دمشق بين خط ” فك الاشتباك ” وخط ” الدعاية ” : أين تتقاطع مصالحها؟

في قصر الشعب بدمشق، وأمام وفد من وجهاء الجولان والقنيطرة، حرص الرئيس السوري أحمد الشرع على تأكيد أن حكومته تخوض مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، بوساطة دولية، بهدف احتواء التصعيد الإسرائيلي المتكرر جنوب البلاد. شدّد الشرع على أن التوغلات والغارات تمثّل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي ولسيادة سوريا، مطالباً بوقف ما وصفه بـ”التدخلات العشوائية”.

President of the Syrian Arab Republic, Mr. Ahmad al-Sharaa, meets with the dignitaries and notables of Quneitra and the Golan

الرواية السورية تنسجم مع خطاب دبلوماسي هادئ يسعى إلى ضبط إيقاع العلاقة مع إسرائيل ضمن أطر أمنية محدودة، بعيداً عن أي بُعد سياسي علني.
ويستند هذا المسار، بحسب تقارير دولية، إلى جهود إماراتية ساهمت في فتح قنوات خلفية أمنية بين الطرفين، وسط دعم فرنسي عبّر عنه الرئيس ماكرون في لقاء سابق مع الشرع.

French President Emmanuel Macron (L) and Syrian President Ahmed al-Sharaa greet each other following a meeting at the Elysee Palace in Paris, on May 7, 2025

لكن هذه الصيغة الدبلوماسية تواجه نقيضاً صريحاً في الداخل الإسرائيلي. ففي جلسة مغلقة للجنة الخارجية والدفاع في الكنيست، كشف رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، أن الاتصالات بين إسرائيل وسوريا تجاوزت المرحلة غير المباشرة وأصبحت مباشرة، يومية، ومتشعبة، تشمل مسؤولين سياسيين وأمنيين من الطرفين. بل ذهب إلى القول إنه يشرف شخصياً على تلك الحوارات.

التحوّل الذي كشف عنه هنغبي لا يقتصر على الشكل، بل يشمل المضامين. فالمحادثات – بحسب تسريبات “إسرائيل هيوم” – تركز على ملفات حساسة، أبرزها الحد من النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وضبط الاشتباكات في المنطقة العازلة، إضافة إلى احتمالية انسحاب إسرائيلي تدريجي في حال تحقق تقدم ملموس في المسار السياسي.

Israel’s intelligence chief, Tzachi Hanegbi

اللافت أن هذه الاتصالات جاءت متزامنة مع تقارير نشرتها “رويترز”، أكدت حدوث لقاءات وجاهية بين الطرفين بوساطة أميركية، بهدف تثبيت التهدئة ومنع الانزلاق نحو حرب حدودية. ورغم أن ملف التطبيع لم يُطرح رسميًا – بحسب المصادر – إلا أن الإشارات الإسرائيلية تفيد بأنه حاضر في ذهن صنّاع القرار، وإن لم يُعلن.

في موازاة المسار الأمني، أطلقت تل أبيب حملة دعائية غير مسبوقة عبر “الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي”، ظهرت فيها صور الرئيس السوري أحمد الشرع إلى جانب زعماء عرب، ضمن لوحات ضخمة حملت شعار “تحالف أبراهام: آن أوان شرق أوسط جديد”. ورغم أن سوريا ليست ضمن الاتفاقيات الموقعة حتى الآن، إلا أن إدراج الشرع يعكس رسالة دعائية سياسية تستبق المواقف الرسمية.

A billboard in Tel Aviv: The Abrahamic Covenant. It’s time for a new Middle East

الائتلاف ذاته أعلن أن “النجاحات العسكرية ضد إيران تفتح نافذة نادرة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط”، داعياً إلى ترجمة هذه اللحظة إلى شراكات دبلوماسية، وبناء درع إقليمي ضد “التهديد الإيراني والمنظمات الإرهابية”. وضمن هذه الرؤية، لم يعد مستبعداً أن توضع سوريا – ولو إعلاميًا – في خانة الدول المرشحة للانضمام، رغم التحفظ الرسمي في دمشق.

المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، أضاف بعداً إضافياً لهذا المشهد، حين كشف عن قرب إعلان رسمي بشأن توسيع اتفاقيات أبراهام، معتبراً أن وقف إطلاق النار الأخير بين إيران وإسرائيل أنهى مسار تصعيد خطير، وقد يمهّد لـ”اتفاق سلام شامل”. وألمح ويتكوف إلى أن عدداً من الدول العربية، بينها سوريا، قد تكون على قائمة الانضمام، دون أن يقدّم تفاصيل.

US Special Envoy Steve Witkoff

في ظل غياب رد رسمي مفصل من دمشق على الحملة الدعائية الإسرائيلية والتصريحات الأميركية، يظل الموقف السوري متحفظًا ويرتكز على ضرورة تحقيق الاستقرار الداخلي كمدخل لأي خطوة نحو التطبيع.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية