“نحن نعمل على إنقاذ إخواننا الدروز”، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 16 يوليو/تموز، بينما كانت إسرائيل تستهدف مقر القيادة العسكرية السورية في دمشق. جاءت تصريحات نتنياهو بعد تدخل إسرائيل في صراع على السلطة معقد، يضم قبائل بدوية عربية سنية، وميليشيات درزية، وقوات الحكومة السورية، وهو الصراع الذي عانى خلاله مئات المدنيين، معظمهم من الدروز، من عنف مروّع.
في تبريرهم لتصرفاتهم، صوّر المسؤولون الإسرائيليون دروز سوريا ككتلة موحدة تقاوم سيطرة الحكومة وترفض الاندماج في الدولة السورية. لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فبينما يشعر المجتمع الدرزي بالقلق من صعود أحمد الشرع والتأثير الإسلامي في حكومته الجديدة، فإن قادة الدروز تبنوا مواقف متباينة تجاه دمشق: بعضهم أبدى ميلاً للتسوية مع الشرع، بينما رفض آخرون سيطرة الدولة تمامًا.
في نهاية المطاف، سيتطلب التوصل إلى ترتيب سلمي ودائم لتقاسم السلطة تقديم تنازلات متبادلة بين دمشق والمجتمع الدرزي. ويمكن أن تساعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية في تحقيق ذلك—لكن فقط إذا استُخدمت بشكل بنّاء. ويعني هذا دعم القادة الدروز الذين يرون مستقبلهم ضمن سوريا، بدلًا من تعميق الانقسامات من خلال الانحياز إلى فصيل بعينه.
يُقدّر عدد الدروز في سوريا بنحو 700,000 نسمة، أي حوالي 3% من سكان البلاد. وتتركز غالبيتهم في محافظة السويداء، جنوب غربي سوريا على الحدود مع الكيان الاسرائيلي، بينما توجد مجتمعات درزية أصغر في إدلب والقنيطرة وريف دمشق. وبسبب عددهم القليل نسبيًا، سعى الدروز طويلاً لتفادي اضطهاد دمشق.
واليوم، يشعر المجتمع الدرزي بالقلق إزاء مستقبله في ظل القادة الجدد لسوريا. ويخشى كثيرون أن يؤسس الشرع نظامًا أمنيًا قمعيًا جديدًا قائمًا على المبادئ الإسلامية، يهمّش المجتمع الدرزي، ويحرمه من الحماية الدستورية لهويته الدينية والثقافية.
وهذه المخاوف مبرّرة بلا شك. فبعد وصول الشرع إلى الحكم، دمج 18 ميليشيا في الجيش السوري الجديد ذي الغالبية السنية. وفي الوقت ذاته، جاء إعلانه الدستوري الذي حدّد مستقبل سوريا السياسي إقصائيًا، إذ ركّز السلطة في يده، مانحًا إياه صلاحية تعيين المشرّعين، والسيطرة على النظام القضائي، والعمل من دون رقابة. وقد أدى هذا إلى تهميش الدروز ومجموعات أخرى من الأقليات، لم يُستشروا أو يُعترف بهم من قبل دمشق.
عانى الدروز من علاقة مضطربة مع الجماعات الإسلامية خلال الحرب ، لا سيما مع فصيل الشرع السابق، جبهة النصرة. وتحولت التوترات إلى دموية في عام 2015، عندما أطلق مقاتلو النصرة النار على محتجين في قرية قلب لوزة في إدلب، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 درزيًا. وبعد الحادث، طالب الدروز بمحاسبة الجناة، لكن الجماعة المسلحة لم تحاكم أحدًا، مما ترك شعورًا دائمًا بالخوف داخل المجتمع. وقد عمّق هذا الغياب للمحاسبة من انعدام ثقة الدروز بالحكومة الجديدة.
ومع ذلك، فإن مستويات الثقة بالحكومة الجديدة تختلف اختلافًا كبيرًا بين الفصائل الدرزية، مما يؤثر على مدى تعاونها مع الدولة. وعلى الرغم من أن الدروز في سوريا يتشاركون شعورًا قويًا بالهوية، فإنهم يفتقرون إلى هيكل قيادي منظم ورسمي على غرار المجتمع الدرزي في لبنان، الذي يمثله الحزب التقدمي الاشتراكي وشخصيات مثل وليد جنبلاط. وبدلًا من ذلك، يتركّز قيادهم بشكل رئيسي في القيادة الروحية، والمتمثلة في ثلاثة شخصيات دينية بارزة في السويداء: الشيوخ حمود الحناوي، ويوسف جربوع، وحكمت الهجري. وتمتلك هذه الشخصيات مجتمعة التأثير الأكبر على دروز سوريا، وتوجّه قراراتهم الروحية والسياسية على حد سواء.
جربوع والحناوي فتحا باب التفاوض؛ الهجري أغلقه وأدان الحكومة “كفصائل إرهابية”
ويمثل القادة الثلاثة أجندات متباينة داخل المجتمع الدرزي. وقد بدأ الانقسام بينهم عام 2012، عندما قاد الهجري الدروز من بلدته قنوات، بينما قاد كل من الحناوي وجربوع المجتمع من عين الزمان.
وتباينت أيضًا مواقف الشيوخ الثلاثة السياسية بشكل كبير؛ فجربوع براغماتي ومنفتح على التفاوض مع الدولة السورية الجديدة والاندماج فيها؛ ويشارك الحناوي نفس التوجّه، حيث يعارض الانقسامات الداخلية ويركّز على وضع السلاح تحت سيطرة الدولة. أما الهجري، فهو أشد المعارضين لحكم الشرع، وقد كان أول من رفض بشكل قاطع سيطرة الحكومة السورية على السويداء. وفي أبريل، أدان الحكومة الجديدة بحدة، واصفًا إياها بأنها “مجموعة من الفصائل الإرهابية”، ومعلنًا أن سيطرتها على دمشق “غير مقبولة لا داخليًا ولا دوليًا”. وقد وصف الهجري الحكومة مرارًا بأنها “جماعة متطرفة مطلوبة للعدالة الدولية”. بالمقابل، أكد الحناوي شرعية الشرع كرئيس لسوريا، معربًا عن استعداده “للتعاون معه من أجل مصلحة الوطن”. وقد ردّد جربوع هذا الموقف، مشيرًا إلى توجه أكثر تصالحيًا تجاه حكومة الشرع.
إلى جانب الحكومة الجديدة في دمشق، أصبحت إسرائيل أيضًا نقطة خلاف بين القادة الثلاثة. فقد دعا الهجري مرارًا إلى “تدخل دولي” لحل الأزمة في جنوب سوريا، بل دعا صراحة إلى تدخل إسرائيلي للحفاظ على استقلاله المحلي في السويداء. وهو تدخل من شأنه أيضًا إحباط أي محاولة من قبل الحكومة السورية لمركزة الحكم في المنطقة. في المقابل، حرص القائدان الدرزيان الآخران على تأطير مشكلتهما مع دمشق كقضية داخلية، رافضين أي تدخل خارجي.
كما تختلف المواقف الشعبية تجاه إسرائيل. ففي السويداء، على سبيل المثال، أنزل السكان علمًا إسرائيليًا أُقيم في ساحة عامة، وأحرقوه. وبعد أن تعهد نتنياهو بالدفاع عن دروز سوريا في فبراير/شباط الماضي، بدأت فصائل مرتبطة بالهجري بالدعوة إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل، رغم أن الهجري نفسه نأى بنفسه عن هذه المساعي. وتضم هذه الفصائل “مجلس السويداء العسكري”، ويشمل ضباطًا سابقين في نظام بشار الأسد.
الهجري قاتل تحت لواء بشار أسد ثم شتمه بعد أن أهان دروز السويداء
وخلال الثورة السورية، دعم الهجري بشار أسد ، بل شكّل ميليشيا محلية بالتنسيق مع جهاز الأمن العسكري للنظام. كما استضاف والتقى بممثلين عن ميليشيات مدعومة من إيران في العراق تدعمها حكومة الأسد، مثل حركة “حزب الله النجباء”. ومع ذلك، بدأ الهجري في انتقاد نظام أسد في السنوات الأخيرة من الحرب، بعد أن أهان مدير المخابرات العسكرية في السويداء، لؤي العلي، الهجري والمجتمع الدرزي خلال مكالمة هاتفية عام 2021.
ورغم أن “مجلس السويداء العسكري” ادعى في البداية أن إسرائيل لا تدعمه، فإن الواقع على الأرض أظهر خلاف ذلك. فعندما أعلنت القوات السورية نيتها دخول السويداء في 15 يوليو/تموز ، بعد يومين من الاشتباكات بين ميليشيات درزية وقبائل بدوية سنية، قبل كل من جربوع والحناوي دخول قوات الحكومة، بينما رفض الهجري ذلك. وعلى الفور تقريبًا، شنت إسرائيل حملة جوية مكثفة ضد القوات السورية المتقدمة نحو السويداء، ما يوحي بتنسيق وثيق بين الهجري وإسرائيل.
ولم تتوقف الخلافات بين القادة الدروز عند هذا الحد. فقد وافقت الحكومة السورية على ترتيب لوقف إطلاق النار مع جربوع والحناوي في 16 يوليو. لكن الهجري رفضه، متعهدًا بمواصلة القتال لطرد قوات الشرع من السويداء. وشدد جربوع على أن “غالبية أبناء السويداء يأملون في استعادة الاستقرار”، مؤكدًا أن “الاندماج في الدولة وحده هو ما يجلب الأمن والاستقرار”. في المقابل، صرّح الهجري بأن “من يخالف موقفنا سيُحاسب”.
وقد بلغت الاشتباكات بين قوات الحكومة والميليشيات المرتبطة بالهجري ذروتها في اتفاق لوقف إطلاق النار في 16 يوليو. ووقع الاتفاق “مجلس السويداء العسكري” والحكومة السورية، ونصّ على انسحاب القوات الحكومية من السويداء. لكن الاتفاق انهار في اليوم التالي. ما تبعه كان حملة شنتها ميليشيات الهجري ضد البدو في السويداء، أُحرقت فيها منازلهم وتعرض عدد منهم للاختطاف. وقد دفع ذلك قبائل بدوية في أنحاء سوريا إلى التعبئة وارتكاب انتهاكات بحق الدروز في السويداء. ثم، ردًا على تلك المواجهات، عادت القوات الحكومية إلى المحافظة، لكنها امتنعت عن دخول مدينة السويداء بناءً على مطلب الهجري. وانتهت الاشتباكات باتفاق في 19 يوليو يقضي بإعادة البدو المختطفين مقابل انسحاب المقاتلين البدو من المحافظة.
جربوع والحناوي مفتاح اندماج؛ الطريق وثقة الدروز على المحك
تشكل أزمة السويداء أكبر تحدٍّ تواجهه الحكومة الجديدة في دمشق منذ توليها الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2024. وسيتطلب حلها أن تتصرف جميع الأطراف بشكل أكثر بنّاءً مما فعلته حتى الآن.
أولًا، يجب على حكومة الشرع أن تنخرط مع القادة الدروز الذين أبدوا انفتاحًا على الاندماج، مثل جربوع والحناوي، وأن تعمل على معالجة مخاوفهم. وعلى المدى القصير، ينبغي للحكومة إنشاء مؤسسات في السويداء لتقديم الخدمات الأساسية. كما أن تأمين الطريق السريع الواصل بين دمشق والسويداء، الذي أصبح مرتعًا للاختطاف والجريمة منذ إسقاط النظام البائد، يمكن أن يعزز ثقة المجتمع الدرزي. كذلك، على الحكومة أن تأخذ بالحسبان الحساسيات المحلية، وخاصة القلق من العناصر الإسلامية داخل جهازها الأمني. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير آلية لدمج الدروز المحليين في قوة الشرطة الوطنية.
وعلى المدى الطويل، يجب على الحكومة السورية محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد الدروز. ففي 22 يوليو، أعلنت اللجنة المكلفة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد العلويين في مارس، أنها قدّمت أسماء 298 مشتبهًا بهم، بينهم عناصر من القوات المسلحة السورية، إلى القضاء لمتابعة التحقيق. والكرة الآن في ملعب الشرع، والعالم يترقب ما إذا كان مستعدًا لمحاكمة من هم في صفوفه. وإلى جانب المساءلة، هناك حاجة إلى عملية سياسية شاملة. ينبغي أن تتيح لجميع مكونات المجتمع السوري المشاركة في حكم البلاد، مع احترام كامل لهوياتهم الثقافية والدينية.
إسرائيل تهدد لحماية الدروز والشرع يناور بعيدًا عن “الفوضى والدمار”
لقد أوضحت إسرائيل للحكومة السورية استعدادها لاستخدام الوسائل العسكرية لحماية المجتمع الدرزي. وفي الوقت ذاته، أوضح الشرع أنه لا يسعى إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، واضعًا مصالح السوريين قبل “الفوضى والدمار”. ينبغي أن يقود هذا إلى نتيجة يتم التوصل إليها عبر القنوات الخلفية والمحادثات الأمنية الجارية منذ مايو. وإذا تمكن الشرع من تقديم ضمانات موثوقة بأن معاملة الدروز ستتحسن، يمكن لنتنياهو أن يعلن النجاح ويوقف الغارات الجوية، مما يلبّي أيضًا مطلب الشرع.
تُصر إسرائيل على أنها تعمل لحماية الأقلية الدرزية. غير أن عليها أن تتحلى بالحذر في اختيار من تتحالف معه. فالهجري لا يمثل كل المجتمع الدرزي، ومعاملته على هذا الأساس ستأتي بنتائج عكسية. وإذا انجرت إسرائيل إلى صراع داخلي داخل المجتمع الدرزي السوري، فسيكون ذلك سيئًا للدروز، وسيئًا لسوريا، وسيئًا لإسرائيل.
وفي غضون ذلك، عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رغبته في تحقيق الاستقرار في سوريا من خلال رفع العقوبات. لكن على الولايات المتحدة أيضًا أن تضغط على الشرع ليبرهن لمجموعات سوريا الإثنية والدينية أنه قائد جدير بالثقة—قائد يحمي مصالحهم ويضمن أمنهم. وخطوة حاسمة في كسب هذه الثقة، هي محاسبة مقاتلي حكومته المسؤولين عن الجرائم ضد كل من العلويين والدروز. ويجب على واشنطن أن توضح للشرع أن أي تخفيف إضافي للعقوبات مشروط بوقف السماح لقواته بالتصرف دون محاسبة.