أثارت وصول أكثر من 150 فلسطينيًا من قطاع غزة إلى جنوب أفريقيا عبر رحلة غامضة موجة جدل واسعة، وسط مخاوف من أن تكون جزءًا من مخطط ممنهج لتهجير سكان القطاع. الرحلة غير المباشرة انطلقت من مطار رامون الإسرائيلي بالقرب من إيلات، مرورًا بالعاصمة الكينية نيروبي قبل الوصول إلى جوهانسبرغ، حاملة على متنها عشرات العائلات الفلسطينية.
تحقيقات صحفية كشفت أن الجهة التي تقف وراء الرحلات الغامضة التي تنقل فلسطينيين من قطاع غزة عبر مطار رامون، هي مؤسسة يديرها شخص يحمل جنسية مزدوجة إسرائيلية – إستونية. وهي مجرد واجهة لشركة استشارات مسجلة في إستونيا.
وقالت “هآرتس” في تحقيق لها، إن المؤسسة تعرض على الفلسطينيين دفع نحو 2000 دولار مقابل حجز مقعد على رحلات طيران مستأجرة تتجه إلى دول بعيدة مثل إندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا.
وأضافت أن مديرية الهجرة الطوعية في وزارة الدفاع الإسرائيلية أحالت نشاط هذه الجهة إلى منسق أعمال الحكومة لتنسيق خروج الفلسطينيين من القطاع.
وأشار المصدر نفسه إلى أن عدة رحلات استأجرتها هذه الجهة أقلعت خلال الأشهر الأخيرة من مطار رامون قرب إيلات، وعلى متنها مجموعات من الغزيين، في مؤشر على مسار شبه منظم لخروج أعداد متزايدة، وليس مجرد حالات فردية.
ويزعم موقع الجمعية الإلكتروني، أنها جمعية ” المجد أوروبا ” أسست في ألمانيا ولها مكاتب في القدس الشرقية غير أن التحقيق الصحفي أظهر أن التسجيل الفعلي يتم في إستونيا وأن النشاط يدار عبر تلك الشركة الاستشارية.
كما أن الموقع الإلكتروني لا يتضمن أرقام هواتف أو عناوين، وقائمة شركائها فارغة رغم أنها تعمل مع 15 هيئة دولية.
وتعمل هذه المؤسسة التي تأسست في 2010 على تهجير الفلسطينيين من القطاع بذريعة “المساعدة”، كما تزعم أنها “تساعد المجتمعات المسلمة في مناطق النزاع”
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الروابط المؤدية إلى صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي لا تقود إلى أي صفحات حقيقية.
ولا يظهر في موقع الجمعية أي معلومات تعريفية عن إدارتها، ولكن في نسخة قديمة منه ظهر شعار شركة مسجلة في إستونيا تدعى “Talent Globus”.
وتفصل صفحة في الموقع “شروط الهجرة الطوعية من قطاع غزة”، وتذكر صراحة أن شركة “Talent Globus” هي التي تنظم تلك الرحلات.
وبحسب الموقع، فإن الشركة تعمل ظاهريا في مجال الاستشارات وتجنيد القوى العاملة إلا أن الموقع يعرض صورا عامة مأخوذة من الإنترنت.
ويظهر البحث في السجل التجاري الإستوني أن شركة “Talent Globus” أسسها قبل عام تومر يانار ليند.
وبحسب السجل التجاري في بريطانيا، فقد أسس ليند خلال العقد الماضي أربع شركات في البلاد ثلاث منها لم تعد نشطة.
وتشير وثائق الشركات إلى أنه من مواليد 1989 ويحمل الجنسية الإسرائيلية والإستونية، وفي صفحة “لينكد إن” الخاصة به ذكر ليند أنه يساعد الغزيين.
مسار الرحلة وآلية السفر
- يجمع الفلسطينيون في مواقع محددة وسط القطاع.
- تُنقل العائلات إلى معبر كرم أبو سالم تحت سيطرة إسرائيل، بعد إجراء فحوصات أمنية أولية.
- يتم نقلهم إلى مطار رامون على متن حافلات تابعة للجهات المنظمة، حيث يصعدون على طائرات مستأجرة.
- الرحلات غالبًا غير معلنة، ويُبلغ المسافرون بالموعد النهائي قبل 24 ساعة فقط.
أقلعت بعض الطائرات التابعة لشركات رومانية مثل Fly Lili وFlyYo وLift، لتصل أولًا إلى بودابست أو نيروبي، ومن هناك إلى وجهتها النهائية مثل إندونيسيا، ماليزيا أو جنوب أفريقيا.
