وصَف الأسد بـ"البطل"، وزوجته بـ"المحبوبة".. تعرَّف على عضو الكونغرس الأميركي
“قد يكون عام 2017، الذي يحل بعد أيام، عاماً رائعاً للطغاة في كل أرجاء المعمورة، أو على الأقل سيكون رائعاً لطاغية سوريا”، هذا ما توقعته صحيفة “ذا ديلي بيست” الأميركية؛ بسبب رغبة سياسيين أميركيين في التقرب من بشار الأسد.
الصحيفة استخلصت هذه النتيجة بسبب ما يُبيِّنه حديث عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، ديك بلاك، وهو أكبر مناصري نظام بشار الأسد في الدوائر السياسية الأميركية، والذي قال إنه متفائل بأنَّ إدارة ترامب الجديدة سوف تُدشن عهداً جديداً من العلاقات بين سوريا وأميركا، عهداً ستتصرف الدولتان فيه بلطف، رغم العنف الوحشي الذي خرَّب البلاد أعواماً.
فالتحول في الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع سوريا، هو مثال صغير للقوى الكبرى التي تدير السياسة الأميركية الخارجية، ألا وهي: انهيار التوافق الحالي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بخصوص الدول التي تُعد حليفة لأميركا، وكيفية دعم حقوق الإنسان، والطريقة المثلى التي يجب أن تتدخَّل بها أميركا في شؤون العالم.
وبحسب الصحيفة الأميركية، فمنذ عام 2011، واندلاع الحرب في سوريا، نادراً ما أيَّد سياسي أميركي نظام الأسد، بسبب تعذيب المعتقلين، وقصف المدنيين عمداً، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، والتي جعلته نظاماً منبوذاً من العالم.
وفي فبراير/شباط، قُدِّر عدد قتلى جراء الحرب السورية بـ470 ألف شخص، وهو ما يجعل نظام بشار الأسد مسؤولاً عن جرائم قتل أكثر من التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
ديك بلاك والجدل
ومع كل ذلك، أثار السيناتور بلاك جدلاً عالمياً عام 2014 بإرساله خطاباً للأسد يصفه فيه بـ”البطل” بسبب حمايته المزعومة للأقليات المسيحية واليهودية في سوريا. لفت هذا انتباه نظام الأسد. وفي وقت مبكر من هذا العام، رسَّخ السيناتور تأييده للأسد بزيارة لدمشق تحدَّث فيها ساعاتٍ مع الديكتاتور السوري.
لكن بعد سنوات من كونه الصوت الوحيد المؤيد للأسد، يؤمن بلاك بأنَّه لن يبقى وحده في تأييده للأسد طويلاً؛ إذ يقول إنَّ الأمور تتغير ببطءٍ بعد انتخاب ترامب، الذي ترتكز سياسته الخارجية على توقف أميركا عن التدخل في الشؤون الخارجية، بما في ذلك سوريا، وهو ما جعل الأسد يصف الرئيس المنتخب بكونه “حليفاً طبيعياً” في قضية الإرهاب.
قال السيناتور بلاك: “أكد ترامب تأكيداً واضحاً خلال حملته أنه يرفض استراتيجية تغيير النظام”، وذلك في لقاء صحفي مطوَّل أجراه مع جريدة “ذا ديلي بيست” يوم الأربعاء.
حالياً، تقصف الولايات المتحدة مواقع تخص داعش في سوريا، وتنادي في الوقت ذاته بخلع الأسد. يقول بلاك إنَّ أميركا تتعدى على مجال سوريا الجوي ومياهها الإقليمية، وكأنَّ نظام الأسد ليس نظاماً حقيقياً، ويأمُل أنَّ إدارة ترامب سوف “تبدأ معاملة سوريا كأُمَّةٍ، بدلاً من اعتبارها غير موجودة”.
عمل بلاك، البالغ من العمر 72 عاماً، 13 عاماً مُشرعاً للقوانين في ولاية فيرجينيا، و32 عاماً في الجيش، حيث بدأ يعمل طياراً، ثم مراقباً جوياً، ثم محامياً. وهو يؤمن بأنه يفعل الصواب بتأييده للأسد بسبب امتلاكه “شغفاً هائلاً بإيقاف حروب تغيير الأنظمة” ورغبته في وقف إراقة الدماء.
أوباما ونظام الأسد
وبينما أكدت إدارة أوباما تأكيداً مستمراً أنَّ نظام الأسد يجب أن يتنحى من أجل إنهاء الحرب السورية، يبدو أنَّ إدارة ترامب لا تبالي بشأن الأسد. ويقول بلاك إنَّ هذه الرؤية سوف تنساب إلى جموع الأميركيين، أي إنَّ الرأي العام بخصوص الديكتاتور السوري سوف يتغير قريباً.
وقال بلاك: “أحد الأسباب، أنَّ الصحافة تتلقى كمية معلومات مهولة من الحكومة. وأقل قدر من المقاومة هو ترديد ما تقوله الحكومة. حين تتخذ الحكومة موقفاً تُشَيطنُ فيه دولة بعينها، يتغلغل ذلك الشعور داخل وسائل الإعلام. لكنكم سترون تناولاً مختلفاً؛ لن ترَوا الحكومة تعامل سوريا باعتبارها نظاماً، وإنما باعتبارها دولة عادية”.
بدأ المزاج العام في التغير بالفعل داخل الكونغرس؛ إذ يخطط بلاك لزيارة سوريا مجدداً عام 2017، لكنه يزورها هذه المرَّة ومُشرعو القوانين في صفه. وقال بلاك إنَّ سفير سوريا لدى الأمم المتحدة قد أشاد بالفعل بهذه الفكرة، وينوي بلاك أن يصطحب في زيارته ثلاثة من أعضاء الكونغرس.
وأخبر بلاك مراسل جريدة “ذا ديلي بيست”: “ستلقى الزيارة ترحيباً في سوريا، أنا متأكد من هذا تماماً. لن تُشكل زيارة أعضاء من الكونغرس ليَرَوا ما يحدث هناك، لن تُشكل إزعاجاً لأحد”.
مؤيدو الأسد في أميركا
لم يذكر بلاك أسماء مُشرعي القوانين الذين سيصطحبهم في زيارته، لكنه ذكر أسماء أعضاء الكونغرس القليلين الذين يؤمن بأنهم سيكونون الأكثر تشجيعاً لنظام الأسد العام المقبل.
توجد على رأس القائمة، البرلمانية تولسي غابارد، من الحزب الديمقراطي، والتي اشتهرت بكونها أكثر السياسيين تأييداً للأسد في أميركا، وقد التقت ترامب بالفعل لمناقشة منحى الحرب في سوريا. وشملت القائمة أيضاً البرلماني توماس غاريت، الممثل الجديد للمنطقة الخامسة من فيرجينيا في الكونغرس، والذي أيده بلاك في انتخابات 2016.
وقال بلاك: “أظن أن ما سترونه هو تحوُّل أعضاء الكونغرس”.
لكنَّ هذا التأييد للأسد لديه تبريرات ملائمة تغض الطرف عن مساوئه؛ إذ يؤمن بلاك بأنَّ الأسد “لديه شعبية عارمة في بلده”، وذلك رغم العنف الذي اندلع حين أطلق نظام الأسد النار على المظاهرات السلمية في 2011، واستمر في الزيادة منذ ذلك الحين.
يزعم بلاك أنَّ الأسد رجل “معسول اللسان” لكنه “دقيق”، وأنَّ زوجته “امرأة محبوبة”. ويرى أنَّ القول بأنَّ مروحيات النظام تُلقي بالقنابل دون تمييز، مثيرةً الإرهاب العشوائي بين المدنيين، ليس “دقيقاً على نحوٍ رهيب”.
يُنكر بلاك أدلة تعذيب نظام الأسد معارضيه وقتلهم، ويُبرر أيضاً جرائم الحرب؛ إذ يعُدها جزءاً طبيعياً من الصراع.
ويقول بلاك: “إنها حرب ضروس، ويمكنك أن تجد جرائم حرب عند الطرفين، مثلما كان الحال في الحرب الأهلية الأميركية. لا أؤمن بأن بشار الأسد يدعم أي سلوك غير ملائم… لن تجد حرباً كان أحد طرفيها نقياً تماماً”.
إنَّ تفكير بلاك، بكل ما يحمله من جهل وعناد، يُعدُّ نذيراً لما ستؤول إليه الأمور العام المقبل؛ إذ تتسق رؤيته في الشأن السوري مع رؤية إدارة ترامب، أكثر من رؤية إدارتَي أوباما وبوش السابقتين.
ومع صعود الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ستنتهي رحلة الوحدة الطويلة التي خاضها بلاك.