قصة باردة جداً ..
لـ : علي السوداني
صار من الواضح أنَّ ثمةَ تراتبية ما تنظّم الأشياء بقوة الحث . ربما قرأتُ هذا بمنتصف فيزياء الثالث المتوسط ، أو أنني اخترعتُهُ الآن من أجل تمرير ما سوف أسردهُ تالياً .
في البدء كان منظر الشجرة الأفريقية التي أكَلَها ثلجُ كانون وجعلها مثل عظام مزروعة بظهر الحبشة . كتبَ شاعرٌ من أهل المدينة أنَّ واحداً كان تركَ الأطفال الأغضاض يصرخون تحت حطام الدار ، وراحَ يتبادل الصور الخليعة مع مجانين أخير الليل . ثانٍ من صنف المسرحيين المزعجين دوّنَ منتشياً :
أيها الجنرال العظيم ، خذ نوطَ الشجاعةِ وأعد إليَّ ساقي الثانية .
على باب المساء الموحش بدأ هطيل الضباب . ضاع برج المدينة العملاق ولم يبقَ منه سوى قنديل أحمر فوق رأسه غيمة سوداء مثل عمامة . حاولتُ الهروبَ من هذا الطقس الجنائزيّ ، فاصطدمتُ بعلبة الكبريت وأعوادها ذوات الرؤوس الحمر . كان منظر العلبة يشبه تابوتاً ضخماً نام ببطنه حشدُ جنائز . في تلك الفاصلة المرعبة انفتحت شاشة التلفزيون على شريط أوسكاريٍّ رهيب . لم تكن بطلة الفلم من الصنف الذي أعشقه ، وعندما تقترب الكاميرا من جسدها الهزيل ، تظهر كأنها مخلوقة من شبكة أوعية زرقاء خالصة . زوج المهزولة شاب بدا أصغر منها بعشرين سنة ، ويرتدي بنطالاً بلون الكركم ويشيل فوق وجهه عينين كحيلتين.
كلما تشاجر الزوجان وعلا صراخهما ، قال لها لقد جئت بك من حاوية قمامة وأسكنتك قصراً لا شبيه له ، فترد عليه ببرود قاتل ومن دون أن ترفع وجهها عن الجريدة وتصفه بوجه السلحفاة الشائبة ، وان أمه كانت تسرق المورفين من مأوى العجزة .
في الشريط الممل ثمة صديقة بيضاء كنت كرهتها من أول نظرة . كانت تضحك حتى لو رأت شاحنة مخمورة تفرم بعجلاتها شحاذة تقعي بباب حانة . شخصياً لم أكن مستعداً لذرف مثقال دمعةٍ لو أنَّ كاتب النصّ قد صنع لها موتاً رائعاً مثل دفعها من على حافة جبل عالٍ ، وبعد دقيقة من السقوط الحر تصل الى شجرة فتتعلق بواحد من أغصانها القويات فتضحك بقوة فينكسر الغصن وتواصل البيضاء السقوط ، فتصل عند حبل غسيل فتتشبث به وتضحك فينقطع الحبل ، وحيث تصل الى قدم الجبل ، ستجد بانتظارها عشرة أسود تتقاتل حول جثة أرنب .
انتهى الفلم على غير ما أشتهي ، فلقد مات الرجل وجه السلحفاة الهرمة ، وأعاد المخرجُ مشاهد طريفة من خلف الكواليس ، وواصلت البيضاء الضحك ونزعت الطويلة شعرها المستعار ، أما أنا فلقد عدت الى نافذتي التي سوّرتها غيومٌ سود سخماوات.