في مشهدٍ غمر العالم بأسى صامت، انطفأت حياة القاضي فرانك كابريو، الذي عُرف بابتسامته العادلة ولقّب بـ”ألطف قضاة الأرض”، عن عمرٍ بلغ 88 عامًا، إثر عودة شرسة لمرض السرطان الذي قاومه طويلاً بشجاعة لا تُنسى.
وقد أعلنت صفحاته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي نبأ وفاته، مشيرة إلى أنه “غادرنا بهدوء”، تاركًا خلفه إرثًا أخلاقيًا وإنسانيًا نادرًا في سجل القضاء.
شغل كابريو منصب قاضٍ بلدي في مدينة بروفيدنس، رود آيلاند، قبل أن يتقاعد ويُخلّد اسمه عبر برنامجه التلفزيوني Caught in Providence، الذي انطلق مطلع الألفية الجديدة. البرنامج، الذي وثّق جلسات حقيقية داخل قاعة المحكمة، كشف عن شخصية قضائية استثنائية، تُوازن بين تطبيق القانون واستحضار التعاطف الإنساني. لم تكن قراراته مجرد أحكام، بل مواقف أخلاقية تُراعي ظروف المتهمين، وتُعيد تعريف العدالة بوصفها فعلًا شافيًا لا عقابيًا. في إحدى الحلقات، أظهر تعاطفًا مؤثرًا مع طالبة سعودية، فحاز احترامًا عالميًا تجاوز حدود الشاشة.
وقد أكدت عائلته نبأ الوفاة لشبكة WJAR التابعة لـNBC، في اليوم ذاته الذي طلب فيه الدعاء من متابعيه، وهو على سرير المرض. ومنذ تشخيصه بالسرطان في نوفمبر 2023، تلقى دعمًا واسعًا من مختلف أنحاء العالم، واعتبر جلسات العلاج الكيميائي والإشعاعي التي خضع لها في يونيو 2024 “لحظة تفاؤل”، كما صرّح في مقابلة مع مجلة People. إلا أن عودة المرض المفاجئة وضعت حدًا لمسيرته المهنية والإنسانية.
خارج أروقة القضاء، كان كابريو زوجًا وفيًّا لجويس على مدى ستة عقود، وأبًا وجدًا محبًّا لخمسة أبناء، وسبعة أحفاد، واثنين من الأحفاد الرضع. وقد أمر حاكم ولاية رود آيلاند، دان ماكي، بإنزال الأعلام إلى نصف السارية حتى يوم دفنه، واصفًا إياه بـ”كنز وطني” جسّد “التعاطف على المنصة”.
أما كلماته الأخيرة، فقد كانت: “أنا مؤمن بشدة بقوة الدعاء”، وهي عبارة لم تكن مجرد وصية، بل تلخيصًا لحياةٍ آمنت بأن القانون لا يكتمل دون روح، وأن العدالة لا تُمارس إلا حين تُصغي للضعف الإنساني.
برحيله، لا يُطوى سجل قاضٍ فحسب، بل تُفتقد تجربة قضائية نادرة، أعادت تعريف العلاقة بين القانون والرحمة، وخلّفت أثرًا سيبقى حيًّا في ذاكرة العدالة الإنسانية.