دمشق تنزف ذكريات في عدسة نصوح زغلولة

في جوبر، حيث الأنقاض تتنفس دخان الأمس، يقف نصوح زغلولة كأن الزمن قد تجمد في عينيه.
ليس غريبًا عن هذا الخراب – عاش الحرب بكل جوارحه، استنشق رائحة البارود، واستمع إلى أصوات القذائف وهي تُحيل الحياة إلى أشلاء. دمشق اليوم، بعد تحريرها من قبضة نظام بشار أسد ، ليست سوى جثة مدينة تتنفس بصعوبة، ونصوح يحمل عدسته كأنها سكين ينحت بها جراحه على جلد الركام.

في إحدى لقطاته، يظهر بناء عالٍ كأنه ناي مثقوب، يعزف لحنًا من الصمت بينما الأنقاض تتراقص حوله كأوراق خريف متساقطة.
الريح تتسلل عبر الجدران المشروخة، كأنها تهمس بأسماء من رحلوا، والطيور التي تعبر سماء مكفهرة تبدو كأنها دموع سوداء تتساقط على جثة المدينة.
الأبيض والأسود في هذه الصورة ليس غيابًا للألوان، بل غيابًا للروح – كأن الحياة قد سُرقت من جوبر، تاركةً وراءها أصداء أنفاس من قضوا تحت القصف، أو اختفوا في ظلمة الزنازين، أو ابتلعهم البحر في رحلة هروب، أو ضاعوا في متاهات المنفى.
نصوح لا يوثق الدمار فقط – هو يوثق ألمه الخاص، ألم رجل عرف طعم الفقد، وأحس بثقل الخسارة في كل نبضة من قلبه.

في زملكا، يقترب نصوح من بيت تحول إلى خرساء من الحجر. الأسقف المائلة كأنها أكفان رقيقة لم تحتمل ثقل الموت، والنوافذ المشوهة كأنها أفواه مفتوحة تصرخ بصمت.
خيوط ملابس متدلية كأنها حبال مشنقة تحمل أحلامًا شنقتها الحرب، والجدران المتهالكة كأنها صفحات دفتر مزقته يد الزمن.
الأبيض والأسود هنا هو مرثية بصرية – مرثية لشعب عاش 14 عامًا تحت وطأة الاستبداد، واجه القتل والنزوح والهجرة، ودفع ثمن حريته بأغلى ما لديه.
الضوء الباهت يتسلل عبر الشقوق كأنه خيط من خيوط العنكبوت، يحاول أن ينسج أملًا كاذبًا، لكن نصوح يراه كما هو: مجرد سراب في مدينة أكلها الرماد.
الصورة ليست مشهدًا – إنها سؤال يتردد في أعماق الفنان: متى تعود هذه البيوت إلى الحياة؟ هل أصحابها أحياء ينتظرون العودة، أم مدفونون تحت هذا الركام، أم ابتلعهم البحر في رحلة اللجوء، أم تاهوا في غابات النسيان؟

أعمال نصوح الأخرى كأنها أصداء لهذا السؤال.
كل لقطة هي جرح في قلب نصوح – قلب فنان عاش الحرب، عرف رائحة الدمار، وسمع أنين الفقد. هو لا يصور الخراب فقط، بل يصور مأساة شعب عاش تحت ظل نظام بائد لمدة 14 عامًا، تحمل القتل والنزوح والهجرة، ودفع ثمن حريته بدمائه.

د. نصوح زغلولة
دمشق

دمشق، جوبر

دمشق، جوبر

دمشق، جوبر

دمشق، زملكا

دمشق، زملكا

دمشق ، جوبر

دمشق، زملكا ، عودة المهجرين!!!

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية