قصة باردة جداً .. لـ : علي السوداني

قصة باردة جداً ..
لـ : علي السوداني

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”علي السوداني” thumb_img=”id^62086|url^https://ebd3.net/wp-content/uploads/2018/03/علي-السوداني.jpg|caption^null|alt^null|title^علي السوداني|description^null” hover_effect=”effect19″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#2cd3b4″ block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب و قاص عراقي[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
صار‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنَّ‭ ‬ثمةَ‭ ‬تراتبية‭ ‬ما‭ ‬تنظّم‭ ‬الأشياء‭ ‬بقوة‭ ‬الحث‭ . ‬ربما‭ ‬قرأتُ‭ ‬هذا‭ ‬بمنتصف‭ ‬فيزياء‭ ‬الثالث‭ ‬المتوسط‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أنني‭ ‬اخترعتُهُ‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمرير‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬أسردهُ‭ ‬تالياً‭ .‬
في‭ ‬البدء‭ ‬كان‭ ‬منظر‭ ‬الشجرة‭ ‬الأفريقية‭ ‬التي‭ ‬أكَلَها‭ ‬ثلجُ‭ ‬كانون وجعلها‭ ‬مثل‭ ‬عظام‭ ‬مزروعة‭ ‬بظهر‭ ‬الحبشة‭ . ‬كتبَ‭ ‬شاعرٌ‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬أنَّ‭ ‬واحداً‭ ‬كان‭ ‬تركَ‭ ‬الأطفال‭ ‬الأغضاض‭ ‬يصرخون‭ ‬تحت‭ ‬حطام‭ ‬الدار‭ ‬،‭ ‬وراحَ‭ ‬يتبادل‭ ‬الصور‭ ‬الخليعة‭ ‬مع‭ ‬مجانين‭ ‬أخير‭ ‬الليل‭ . ‬ثانٍ‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬المسرحيين‭ ‬المزعجين‭ ‬دوّنَ‭ ‬منتشياً‭ :‬
أيها‭ ‬الجنرال‭ ‬العظيم‭ ‬،‭ ‬خذ‭ ‬نوطَ‭ ‬الشجاعةِ‭ ‬وأعد‭ ‬إليَّ‭ ‬ساقي‭ ‬الثانية‭ .‬

على‭ ‬باب‭ ‬المساء‭ ‬الموحش‭ ‬بدأ‭ ‬هطيل‭ ‬الضباب‭ . ‬ضاع‭ ‬برج‭ ‬المدينة‭ ‬العملاق‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬قنديل‭ ‬أحمر‭ ‬فوق‭ ‬رأسه‭ ‬غيمة‭ ‬سوداء‭ ‬مثل‭ ‬عمامة‭ . ‬حاولتُ‭ ‬الهروبَ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطقس‭ ‬الجنائزيّ‭ ‬،‭ ‬فاصطدمتُ‭ ‬بعلبة‭ ‬الكبريت‭ ‬وأعوادها‭ ‬ذوات‭ ‬الرؤوس‭ ‬الحمر‭ . ‬كان‭ ‬منظر‭ ‬العلبة‭ ‬يشبه‭ ‬تابوتاً‭ ‬ضخماً‭ ‬نام‭ ‬ببطنه‭ ‬حشدُ‭ ‬جنائز‭ . ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفاصلة‭ ‬المرعبة‭ ‬انفتحت‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ ‬على‭ ‬شريط‭ ‬أوسكاريٍّ‭ ‬رهيب‭ . ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بطلة‭ ‬الفلم‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬أعشقه‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬تقترب‭ ‬الكاميرا‭ ‬من‭ ‬جسدها‭ ‬الهزيل‭ ‬،‭ ‬تظهر‭ ‬كأنها‭ ‬مخلوقة‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬أوعية‭ ‬زرقاء‭ ‬خالصة‭ . ‬زوج‭ ‬المهزولة‭ ‬شاب‭ ‬بدا‭ ‬أصغر‭ ‬منها‭ ‬بعشرين‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬ويرتدي‭ ‬بنطالاً‭ ‬بلون‭ ‬الكركم‭ ‬ويشيل‭ ‬فوق‭ ‬وجهه‭ ‬عينين‭ ‬كحيلتين‭.‬

كلما‭ ‬تشاجر‭ ‬الزوجان‭ ‬وعلا‭ ‬صراخهما‭ ‬،‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬لقد‭ ‬جئت‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬حاوية‭ ‬قمامة‭ ‬وأسكنتك‭ ‬قصراً‭ ‬لا‭ ‬شبيه‭ ‬له‭ ‬،‭ ‬فترد‭ ‬عليه‭ ‬ببرود‭ ‬قاتل‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬وجهها‭ ‬عن‭ ‬الجريدة‭ ‬وتصفه‭ ‬بوجه‭ ‬السلحفاة‭ ‬الشائبة‭ ‬،‭ ‬وان‭ ‬أمه‭ ‬كانت‭ ‬تسرق‭ ‬المورفين‭ ‬من‭ ‬مأوى‭ ‬العجزة‭ .‬

في‭ ‬الشريط‭ ‬الممل‭ ‬ثمة‭ ‬صديقة‭ ‬بيضاء‭ ‬كنت‭ ‬كرهتها‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬نظرة‭ . ‬كانت‭ ‬تضحك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬رأت‭ ‬شاحنة‭ ‬مخمورة‭ ‬تفرم‭ ‬بعجلاتها‭ ‬شحاذة‭ ‬تقعي‭ ‬بباب‭ ‬حانة‭ . ‬شخصياً‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مستعداً‭ ‬لذرف‭ ‬مثقال‭ ‬دمعةٍ‭ ‬لو‭ ‬أنَّ‭ ‬كاتب‭ ‬النصّ‭ ‬قد‭ ‬صنع‭ ‬لها‭ ‬موتاً‭ ‬رائعاً‭ ‬مثل‭ ‬دفعها‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬جبل‭ ‬عالٍ‭ ‬،‭ ‬وبعد‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬السقوط‭ ‬الحر‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬شجرة‭ ‬فتتعلق‭ ‬بواحد‭ ‬من‭ ‬أغصانها‭ ‬القويات‭ ‬فتضحك‭ ‬بقوة‭ ‬فينكسر‭ ‬الغصن‭ ‬وتواصل‭ ‬البيضاء‭ ‬السقوط‭ ‬،‭ ‬فتصل‭ ‬عند‭ ‬حبل‭ ‬غسيل‭ ‬فتتشبث‭ ‬به‭ ‬وتضحك‭ ‬فينقطع‭ ‬الحبل‭ ‬،‭ ‬وحيث‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬قدم‭ ‬الجبل‭ ‬،‭ ‬ستجد‭ ‬بانتظارها‭ ‬عشرة‭ ‬أسود‭ ‬تتقاتل‭ ‬حول‭ ‬جثة‭ ‬أرنب‭ .‬

انتهى‭ ‬الفلم‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬أشتهي‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬مات‭ ‬الرجل‭ ‬وجه‭ ‬السلحفاة‭ ‬الهرمة‭ ‬،‭ ‬وأعاد‭ ‬المخرجُ‭ ‬مشاهد‭ ‬طريفة‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬الكواليس‭ ‬،‭ ‬وواصلت‭ ‬البيضاء‭ ‬الضحك‭ ‬ونزعت‭ ‬الطويلة‭ ‬شعرها‭ ‬المستعار‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬أنا‭ ‬فلقد‭ ‬عدت‭ ‬الى‭ ‬نافذتي‭ ‬التي‭ ‬سوّرتها‭ ‬غيومٌ‭ ‬سود‭ ‬سخماوات‭.‬

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية