عند الثانية فجراً من يوم الخميس، ترددت تكبيرات جماعية من مآذن دمشق وريفها، في مشهد حمل ذاكرة مثقلة بوجع لا يزول: الذكرى الثانية عشرة لمجزرة الغوطتين الكيماوية التي ارتكبها نظام بشار أسد البائد في 21 آب 2013.
لم تكن أصوات المساجد مجرد شعائر دينية عابرة، إنها ذاكرة لأبشع الجرائم في القرن الحادي والعشرين، حين أطلقت قوات النظام البائد 10 صواريخ محمّلة بغاز السارين على أحياء مكتظة في الغوطة الشرقية وبلدة معضمية الشام غرباً. الصواريخ التي قدّرت سعة الواحد منها بعشرين لتراً، لم تكن مجرد ذخائر، بل عبوات موت جماعي أُطلقت من منصات مخصّصة بعد دراسة دقيقة لظروف الطقس تلك الليلة، حيث ساعد سكون الهواء وبرودة الفجر على بقاء الغازات الثقيلة قريبة من الأرض، ليصحو الأهالي على كابوس اختناق جماعي حصد مئات الأرواح.
الحصار الذي كان مفروضاً على الغوطتين الشرقية والغربية منذ أواخر 2012 ضاعف حجم الكارثة. فالمشافي المتهالكة بلا أدوية، والكوادر الطبية بلا تجهيزات ولا محروقات. ومع انسداد كل منافذ العلاج، تحوّلت المأساة إلى إبادة حقيقية.
أسفر الهجوم عن مقتل 1144 شخصاً اختناقاً، بينهم 1119 مدنياً، من ضمنهم 99 طفلاً و194 سيدة، إضافة إلى 25 مقاتلاً من المعارضة. أما المصابون فناهزوا 5935، ظهرت عليهم أعراض تنفسية وحالات اختناق متفاوتة. وتشكل هذه الحصيلة وحدها قرابة 76% من مجمل ضحايا الأسلحة الكيماوية في سوريا.
لكن الغوطة لم تكن سوى ذروة سلسلة طويلة من الانتهاكات. فمنذ كانون الأول 2012 وحتى آب 2024، تم توثيق 222 هجوماً كيميائياً داخل سوريا، كان نظام بشار الفار مسؤولاً عن 217 منها بنسبة قاربت 98%، بينما نُسبت خمس هجمات فقط إلى تنظيم “داعش”. هذه الاعتداءات أودت بحياة 1514 شخصاً، من بينهم 1413 مدنياً، بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، إضافة إلى 94 من مقاتلي المعارضة وسبعة من عناصر النظام وقعوا أسرى لدى الفصائل.
تظل مجزرة الغوطتين إذاً، ليس فقط محطة في سجل الانتهاكات، إنها جرح مفتوح في الذاكرة السورية….رمزاً دامغاً على إفلات الجناة من العقاب رغم مرور اثني عشر عاماً على فجرٍ تحوّل فيه الهواء إلى سمّ قاتل.