رغيف فلافل في "شارع مالابار" ..!
خرجت من البيت، الذي عدت أقيم فيه عند ابنتي الكبرى، أسيرُ متريِّضًا في الشارع الذي يحمل اسم “مالابار Malabar”، طريق عام بين الغابات، تتهادى فيه السيارات ولا أكاد أسمع منها إلا ما يشبه حفيف أجنحة اليمام، أمشي الهوينى على الرصيف، هذا الذي تحفّه من جانبيه مروجٌ لا تنصُل خضرتُها، وعند منعطفٍ أتوقّف، عائدًا إلى البيت.
خطر لي، أمس، أن أتجاوز هذا المنعطف قليلا، وأنا أتأمّل وأتذكّر… وإذا الأنسام تحمل إليّ… رائحة قَلي “فلافل”!
حدّثت النفس: ساكنٌ عربيٌّ، سوريّ، من دمشق أو من حلب، هنا؟… كيف لم أعرف وأتعرّف على أبناء وطني، في الحارة التي أسكنها!
ومضيت، أتتبّع الرائحة… وإذا بي أمام دكان “بيّاع فلافل”، فيها فتيانٌ “أمريكيون” ينتظرون في صبر ملحوظ، وفتياتٌ كاشفاتَ عن زنود بضّة، بيض وسمر، وفي الأيدي قُفّازاتٌ شفافة. إحداهنّ أمام المقلاة، ترمي ببراعة، ثمّ تغرُف. يُلقِمنَ الفرنَ الكهربائي، في كلّ حين، صينيةً، على سطحها أشكالٌ من عجين، ثمّ يفتحنَ ويسحبن، وإذا العجائن قد تحوّلت إلى “صمّون” شهيّ. تشقّ كلٌّ منهنّ الصمّونة بسكين. تحشوها بالأقراص الساخنة، تهرسها. خُضَرٌ مخلّلة وتوابل، تسألك ما تريد وما تستزيد. وسمراء منهنّ تتناول، تلفّ في قرطاس، تكبس الزرّ، يتسجّل الثمن: “رغيف الفلافل”، في بلدة منسيّة بولاية فلوريدا الشهيرة، بخمسة دولارات!
والتمست منها أن تدع رأس الصمّونة مكشوفا!
وأخذت أقضم، في الطريق، رغيف الفلافل، كما لم أفعل يومًا في طرقات مدينتي.
أعترف لكم، أصدقائي، بأني أكتب لكم هذه الخاطرة الآن، وأنا وراء الطاولة، لا ابتعدت في تريّضي أمس في شارع مالابار، ولا رأيت بيّاع فلافل، وإنما هي خواطر، أحلامُ يقظة، أشواقٌ للوطن، لترابه، وسمائه، وشمسه، وهوائه، وغباره… ولرائحة الفلافل في دكان قاليها وبائعها في “الجسر الأبيض” القريب من بيتي بدمشق، فاعذروني!
فلوريدا: فجر الخميس 22-1-2015