن القصف، ويتوغّل في الأرض، وينتهك السيادة السورية جهارًا.

وفي ظلِّ هذا الارتماءِ، ليسَ في التقسيمِ وهمٌ، بل سرطانٌ ينمو، تغذّيهِ أيادٍ خفيةٌ لنهشِ أطرافِ الجسدِ. حتى أُسسُ الحياةِ—خبزٌ، ماءٌ، دواءٌ—باتتْ قيوداً تُحكَمُ بأيادٍ لا تعرفُ سوى الفوضى والعدمِ. إذاً، هذه ليستْ “أوهاماً سياسيةً”؛ هذا موتٌ بطيءٌ يرتدي ثوبَ العمالةِ الرثِّ.

الساعةُ تدقُّ، والبلادُ على حافةِ الهاويةِ. التاريخُ، قاضٍ صامتٌ، لا يُبرمُ صلحاً مع الخونةِ، ولا يصفحُ عن خطايا العملاءِ؛ مصيرُهم وصمةٌ لا تُمحى، تتوارثها الأجيال. وحدها الشعلةُ التي يحملُها الصامدون، من يلفظونَ طيفَ المحتلِّ، هي من تُضيءُ وهجَ الكرامةِ. أما الأصواتُ التي كانتْ صدى للشرفِ، فقد تحوّلتْ اليومَ إلى أنينِ أبواقٍ للارتزاقِ والانفصالِ. وتلكَ الزعاماتُ التي نثرتْ بذورَ الفتنةِ، هي أيادٍ مباشرةٌ في هذه المذبحةِ الوطنيةِ.

وطنٌ رُويَ بالدمعِ والدمِ، لا يُساوَمُ عليهِ بوهمٍ اسمهُ “استقلالٌ منقوشٌ على وهمٍ”. فـ”تل أبيب” و”واشنطن” لا تحملانِ للسويداءِ خلاصاً حقيقياً، إنما ثمنٌ بخسٌ باسمِ “حمايةٍ” زائفٍ، ومزيدٌ من الخرابِ المحتومِ. السويداءُ لا تشتاقُ لأضاليلَ سياسيةٍ، ولا لوعودٍ خاويةٍ من قياداتٍ باعتْ أرواحَها؛ هي تتوقُ لأمنٍ حقيقيٍّ، وكرامةٍ مصونةٍ تحتَ سقفِ سوريا موحدةً. فالكرامةُ لا تُشترى بأعلامِ العبيدِ، ولا تُشيّدُ على رفاتِ وحدةِ البلادِ؛ تُصانُ بالصمودِ، وتُورثُ في كنفِ سوريا موحدةً أبدَ الدهرِ.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية