
كل خريف، حين تهبّ رياح ستوكهولم، تنهض في العالم العربي جوقة صغيرة تردد النشيد السنوي: “لعلّها سنة أدونيس!”
لكن نوبل، تلك السيدة المتعالية التي تعرف من يستحقّها، تمرّ بجانبه بابتسامة باردة.
لقد صار ترشيح أدونيس عادة ثقافية تشبه قراءة الفاتحة على قبر الشعر العربي: طقس سنوي من الحنين إلى مجدٍ لم يولد.
والمفارقة أن هذا الترشيح لا يدل إلا على شغف عربي مرضي بالفشل، مغطّى بورق ذهب من “العالمية الزائفة”.
الرسالة الضمنية بسيطة:
“ليس لدينا غيره، فليكن هو المرشح الأبدي للخسارة”.
هكذا تتحول الساحة الثقافية العربية إلى نادٍ للخاسرين الفخورين بخسارتهم.
ثائر على كل شيء… إلا الجلاد
هو الشاعر الذي أعلن الحرب على كل الثوابت، إلا ثابت واحد: الاستبداد الأسدي.
حين نطق السوريون بالحرية عام 2011، خرج شاعر الحرية ليقول لهم بلغة أبويّة فخمة: “أنتم لستم ناضجين بعد”.
كم هو جميل أن يُلقي منفى باريس دروس الثورة على أطفال المخيمات!
هكذا اكتمل المشهد الكاريكاتيري:
شاعر يدّعي التمرّد، لكنه يركع أمام الطغاة باسم “الحداثة”،
ويتغزل بالجلاد لأنه يخاف أن يراه دون مكياج “الفكر”.
من “علي” إلى “أدونيس”: هروب من الهوية تحت لافتة التنوير
في 1948، قرر الشاب علي أحمد سعيد أن يهرب من اسمه، لأنه “ضيق طائفي“،
فاختار لنفسه اسم إله وثني قديم.
يا للذكاء! حلّ عبقرية الشرق الأوسط في حذف “علي” وإضافة قليل من الوثنية المستوردة!
تلك هي الحداثة عنده:
أن تستبدل جرحك باسم يوناني وتظن أنك صرت كونيًّا.
أن تهاجم الإسلام بجرأة المراهق، ثم تصمت أمام الفاتيكان وإسرائيل باسم “الموضوعية الفكرية“.
إبليس… المخلّص الجديد
يُحبّ أدونيس أن يقول: “إبليس هو المعلم الأول للحرية”.
جميل. لعلّ هذا يفسّر سرّ انجذابه لكل تمرّد ناقص:
فهو لا يؤمن بالملائكة، لكنه مولع بالشيطان حين يكون أنيقاً ويتحدث بالفرنسية.
هذا الإعجاب ليس فكرياً بقدر ما هو رغبة في الظهور بمظهر المختلف مهما كان الثمن.
أن تكون ضدّ الجميع، حتى ضدّ نفسك، فقط لتُقال عنك كلمة “جريء”.
شاعر بنزعة ربوبية… وسجلّ من الانتحال
كل عبقري يملك ظلّاً، وظل أدونيس هو الاتهام بالسرقة.
من قصة الأصمعي التي “حدّثها” كما يحدّث أحدهم ثوب جدته القديم،
إلى كتاب الثابت والمتحول الذي اتهمه أساتذته بأنه لم يكتب منه حرفاً واحداً.
وعندما واجهوه، أجابهم بجملته الخالدة:
“الكتب المقدسة نفسها تأخذ من بعضها”
يا سلام!
لقد رفع السطو إلى مرتبة لاهوتية.
سرق، ثم قارن نفسه بالأنبياء.
شاعر بحجم عطره
كل ما في أدونيس أنيق: هندامه، وغروره.
لكن الجوائز لا تُمنح للـ”كاريزما”، بل للأثر.
وما تركه أدونيس بعد سبعة عقود من الصخب ليس سوى أثر عطر قديم في صالة فارغة.
قصائد تلمع ولا تضيء، فكر يصرخ ولا يقول، واسم ضخم يتآكل تحت وزن المبالغة.
ربما لهذا السبب تحديداً ترفضه نوبل:
ليس لأنه شاعر عربي، بل لأنه شاعر انتهى قبل أن يفوز.
نوبل لا تكره أدونيس
إنها فقط تعرف متى يصبح الأسطورة… إعلاناً عطرياً لخيبة ثقافية.
وفي 2025، أعلنت الأكاديمية السويدية فوز الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب، تقديراً لـ”عمله الإبداعي المقنع والرؤيوي الذي، وسط رؤى نهاية العالم، يستكشف الوضع الإنساني بعمق تعاطفي”.
وبينما تُمنح الجوائز للمبدعين الحقيقيين، يظل أدونيس أسطورة ضجيجية، يراقب الساعة انتظاراً لنوبل، ويواصل تمجيد غروره أكثر من الشعر نفسه.