الإبادة الجماعية مستمرة في غزة لأنها مربحة: تقرير أممي يكشف تورط شركات عالمية

منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت بنية الاحتلال الإسرائيلي تحولًا جوهريًا، إذ لم يعد مجرد احتلال عسكري، بل تطور إلى نظام اقتصادي يعتمد على الإبادة الجماعية.
وراء الجرافات، والصواريخ، وأنظمة المراقبة، وشبكات النفط، تقف شركات عالمية كبرى تدعم هذا النظام، سواء عبر التمويل، أو التوريد، أو التسويق، من وادي السيليكون إلى بورصات لندن ونيويورك.
توصلت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، في تقريرها إلى نتيجة صادمة: “الإبادة الجماعية مستمرة لأنها مربحة”.

فرانشيسكا ألبانيز

وأظهر التقرير أن أكثر من 60 شركة عالمية تقدم دعمًا مباشرًا للإبادة الجارية في غزة والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
ودعت ألبانيز أكثر من 1000 شركة إلى قطع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي، محذرة من المساءلة القانونية في حال استمرار التورط.
استند التقرير إلى أكثر من 200 بلاغ من مصادر متنوعة لرسم خارطة التورط، مع التركيز على ثمانية قطاعات رئيسية: صناعة الأسلحة، شركات التكنولوجيا، البناء والتشييد، الصناعات الاستخراجية والخدمية، البنوك، صناديق التقاعد، شركات التأمين، والجامعات والجمعيات الخيرية.
تساهم هذه الكيانات في انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، إلى جانب انتهاكات هيكلية أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تشمل الاحتلال، والضم، وجرائم الفصل العنصري، والإبادة الجماعية، فضلاً عن قائمة طويلة من الجرائم، من التمييز العنصري، والتدمير المتعمد، والتهجير القسري، والنهب، إلى القتل خارج نطاق القانون، والتجويع.

تزود كبرى شركات تصنيع الأسلحة آلة الحرب الإسرائيلية بأدوات فتاكة :

  • Lockheed Martin: تنتج طائرات F-16 وF-35 التي ألقت أكثر من 85,000 طن من القنابل، مزودة بذخائر ذكية (JDAM) تُستخدم في استهداف المناطق المدنية.
  • Elbit Systems: توفر أنظمة استهداف ذكية للطائرات بدون طيار، وتعمل بشكل وثيق مع جيش الاحتلال. حصلت الشركة على “جائزة الدفاع” لعام 2024.
  • Israel Aerospace Industries (IAI): طورت طائرات بدون طيار تُستخدم في الاستهداف الجماعي، بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).
  • Leonardo: تشارك في إنتاج أجزاء من مقاتلات F-35، وتسهم في نقل التكنولوجيا إلى إسرائيل.
لا تقتصر هذه الشركات على توفير الأسلحة، بل تستخدم غزة كميدان اختبار تجاري لتسويق منتجاتها.

الرقابة والتحكّم الإلكتروني هما أساس النظام القمعي الإسرائيلي — بدعم مباشر من:

  • Microsoft: تمتلك أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة في إسرائيل، وتُدمج تقنياتها في أنظمة الجيش، والمدارس، والسجون، والمستوطنات.
  • Amazon وGoogle (Alphabet): وقّعتا عقد “نيمبوس” لتوفير خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لجيش الاحتلال.
  • IBM: قدمت دعمًا مباشرًا لنظام البصمة البيومترية للفلسطينيين عبر وحدة 8200 الأمنية. ومنذ عام 2019، تدير IBM إسرائيل قاعدة البيانات المركزية لهيئة السكان والهجرة والحدود الإسرائيلية.
  • HP: توفر البنية التحتية الرقمية لتسهيل التمييز عند الحواجز ونقاط التفتيش، وفي مصلحة السجون والشرطة.
  • Palantir: طورت أنظمة تنبؤ أمني تُستخدم لتصنيف الفلسطينيين وتبرير استهدافهم. كما زودت إسرائيل بتقنيات التنبؤ الأمني الآلي، وبنية تحتية لتسريع تطوير ونشر البرمجيات العسكرية، ومنصة ذكاء اصطناعي تدمج بيانات ساحة المعركة في الزمن الحقيقي لاتخاذ قرارات آلية.

وفي أبريل/نيسان 2025، ردّ الرئيس التنفيذي للشركة على اتهامات بتورطها في قتل فلسطينيين في غزة بقوله: “معظمهم إرهابيون، هذا صحيح“.

الإبادة الجماعية مستمرة لأنها مربحة

فرانشيسكا ألبانيز

ويؤكد التقرير أنه غالباً ما تنشأ الشركات الإسرائيلية الناشئة من البنية التحتية والاستراتيجيات العسكرية، كما هو حال مجموعة NSO، التي أسسها ضباط سابقون في وحدة 8200.

وقد استُخدم برنامجها التجسسي “بيغاسوس” – المصمَّم للتجسس على الهواتف الذكية – ضد نشطاء فلسطينيين، وتم ترخيصه على نطاق عالمي لاستهداف قادة، وصحفيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان.

وقد طوّر جيش الاحتلال أنظمة ذكاء اصطناعي مثل “لافندر”، و“Gospel”، و“Where’s Daddy؟” لتحليل البيانات وتوليد قوائم أهداف، ما أعاد تشكيل مفهوم الحرب الحديثة وبيّن الطبيعة مزدوجة الاستخدام للذكاء الاصطناعي.


