اجتاحت موجة متصاعدة من الغضب الشعبي أولاً جزيرة سريلانكا عام 2022 وأطاحت برئيسها. وبعد عامين، انفجرت في بنغلادش حيث أطاح المتظاهرون بالحكومة. ويوم الاثنين، انفجر الغضب ذاته في نيبال، مجبراً رئيس وزرائها على الاستقالة بعد يوم واحد فقط.
كل حركة احتجاجية بدأت بمظلمة محددة سرعان ما تحولت إلى رفض شامل للحكومة أو لقادتها.
تشترك هذه الحركات في قاسم مشترك: استياء شعوب محبطة من النخب الحاكمة ونظام سياسي مترسخ يُحمَّل مسؤولية الفساد المستشري، واتساع الفجوة الاقتصادية، وتعمّق اللامساواة.
غالباً ما قاد الشباب هذه الاحتجاجات التي أشعلت أعمال عنف دامية، وأدت أحياناً إلى فراغ سياسي ملأه قادة غير منتخبين مع تفاقم حالة الفوضى وانهيار الأمن.
“إن النظر إلى النخب الحاكمة على أنها فاسدة وغير قادرة على تقديم مسار واقعي للمستقبل، خلق أساساً بنيوياً لأزمات كبرى”، يقول بول ستانيلاند، أستاذ العلوم السياسية المتخصص بجنوب آسيا في جامعة شيكاغو.
الغضب الشعبي في نيبال موجّه ضد النخبة السياسية

اندلعت الاحتجاجات بقيادة الشباب يوم الاثنين بعد أن أشعلت الحكومة استياءً متراكماً على مدى سنوات عبر حظرها منصات التواصل الاجتماعي الكبرى. كثيرون أعربوا عن غضبهم خصوصاً من أن أبناء السياسيين يعيشون حياة مترفة، فيما يكافح غالبية الشعب الفقر والبطالة المتزايدة والفساد المستشري.
أسفرت الاضطرابات عن مقتل ما لا يقل عن 19 شخصاً.
أحرق المتظاهرون مبنى البرلمان، والقصر الرئاسي، ومنازل عدد من الوزراء والسياسيين. وتحت ضغط الشارع، ألغى رئيس الوزراء خادغا براساد أولي قرار الحظر واستقال، لكنه سيقود حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
لا يزال من غير الواضح شكل الحكومة المقبلة، وما إذا كانت ستضم الحرس السياسي القديم. ويخشى كثير من النيباليين عودة مشهد المساومات بين الطبقة السياسية نفسها التي يسعون لإسقاطها.
تعيش نيبال حالة عدم استقرار سياسي مزمنة، إذ لم يتجاوز عمر أي حكومة منذ إقرار الدستور الجديد عام 2015 عاماً أو عامين فقط. وكانت البلاد قد ألغت الملكية عام 2006 بعد انتفاضة عنيفة أجبرت الملك السابق على التخلي عن حكمه الاستبدادي.
ستانيلاند حذّر من أن العنف قد يجعل من “الصعب تحديد من يجب أن يتولى القيادة وكيف يجب أن يتقدم”.
وأضاف: “السؤال الكبير الآن في نيبال هو ما إذا كان بالإمكان استعادة النظام وصياغة نظام سياسي مستقر”.
قبل نيبال كانت بنغلادش وسريلانكا
لكن من يبحث عن إجابات في بنغلادش وسريلانكا لن يجد عزاء.
فغياب التوافق على إصلاحات أساسية مثل الانتخابات وآليات مكافحة الفساد، مع غموض خارطة الطريق المستقبلية، عرقل التقدم الديمقراطي في البلدين وفاقم أزماتهما.

في بنغلادش، بدأت احتجاجات قادها الطلاب رفضاً لقوانين تحد من عدد وظائف الخدمة المدنية على أساس الجدارة. وسرعان ما تحولت إلى انتفاضة وطنية واسعة في يوليو العام الماضي انتهت بإطاحة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة. قُتل المئات – معظمهم من الطلاب – في احتجاجات دامية.
فرت حسينة إلى الهند، وتم تشكيل إدارة انتقالية غير منتخبة برئاسة الحائز على نوبل محمد يونس، الذي وعد بإعادة النظام وإجراء انتخابات جديدة بعد الإصلاحات الضرورية.
لكن بعد عام، لا تزال بنغلادش غارقة في الاضطراب: خلافات حزبية حول مواعيد الانتخابات، تصاعد عنف العصابات والهجمات السياسية، واستهداف الأقليات الضعيفة من قبل متشددين دينيين.

أما في سريلانكا، فقد تولى رانيل ويكرمسينغه رئاسة الوزراء بعد أن أطاحت الاحتجاجات بعائلة راجاباكسا النافذة عام 2022. وفي العام التالي، شهدت البلاد انتقالاً ديمقراطياً للسلطة بعد انتخاب النائب الماركسي أنورا كومارا ديساناياكي رئيساً للجمهورية. تعهّد بتحسين مستوى المعيشة، وتنظيف الحكومة من الفساد، ومحاسبة السياسيين الفاسدين.
لكن بعد عام تقريباً، ما زالت مشاكل سريلانكا بعيدة عن الحل: أزمة اقتصادية خانقة، مخاوف بشأن حقوق الإنسان، وتعثّر في سداد الديون الخارجية.
“لا يوجد ما يشير إلى تحقق آمال التغيير التي حملها المحتجون”، يقول فيراغاثي ثانابالاسينغه، الخبير السياسي المقيم في كولومبو.
عدم استقرار أوسع في المنطقة
الهزات الشعبية طالت دولاً أخرى في المنطقة.
في إندونيسيا، اندلعت احتجاجات دامية الأسبوع الماضي بسبب امتيازات النواب وارتفاع تكاليف المعيشة، وأجبرت الرئيس على تغيير وزراء الاقتصاد والأمن الرئيسيين. أسفرت المواجهات عن مقتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص.
أما في ميانمار، فقد أطاح الجيش بحكومة أونغ سان سو تشي المنتخبة ديمقراطياً عام 2021. ومنذ ذلك الحين، تتسع المقاومة ضد الحكم العسكري، فيما تغرق البلاد في حرب أهلية دامية.
ويختم ستانيلاند بالقول: “رغم أن معظم الاحتجاجات تأتي وتذهب دون نتائج دراماتيكية كهذه، فإن الشرارة موجودة دوماً لاحتمال وقوع حسابات خاطئة وأحداث غير متوقعة قد تتصاعد”.
ويضيف: “أعتقد أن نيبال تمثل السياسة الجديدة لعدم الاستقرار في جنوب آسيا”.
Associated Press