تكلفة الرحلة واستغلال الفلسطينيين
أوضح فلسطينيون أن الجمعية طالبت دفع مبالغ مالية تتراوح بين 1400 و2700 دولار للشخص الواحد، وأحيانًا تصل إلى 5000 دولار مقابل تسريع عملية السفر.
وقد أُجبرت بعض العائلات على الدفع بعد الموافقة المبدئية، مع وعد بتنظيم سفرهم لاحقًا، وسط خوف كبير على سلامة الأطفال والعائلات نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر على غزة، الذي أسفر عن مقتل الآلاف ودمار نحو 80% من القطاع الساحلي.
خلل قانوني وجوازات سفر غير مختومة
أثار الانتباه أمر بالغ الحساسية، إذ لم تُختم جوازات سفر المسافرين بالخروج من إسرائيل أو الدخول إلى الدول الثالثة. هذا الإجراء غير الاعتيادي تسبب في موقف قانوني معقد عند الوصول، حيث رفضت سلطات جنوب أفريقيا دخول بعض الركاب، بسبب عدم وجود الأختام اللازمة، واضطروا للانتظار لساعات طويلة قبل منح 130 شخصًا تصريح دخول لمدة 90 يومًا، بينما توجه 23 شخصًا إلى وجهات أخرى كانت لديهم تأشيرات مسبقة.
هذا الوضع وضع المسافرين في حالة قانونية غامضة، إذ لا توجد وثائق رسمية تثبت مغادرتهم للقطاع أو دخولهم دول الاستقبال، وهو ما قد يعرّضهم لمشكلات مستقبلية عند السفر أو العودة.
وفق مسؤولين فلسطينيين ودوليين، هذه الإجراءات تعكس غياب أي تنسيق رسمي فلسطيني مع إسرائيل أو مع الدول المستقبلة، وأن السفر تم عبر جهات دولية مشبوهة أو وسطاء غير موثوقين، مما يضاعف المخاطر على المسافرين، خصوصًا الأطفال والعائلات.
ردود الفعل الرسمية
- الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا قال إن “هؤلاء الأشخاص وُضعوا بطريقة غامضة على متن الطائرة عبر نيروبي ثم جاءوا إلى هنا”، وأكد عدم إعادتهم إلى غزة بعد استشارة وزارة الداخلية.
- السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا أشارت إلى أن السفر تم عبر جهة غير مسجلة واستغلت الظروف الإنسانية، وجمعت الأموال وسهّلت الرحلة بطريقة غير مسؤولة، ثم تنصلت عند ظهور التعقيدات.
- غرفة العمليات الحكومية للتدخلات الطارئة في غزة حذرت من تصاعد نشاط جهات خاصة وغير قانونية “تقوم بخداع المواطنين وجمع مبالغ مالية بطرق غير مشروعة وترتيب سفر عبر مسارات غير آمنة”.
مخاوف حقوقية وقانونية
المنظمات الحقوقية أعربت عن مخاوفها من أن تكون هذه الرحلات جزءًا من مسعى لإفراغ قطاع غزة من سكانه، مشيرة إلى أن إسرائيل رافقت الحافلات من غزة إلى مطار رامون، وتولت التنسيق مع الدول المستقبلة دون التنسيق مع الجهات الفلسطينية الرسمية.
تقديرات تشير إلى أن نحو 40 ألف فلسطيني غادروا القطاع منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، وسط تحذيرات من أن هناك مخططًا شبه منظم للتهجير.
الخلاصة
الرحلات الأخيرة التي نظمتها جمعية “المجد” تظهر عملية تهجير فلسطينيين من قطاع غزة تحت غطاء إنساني، مع استخدام إجراءات مشبوهة تشمل:
- الدفع المالي مقابل السفر.
- تنظيم الرحلات عبر شركات واجهة واستشارات.
- عدم ختم جوازات السفر مما يخلق مخاطر قانونية.
- التواصل حصريًا عبر تطبيقات رقمية.
- غياب أي تنسيق رسمي فلسطيني.
تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وطبيعة التنسيق مع سلطات الاحتلال. كما أن جوازات السفر غير المختومة تضع المسافرين في موقف قانوني غير مستقرhttps://t.co/xhdzd2ZEtL#Israel #palestine #Gaza #southafrica
— ebd3.net بلا رتوش (@retouchmag) November 17, 2025
#غزة#إسرائيل #فلسطينPalestine pic.twitter.com/691qMYUUCU
هذه الحقائق تؤكد المخاوف من أن ما يجري ليس مجرد إجلاء فردي، بل جزء من عملية تهجير ممنهج تستغل الظروف الإنسانية للغزيين، مع وجود تساؤلات جدية حول الأطراف الفاعلة وأهدافها الحقيقية.






ماهر حمصي