إرث النظام المنهار
قبل سقوط النظام البائد ، عانت سوريا من عقود من القمع والفساد، تركت خلفها بنية تحتية مدمرة ومجتمعًا منقسمًا. النظام البائد عمل على فرض تصنيف طائفي للصراع، محصورًا بين “طائفة الطاغية ” و”طائفة الشعب”، لكن الحقيقة كشفت تعاون شخصيات من مختلف الطوائف معه، مثل القاطرجي وحمشو، بينما تصدر آخرون كعبد العزيز الخير وفدوى سليمان صفوف الثورة، مما يبرز ضرورة تجنب إعادة إنتاج هذا التصنيف اليوم.
اليوم الأول للتحرير: انطلاق المطالب والتحديات
مع تحرير سوريا، بدأت السلطة الانتقالية وجهًا لوجه مع واقع معقد. منذ اللحظة الأولى، واجهت مطالب شعبية عاجلة تشمل توفير الأمان، استقرار أداء الشرطة والجيش، خفض الأسعار، إعادة الإعمار، ومعالجة ملف المفقودين. تزامن ذلك مع أزمة مالية حادة، حيث تعاني الدولة من خزائن شبه خاوية، تفاقمها العقوبات الدولية التي تحد من تدفق الموارد، فيما تواصل عصابات منظمة نهب النفط السوري لدعم فلول النظام في الساحل.
تصاعد الفوضى والانتهاكات
مع بدء تنفيذ الخطط الأمنية لمواجهة هجمات فلول النظام البائد ، شهدت سوريا، وخاصة الساحل، تصاعدًا في الفوضى. دفع ذلك المواطنين لحماية مكتسباتهم بأنفسهم، لكن الأمر تطور إلى انتهاكات واسعة. وثقت شهادات الناجين مقتل مئات المدنيين، بينهم أطباء ونساء وأطفال، مع عمليات نهب وتخريب. تتشابك المسؤوليات بين الملتحقين بالقوى الأمنية والفلول، مع غياب أدوات تحقيق فعّالة نتيجة انهيار مقومات الدولة. أقرت الحكومة بحدوث تجاوزات، موثقة بمقاطع مصورة، لكن فلول النظام البائد استغلوها لتشويه الحقائق، مما أثار جدلاً حول هوية المسؤولين الحقيقيين.
محاولات الضبط وسط الانتقادات
في مواجهة هذه التطورات، أكد الرئيس الشرع التزامه بمحاسبة المتجاوزين ضد المدنيين، داعيًا القوات للانضباط تحت أوامر القادة. لكن أصوات شعبية طالبت بإسقاط الرئيس وإقالة قادة الأجهزة الأمنية، معتبرة غياب المحاسبة الفورية دليلاً على الضعف. ومع ذلك، يظل تحقيق العدالة تحديًا شاقًا في ظل انعدام المؤسسات، حيث تحتاج الدول المتكاملة سنوات لحسم ملفات مشابهة، فكيف بدولة ناشئة تحت ضغط داخلي وخارجي؟
السوريون أمام خيارين: إغلاق صفحة الماضي عبر محاكم عادلة، أو الانزلاق نحو فوضى الانتقام التي تهدد العيش المشترك
مؤامرات تهدد الاستقرار
تتفاقم الأزمة مع ظهور مؤشرات على تقاطع مصالح إيرانية وإسرائيلية ضد تركيا في سوريا. فقد عرض خلدون الهجري، المرتبط بحكمت الهجري، خطة انقلاب عسكري على مسؤولين أمريكيين في واشنطن، تشمل تعاون ميليشيا قوات السويداء وميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفلول النظام البائد بدعم إسرائيلي. أبدى مظلوم عبدي، قائد ميليشيا قسد، ترحيبه بهذا الدعم، بينما تزود إيران هذه القوى بالأسلحة، مما يكشف تنسيقًا محتملاً يهدد استقرار سوريا الناشئة.
العدالة والمؤسسات كأولوية
رداً على الانتهاكات التي طالت المدنيين، يطالب الشعب السوري بضمان حقوق الضحايا، وتشمل ذلك توفير دفن كريم للضحايا، تشكيل لجان تحقيق مستقلة، وإقامة محاكم علنية لتكريس مبادئ العدالة الانتقالية. ويثير غياب هذه الإجراءات مخاوف من أن يُستخدم مفهوم “الدولة” كذريعة للتغطية على التجاوزات، على غرار ما شهدته البلاد في ظل النظام البائد ، مما يعزز انعدام الثقة بين المواطنين والسلطات.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الدفاع السورية، بتاريخ اليوم 8 مارس/آذار 2025، عن تشكيل لجنة طارئة مكلفة بمتابعة المخالفات التي وقعت أثناء العملية العسكرية والأمنية الأخيرة، على أن يتم إحالة المسؤولين عن التجاوزات إلى المحكمة العسكرية لمحاسبتهم. من جانبه، أفاد الأمن العام بتوقيف مجموعة عسكرية تابعة للقوى الشعبية، ثبت تورطها في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين نتيجة مخالفتها للتعليمات العسكرية. وفي سياق متصل، باشرت الجهات الأمنية عمليات واسعة شملت تسيير أرتال إلى ريف اللاذقية لتعزيز حماية السكان، مع فرض إغلاق للطرق المؤدية إلى الساحل، وإعادة الأفراد غير المكلفين بمهام عسكرية إلى مناطقهم، وذلك لضبط الأوضاع الأمنية ومنع تكرار التجاوزات.
من الفوضى إلى الاستقرار
تعتمد الشرعية الثورية للسلطة الحالية على قدرتها على الانتقال من الفوضى إلى بناء مؤسسات. ففي ظل غياب بديل فوري، تظل جسرًا ضروريًا، لكن نجاحها يتوقف على ضبط التجاوزات وتحقيق العدالة. السوريون أمام خيارين: إغلاق صفحة الماضي عبر محاكم عادلة، أو الانزلاق نحو فوضى الانتقام التي تهدد العيش المشترك. مع تصاعد المؤامرات، يبقى السؤال: هل تستطيع سوريا تجاوز ماضيها نحو استقرار مستدام؟