لا يكتفي الاحتلال باستخدام القنابل، بل يعتمد أيضًا على معدات مدنية لتدمير الحياة الفلسطينية:

  • Caterpillar: تزود إسرائيل بجرافات D9 التي تُستخدم في معظم العمليات العسكرية منذ عام 2000، لفتح خطوط الاقتحام، و”تحييد” المناطق، وسحق فلسطينيين حتى الموت، وذلك من خلال برنامج التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي.
  • Hyundai HD وDoosan: ساهمت معداتهما في تسوية أحياء في غزة، وقلع أشجار الزيتون في الضفة الغربية، وهدم منازل في القدس الشرقية.
  • Volvo: مُدرجة في قاعدة بيانات الأمم المتحدة، وتُستخدم معداتها في بناء المستوطنات وشق الطرق التي تعزز الفصل العنصري.
  • Leonardo: ساهمت أيضاً في تحويل جرافات إلى منصات قتالية عن بُعد.

لا يقتصر الاحتلال على القوة العسكرية، بل يمتد إلى التسويق العقاري والبيع والشراء:

  • William Kelly Realty: تبيع وحدات سكنية داخل المستوطنات لمشترين أجانب.
  • Booking: تروّج للمستوطنات كوجهات سياحية جذابة، حيث ارتفع عدد عروضها من 26 عرضًا في عام 2018 إلى 70 عرضًا بحلول مايو/أيار 2023. كما تضاعفت عروضها في القدس الشرقية ثلاث مرات لتصل إلى 39 عرضًا خلال عام واحد بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023.
  • Airbnb: عززت أيضاً من أرباحها الاستيطانية، إذ ارتفع عدد عروضها من 139 عرضًا عام 2016 إلى 350 عرضًا في عام 2025، وتحصّل ما يصل إلى 23% كعمولة.

في مستوطنة “تقوع”، تتيح Airbnb للمستوطنين الترويج لما يسمونه “مجتمع دافئ ومحب”، بينما يُخفون العنف الذي يمارسونه ضد قرية تقوع الفلسطينية المجاورة.

تزود شركات الطاقة العالمية إسرائيل بالطاقة اللازمة لتنفيذ إبادة جماعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومن أبرز هذه الشركات:

  • Chevron:تستخرج الغاز الطبيعي من حقلي ليفياثان وتمار ضمن ائتلاف مع شركة NewMedEnergy الإسرائيلية، وسددت 453 مليون دولار كضرائب وحقوق امتياز للحكومة الإسرائيلية في عام 2023. يوفر ائتلاف شيفرون أكثر من 70% من استهلاك إسرائيل المحلي من الغاز الطبيعي، ويرتبط الحصار البحري على غزة ارتباطًا مباشرًا بسيطرة إسرائيل على غاز تمار وخط الأنابيب.
  • BP: استثمرت مؤخرًا في تراخيص تنقيب جديدة داخل المياه الفلسطينية.
  • Glencore وDrummond: زودتا إسرائيل بـ15 شحنة فحم بعد أكتوبر 2023، رغم حظر بعض الدول.
  • Petrobras: موّلت وقود طائرات الاحتلال الحربية.
  • Intel: تشغّل عدة فروع في إسرائيل وتقدّم دعمًا مباشرًا للتقنيات المرتبطة بالاستخبارات.
ومنذ أكتوبر 2023، قطعت إسرائيل الكهرباء عن معظم قطاع غزة، مما تسبب في انهيار شبه تام لمحطات ضخ المياه، والمستشفيات، ووسائل النقل. كما أدت مياه الصرف الصحي المتدفقة إلى عودة ظهور مرض شلل الأطفال، وتوقفت محطات تحلية المياه الحيوية عن العمل.

  • Tnuva: أكبر شركات الأغذية الإسرائيلية، تنتج منتجات الألبان في مزارع استيطانية، وتصدر منتجاتها إلى العالم العربي، مستفيدة من تدمير غزة لتوسيع حصتها في السوق.
  • Netafim: تطور أنظمة ري تخدم المستوطنات في الأغوار، بينما يُحرم الفلسطينيون من المياه. الشركة مملوكة لشركة Orbia المكسيكية.

تشير الوثائق إلى أن هذه الشركات تكرس الجوع والتبعية الغذائية للشعب الفلسطيني، وهو ما يُعتبر سلاح إبادة بيولوجي غير تقليدي. تجبر إسرائيل الفلسطينيين على شراء المياه المستخرجة من حوضين مائيين رئيسيين في أراضيهم بأسعار مرتفعة وبكميات متقطعة. وتمتلك شركة المياه الوطنية الإسرائيلية “ميكوروت” احتكارًا على هذه المياه.

في غزة، تتلوث أكثر من 97% من مياه الحوض الساحلي، مما يجعل السكان يعتمدون على خطوط مياه ميكوروت للحصول على معظم مياه الشرب.


المال هو ما يضمن استمرار منظومة الإبادة في الأراضي المحتلة:

  • BlackRock وVanguard: من أكبر المستثمرين في شركات السلاح والتكنولوجيا الداعمة للإبادة.
  • BNP Paribas وBarclays: موّلتا سندات خزانة إسرائيلية لتغطية العجز بعد زيادة ميزانية الجيش بنسبة 65%.
  • AXA وAllianz: شركات تأمين تستثمر المليارات في أسهم شركات متورطة، وتغطي أصول جيش الاحتلال.

لا تزال AXA – رغم بعض قرارات الانسحاب – تستثمر ما لا يقل عن 4.09 مليارات دولار في الشركات المذكورة في هذا التقرير، وتوفر وثائق تأمين تحمي الشركات الأخرى عند العمل في الأراضي المحتلة.
صناديق تقاعد مثل GPFG (النرويج) وCDPQ (كندا) تستثمر في شركات تدعم جرائم حرب دون مساءلة.
الأموال التي يدّعي البعض أنها “محايدة” تذهب مباشرة لتمويل الاحتلال والقتل الجماعي.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية