وول ستريت جورنال –
منذ الأسبوع الماضي، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارات متتالية على أهداف منتشرة داخل إيران، في اختبار واضح لحدود ما يمكن للقوة الجوية وحدها تحقيقه في الحروب.
لطالما اعتبر المفكرون العسكريون أن الصواريخ والقنابل، رغم أهميتها البالغة في الحروب الحديثة، نادرًا ما تكون كافية بمفردها لتحقيق نصر حاسم، خصوصًا إذا كانت الأهداف الاستراتيجية واسعة النطاق.
في هذه الحالة، أعلنت إسرائيل أن هدفها هو منع إيران من تطوير أسلحة نووية، إما بتدمير قدرتها عمليًا على القيام بذلك، أو عبر إجبار طهران على التخلي عن هذا الطموح من خلال تسوية تفاوضية. كما دعا بعض السياسيين الإسرائيليين إلى الإطاحة بالنظام الديني الحاكم في طهران.
يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أن تنضم الولايات المتحدة إلى الحملة، من أجل تعزيز فرص نجاحه، خاصةً أن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات تُعد الخيار الأمثل لتدمير منشأة فوردو الإيرانية المحصنة تحت الأرض.
وأفاد البيت الأبيض يوم الخميس أن الرئيس ترامب سيتخذ قرارًا خلال الأسبوعين القادمين.
تبدو السياسة العسكرية الإسرائيلية معتمدة بشدة على فكرة الحسم بالقوة الجوية فقط، دون اللجوء إلى تدخل بري، باستثناء عدد محدود من عناصر النخبة والاستخبارات الذين يُساندون الغارات.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن غياب الخيار البري يرجع إلى محدودية قدراتها على تنفيذ عمليات برية واسعة وبعيدة عن حدودها، ضد عدو يفوقها حجمًا. أما الولايات المتحدة، فلديها الإمكانيات، لكن إدارة ترامب مترددة للغاية بشأن نشر قوات برية في أي حرب خارجية.

إذا حققت إسرائيل نجاحًا، سواء بمساعدة أمريكية أو بدونها، فقد يؤدي ذلك إلى إعادة النظر جذريًا في الدور الحاسم للقوة الجوية الحديثة، التي أصبحت أكثر فاعلية بفضل استخدام الطائرات بدون طيار وتقنيات المراقبة والاستخبارات المتطورة. لكن يظل هناك عدد كبير من المشككين.
نادراً ما شهد التاريخ الحديث صراعًا مسلحًا واسع النطاق بين دولتين تمحور حول الضربات الجوية فقط دون تدخل بري.
يقول فيليبس أوبراين، أستاذ دراسات الحرب في جامعة سانت أندروز الاسكتلندية:
“في غياب القوات البرية، يتغير شكل أي حرب — لا يمكنك السيطرة على الأشياء ماديًا، بل يمكنك فقط تدميرها”.
ويضيف: “يجب على الطرفين تحليل الدولة المعادية بوصفها آلة تشغيل متكاملة، وتحديد المكونات — مثل الإنتاج العسكري أو مراكز القيادة والسيطرة — التي يمكن أن يؤدّي تدميرها إلى تحقيق نصر. لكن هذا صعب للغاية، ولهذا نادرًا ما نشهد حروبًا جوية خالصة”.
لطالما تبادلت إسرائيل وإيران الضربات علنًا وسرًا لسنوات. ومنذ عام 2023، دخلتا في حرب غير مباشرة عبر وكلاء في غزة ولبنان واليمن، بالإضافة إلى اشتباكات مباشرة عبر صواريخ وغارات العام الماضي.
يقول عوفر فريدمان، الضابط الإسرائيلي السابق والمحاضر في كينغز كوليدج بلندن:
“إذا كانت لديك أهداف سياسية محدودة لا تتطلب وجودًا بريًا، فبإمكانك نظريًا تحقيق النصر باستخدام القوة الجوية وحدها”.
لكنه أضاف: “المشكلة أننا لا نعرف على وجه الدقة ما هي أهداف إسرائيل الحالية”.
هذا التنوع الكبير في الأهداف — من منشآت عسكرية ونووية، إلى رموز السلطة مثل الشرطة، وصولًا إلى المصافي النفطية — يصعّب فهم مدى اتساع الأجندة الاستراتيجية الإسرائيلية.
أما بالنسبة لإيران، فالحرب تهدف ببساطة إلى الحفاظ على السلطة، والاستمرار في تخصيب اليورانيوم. إلا أن قدرتها على الرد محدودة بشدة. فالهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية لم تُسبب أضرارًا تُذكر بفضل منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي.
في المقابل، تهيمن الطائرات الإسرائيلية على سماء غرب إيران، وتقصف الأهداف بحرية شبه مطلقة. ويرى محللون أن أفضل أمل لطهران هو الصمود إلى حين استنزاف إسرائيل لقدراتها اللوجستية والمالية في هذه الحملة الجوية المكلفة.
سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب:
- تدمير كبير للبرنامج النووي الإيراني، خصوصًا بمساعدة أمريكية، ما قد يؤدي إلى تأخير طويل لإعادة بناء المنشآت النووية.
- رضوخ القيادة الإيرانية، والتوقيع على اتفاق تتخلى فيه عن تخصيب اليورانيوم.
- انهيار النظام الإيراني، وبالتالي انهيار طموحاته النووية معه.
- نتيجة ضبابية، حيث يواصل النظام الصمود، وتتم إعادة بناء البرنامج النووي بطريقة أكثر تصميمًا وفي مواقع أكثر تحصينًا وبمراقبة دولية أقل.
حتى إذا تم تدمير فوردو، فقد لا يكون ذلك سوى تأجيل مؤقت، لكنه يُعد مكسبًا لإسرائيل إذا استغلت فترة التوقف لتغيير الواقع السياسي في طهران.
يقول مايكل أوهانلون، الباحث في معهد بروكينغز:
“في العراق، حققنا نجاحًا على المدى القصير، لكن على المدى الطويل دفعت الضربة العراق إلى العمل في الخفاء”.
فقد تم تفكيك برنامج صدام النووي بعد خسارته حرب الكويت في 1991، قبل أن تؤدي حرب عام 2003 إلى إنهاء حكمه.
في سوريا، اندلعت الحرب الأهلية قبل أن يُعيد بشار الأسد برنامجَه النووي إلى الحياة. وسقط من الحكم العام الماضي، نتيجة غير مباشرة لضربة إسرائيلية طالت حزب الله اللبناني حليفه.

هل تؤدي القوة الجوية وحدها إلى تغيير الأنظمة؟
التجربة التاريخية تقول: نادرًا جدًا. فعادة ما يتطلب الأمر قوات برية أو حليفًا معارضًا قويًا على الأرض.
حين أطاح تحالف بقيادة الولايات المتحدة بحركة طالبان عام 2001، تعاون مع “التحالف الشمالي” المحلي، كما نشر قوات برية أميركية بسرعة. (وعادت طالبان إلى الحكم بعد 20 عامًا مع الانسحاب الأميركي).
الهجمات الإسرائيلية الجوية قد تُضعف هيبة النظام الإيراني، وتعطل أجهزة السيطرة والقمع الداخلية. لكن لا توجد حتى الآن مؤشرات لوجود معارضة داخلية قادرة على إزاحة النظام.
غالبية الإيرانيين مشغولون بمحاولة النجاة، لا الثورة.
وحتى إذا غاب المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، فقد تنتقل السلطة إلى الحرس الثوري، ما قد يؤدي إلى نشوء نظام عسكري أكثر تشددًا.
ورغم أن تغيير النظام ليس مستبعدًا، إلا أن وقوعه نتيجة لغارات جوية فقط سيكون سابقة شبه فريدة في التاريخ الحديث.
هل السيطرة على السماء كافية للفوز؟
في كتيّب مؤثر للقوات الجوية الأميركية عام 1995 بعنوان “عشر قضايا حول القوة الجوية”، كتب العقيد فيليب ميلينغر:
“في الواقع، لم يحدث أبدًا أن أجبر تحقيق التفوق الجوي دولةً على الاستسلام. لذا، يظل التفوق الجوي عاملًا ضروريًا لكنه غير كافٍ لتحقيق النصر. إنه الخطوة الأولى الأساسية.”
كل الحملات الجوية الكبرى تقريبًا في التاريخ كانت ضمن حروب شملت قوات برية أيضًا. تشمل الأمثلة الهجوم الخاطف لألمانيا النازية على بريطانيا، والقصف الاستراتيجي من الحلفاء ضد ألمانيا، والقصف الأميركي المطوّل على فيتنام الشمالية، والأسابيع الأولى من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في عام 1991، بالإضافة إلى القصف الروسي المستمر على أوكرانيا منذ عام 2022.
كما تضمنت الحملات الجوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في يوغوسلافيا السابقة، وأفغانستان، وليبيا تعاونًا مباشرًا مع حلفاء محليين. أما الهند وباكستان، فقد تبادلتا الضربات الجوية والمدفعية في مايو الماضي.
نادراً ما نجحت الحملات الجوية التي لم تكن تمهيدًا لعمليات برية في تحقيق نتائج حاسمة. كثيرًا ما فشلت في تحقيق الاختراق الذي كان مخططوها يأملونه، أو — كما في حالة القصف الجوي للحلفاء للمدن الألمانية — بقيت فعالية هذه الهجمات محل جدل واسع حتى الآن.
حتى الحملة الجوية لحلف الناتو في كوسوفو، التي لعب فيها المتمردون المحليون دورًا ثانويًا، لم تتمكن من إلحاق ضرر كبير بجيش صربيا الذي كان مموّهًا جيدًا، واستغرقت وقتًا أطول بكثير مما كان متوقعًا لإجبار الصرب على الانسحاب. وقد كانت هذه الحرب أحد العوامل التي أدت لاحقًا إلى احتجاجات جماهيرية أطاحت بالرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش في العام التالي.
كما شنت إسرائيل حملة جوية مكثفة ضد حزب الله عامي 2023 و2024، لكنها اعتمدت أيضًا على اجتياح بري لأربع فرق من الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، في حين نفذت وكالة الاستخبارات “الموساد” عمليات سرّية استهدفت أجهزة الاستدعاء التي يستخدمها كوادر حزب الله.
وربما كانت أقرب سابقة لحرب جوية خالصة — إلى جانب الصدام الإسرائيلي الإيراني — هي مواجهة إسرائيل مع ميليشيا الحوثيين في اليمن منذ عام 2023. شملت هذه المواجهة تبادلًا لصواريخ بعيدة المدى وغارات جوية، وكانت إحدى أكثر الجبهات ضبابية في حروب إسرائيل منذ هجمات السابع من أكتوبر. كما واجهت الولايات المتحدة صعوبة في إخضاع الحوثيين عبر الغارات الجوية. وانتهى الأمر بترامب إلى قبول وقف إطلاق نار أميركي فقط، بينما استمر الحوثيون في إطلاق النار نحو إسرائيل.