الاتحاد الأفريقي المؤلف من 55 دولة يدعو إلى اعتماد خريطة “الأرض المتساوية” بدلاً من الخرائط التي “تسيء تمثيل الحجم الحقيقي للقارة”
تطالب الدول الأفريقية بإعادة رسم خريطة العالم “المشوهة” لإظهار الحجم الحقيقي للقارة التي تقول إنها تعرضت لسوء تمثيل لقرون.
وقد دعم الاتحاد الأفريقي (AU) حملة لإنهاء استخدام الحكومات والمنظمات الدولية لخريطة ميركاتور التي تعود إلى القرن السادس عشر، لصالح خريطة تُظهر حجم أفريقيا بدقة أكبر.
واتهم التكتل المؤلف من 55 دولة هذه الخريطة بتشويه أحجام القارات، حيث تقوم بتكبير المناطق القريبة من القطبين مثل أميركا الشمالية وجرينلاند، بينما تقلّص أفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويؤكدون أن هذا التشويه يؤدي إلى التقليل من حجم وأهمية أفريقيا، فيما يتم تضخيم حجم أميركا وأوروبا بشكل غير متناسب لتبدو أكبر مما هي عليه.
إسقاط ميركاتور، وهو من أكثر الخرائط شيوعًا في العالم، ابتكره رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس ميركاتور عام 1569 لأغراض الملاحة.
تُظهر هذه الخريطة أفريقيا بحجم أصغر نسبيًا لأنها تزيد من حجم الدول كلما ابتعدت عن خط الاستواء. وبذلك تبدو جرينلاند تقريبًا بحجم أفريقيا، بينما في الحقيقة القارة أكبر منها بـ 14 مرة.

وقالت سلمى مليكة حدادي، نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، لوكالة رويترز: “قد يبدو الأمر مجرد خريطة، لكنه في الواقع ليس كذلك”، موضحة أن إسقاط ميركاتور عزز الانطباع الخاطئ بأن أفريقيا “هامشية”، رغم أنها ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة، ويعيش فيها أكثر من مليار نسمة.
وأضافت أن مثل هذه الصور النمطية تؤثر على الإعلام والتعليم والسياسات. ويرى القائمون على الحملة أن تقليص حجم أفريقيا على الخرائط يغذي تصورات مضللة بشأن أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية.
ويقوم الاتحاد الأفريقي الآن بدعم حملة “صححوا الخريطة” لحث المؤسسات على اعتماد إسقاط “الأرض المتساوية” الذي أُطلق عام 2018 كبديل، حيث يسعى هذا النموذج إلى تمثيل الحجم الحقيقي للدول.
وتقول الحملة: “في عالم غالبًا ما يُنظر فيه إلى الحجم على أنه مرادف للقوة، فإن سوء تمثيل الحجم الحقيقي لأفريقيا يعزز التصورات المضللة بشأن أهميتها الجيوسياسية والاقتصادية.
“يمكنك أن تضع الولايات المتحدة والصين والهند واليابان والمكسيك ومعظم أوروبا داخل أفريقيا، ولا تزال هناك مساحات متبقية.
“ومع ذلك، يواصل معظم العالم الاعتماد على هذه الخريطة المشوهة، التي تسيء تمثيل حجم أفريقيا وتقلل من أهميتها”.
الانتقادات الموجهة إلى خريطة ميركاتور ليست جديدة، لكن الحملة لاستبدالها اكتسبت زخمًا عبر جهود مجموعات مناصرة مثل “أفريقيا بلا فلتر” و “تحدثوا من أجل أفريقيا”.
ويطالب الناشطون باعتماد إسقاط “الأرض المتساوية” من قبل الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وكذلك في المدارس والإعلام.
وقال متحدث باسم البنك الدولي إنهم بالفعل يستخدمون إسقاط Winkel-Tripel أو Equal Earth في الخرائط الثابتة، وإنهم يستبدلون تدريجيًا إسقاط ميركاتور في الخرائط الرقمية.
وقالت موكي ماكورا، المديرة التنفيذية لمبادرة “أفريقيا بلا فلتر”: “الحجم الحالي لخريطة أفريقيا خاطئ. إنها أطول حملة تضليل وتزييف في العالم، ويجب أن تتوقف ببساطة”.
وقالت فارا ندايي، المؤسِّسة المشاركة لـ “تحدثوا من أجل أفريقيا”، إن إسقاط ميركاتور أثّر على هوية الأفارقة واعتزازهم بأنفسهم، خصوصًا الأطفال الذين قد يصادفونه في المدارس منذ الصغر.
وأضافت: “نعمل بنشاط على الترويج لمناهج تعليمية تجعل إسقاط (الأرض المتساوية) هو المعيار الأساسي في كل الفصول الدراسية الأفريقية”، معربة عن أملها في أن يكون هذا هو النموذج المعتمد من المؤسسات العالمية، بما في ذلك تلك الموجودة في أفريقيا.
وقالت حدادي إن الاتحاد الأفريقي تبنى الحملة، مشيرة إلى أنها تتماشى مع هدفه المتمثل في “استعادة المكانة المستحقة لأفريقيا على الساحة العالمية”، في ظل تصاعد الدعوات إلى تعويضات عن الحقبة الاستعمارية والعبودية.
وأضافت أن الاتحاد الأفريقي سيدعو إلى اعتماد أوسع للخريطة وسيناقش إجراءات جماعية مع الدول الأعضاء.
وما زال إسقاط ميركاتور مستخدمًا على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل المدارس وشركات التكنولوجيا. فقد انتقل Google Maps عام 2018 من إسقاط ميركاتور إلى العرض ثلاثي الأبعاد للكرة الأرضية على الحواسيب المكتبية، رغم أن المستخدمين ما زال بإمكانهم العودة إلى ميركاتور إذا رغبوا.
أما في تطبيق الهاتف المحمول، فما زال إسقاط ميركاتور هو الوضع الافتراضي.
وقالت الحملة إنها أرسلت طلبًا إلى هيئة الأمم المتحدة للمعلومات الجغرافية المكانية (UN-GGIM).
وذكر متحدث باسم الأمم المتحدة أن الطلب يجب عند استلامه أن يُراجع ويُعتمد من قبل لجنة خبراء.
كما تدعم مناطق أخرى جهود الاتحاد الأفريقي. فقد أيد دوربرين أومارد، نائب رئيس لجنة تعويضات الكاريبي (CARICOM)، نموذج “الأرض المتساوية” باعتباره رفضًا لـ “أيديولوجية القوة والسيطرة” المتأصلة في خريطة ميركاتور.
وقال نيك ميليا، أمين الخرائط في مكتبات بودليان بجامعة أكسفورد، إن جميع الخرائط تحمل تحريفات بصرية، لأن من المستحيل تمثيل الكرة الأرضية بدقة على سطح مستوٍ.
وأضاف لصحيفة التلغراف: “إنها المشكلة الأزلية في محاولة إسقاط جسم كروي على سطح مسطح: لا يمكن فعل ذلك. لا بد من التنازل لإيجاد صورة”.
كان إسقاط ميركاتور في القرن السادس عشر مفيدًا للملاحة لأن الخط المستقيم على الخريطة يقابل مسارًا مستقيمًا في العالم الحقيقي.
ثم أصبح المعيار للخرائط الرقمية على الإنترنت، رغم أنه ضعيف في إظهار الأحجام النسبية لليابسة.
وبينما يعكس نموذج “الأرض المتساوية” مساحة السطح بدقة، فإنه يظل يحمل عيوبًا خاصة به مثل تشويه أشكال القارات.