إيران ما بعد الصراع: رقصة على حافة الهاوية

في 13 حزيران/يونيو 2025، عندما اخترقت الضربات الإسرائيلية المنشآت النووية الإيرانية، وردت طهران بصواريخها الباليستية ومسيّراتها، تجمدت المنطقة على مفترق مصيري.
هذا التصعيد، الذي تجاوز حدود المواجهة العسكرية، يطرح تساؤلات عميقة عن مستقبل إيران ونفوذها الإقليمي.
هل ستعيد هذه اللحظة تشكيل توازنات الشرق الأوسط، أم ستُفاقم التصدعات الداخلية والخارجية؟
بناءً على تحليلات لمصادر غربية مرموقة، نستعرض أربعة سيناريوهات محتملة لإيران ما بعد الحرب، حيث تتقاطع الطموحات النووية، الضغوط الدولية، وتحركات الوكلاء الإقليميين ضمن لوحة معقّدة من التحديات والفرص.

Iran post conflict dance on the edge

قد تنجح إسرائيل في تعطيل البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، لكن، كما يشير تشاك فرايليتش في صحيفة هآرتس، فإن طهران تبقى شبحًا نوويًا يتربص تحت الأنقاض.
ورغم الانكماش الاقتصادي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط والعقوبات الغربية، يُوظف النظام الإيراني تصريحات الرئيس ترامب – التي طالبت بـ”استسلام غير مشروط” ووصفت المرشد بأنه “هدف سهل” – كوقود لتعبئة شعبية قومية.
تحت الرماد، يرسّخ النظام قبضته الحديدية ويروّج لسردية المقاومة، غير أن الشروخ الداخلية تهدد بانفجار وشيك.

خسائر قادة الحرس الثوري وعلماء نوويين، كما تلمح “وول ستريت جورنال“، قد تُشعل شرارة انقسام بين القادة السياسيين والعسكريين.
تهديدات ترامب بضربات أقسى تُضخم هذا الشرخ، بينما التضخم ونقص السلع يُوقدان غضب الشارع.
هل سيتجه النظام إلى القمع الوحشي؟
أم سيلجأ إلى إصلاحات سطحية تخفي جوهرًا متصدّعًا؟
في هذا المشهد، لا تبدو إيران دولة متماسكة، بل لغزًا ينتظر لحظة الانهيار.

طموح إسرائيل الأعظم، إسقاط النظام، قد يفتح أبواب الجحيم، كما يحذر زفي بارئيل في هآرتس. إيران، بتعددها العرقي، قد تنزلق إلى فوضى شبيهة بالعراق 2003، حيث تتغذى الجماعات المتطرفة على فراغ السلطة، ويتعطل مضيق هرمز، فيضرب قلب الاقتصاد العالمي.
أوروبا، التي تخشى موجات لاجئين، تُناشد التهدئة، بينما روسيا تستغل ارتفاع أسعار النفط لدعم حربها في أوكرانيا، والصين تحمي إمداداتها الطاقوية بحذر دبلوماسي. هذا السيناريو ليس نهاية إيران، بل زلزال يهز المنطقة.

تحت وطأة الضغوط، قد تُمسك إيران بحبل المفاوضات، كما تشير “الغارديان“، مستجيبة لتلميحات ترامب باتفاق نووي. فرنسا وبريطانيا، رغم تضامنهما المشروط مع إسرائيل، تدفعان نحو التهدئة، بينما ألمانيا ترى الهجمات “مهمة قذرة” لكنها تُناشد الحلول الدبلوماسية.
السعودية، قطر، عمان، الكويت، مصر، وتركيا، في بيانات حادة، أدانت الهجمات كـ”انتهاك للسيادة”، لكنها ركزت على الدبلوماسية، بقيادة وساطة عُمانية ومصرية.
الأردن، محافظًا على حياده، رفض تحويل أراضيه إلى ساحة حرب. الإمارات والبحرين، رغم إدانتهما، حافظتا على توازن يراعي علاقاتهما الغربية.
روسيا والصين، رغم دعمهما اللفظي لإيران، تدفعان نحو التفاوض لحماية مصالحهما الاقتصادية.
هذه التسوية قد تُنقذ النظام، لكنها رقصة على جمر التنازلات.

يقف النظام الإيراني اليوم على شفير هاوية حقيقية، حيث كل خطوة تُعيد رسم مصيرها السياسي والإقليمي.
هل سيتشبث بمنهج القبضة الحديدية، مراهِنا على سردية المقاومة واستعادة نفوذها الإقليمي – عبر ميليشياته :حزب الله، والحشد الشعبي، والحوثيين – رغم الضربات التي أنهكت هذه الأذرع؟
أم سينهار داخليًا، وتتفكك شبكته الخارجية؟
هل يؤدي الانهيار إلى فوضى إقليمية تهدد مضيق هرمز والأسواق العالمية؟
أم سيعمد إلى مناورة دبلوماسية، فتجمّد طموحاتها النووية مؤقتًا لإعادة بناء نفوذها؟

تصريحات ترامب المزدوجة – التي تمزج بين التهديد والإغراء – تحاصر إيران بين خيارَي المقاومة والتفاوض.
أوروبا تراقب الأزمة بقلق متزايد من أزمة لجوء محتملة.
الخليج يُناور بين الإدانات والسيادة.
روسيا والصين تمسكان العصا من المنتصف، تدعوان للتفاوض دون أن تتورطا ميدانيًا.

لكن السؤال الأعمق لا يدور فقط حول النظام الإيراني ووكلائه، بل حول مستقبل الجغرافيا السياسية بالكامل.
إلى أي مدى قد يفتح انهيار إيران أو تحوّلها السياسي الباب أمام إعادة إشعال التوترات في مناطق النزاع الإقليمي، مثل الأحواز وجزر الإمارات الثلاث؟
وهل يمكن لشبكتها الإقليمية أن تعود من الرماد، أم أن النهاية قد كُتبت بالفعل؟

عد إلى هذه السطور، لا بحثًا عن إجابة، بل للتأمل في الرقصة المستمرة: إيران على حافة الهاوية، تجرُّ خلفها خريطة قد تتبدل مع كل خطوة.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية