النظام السوري يهدد بـ”إفلاس لبنان”.. لاستعادة 25 مليار دولار

النظام السوري يهدد بـ"إفلاس لبنان".. لاستعادة 25 مليار دولار

رغم سيطرة إدارات المصارف اللبنانية على نظيرتها السورية، فإن النظام السوري ما زال قادراً على تخويف المصارف اللبنانية خاصة في ظل استعداده لاستخدامها في تمويل عملية “إعادة الإعمار” واستعادة الأموال السورية المودعة فيها، مستغلاً التناقضات السياسية اللبنانية.

معظم المبالغ الضخمة بالعملات الأجنبية التي تم ايداعها في المصارف اللبنانية، انطلاقاً من سوريا، خلال سنوات الحرب، لم تكن ناجمة عن عمليات تشغيلية فعلية ضمن لبنان، بل عن عمليات تهريب ممنهجة من سوريا، وهو أمر بات معروفاً ومسلماً به. وقد بدأ النظام اليوم بالضغط بالاتجاه المعاكس، لحث رؤوس الأموال الهاربة للعودة، عبر إشاعة القلاقل عن عدم الاستقرار المالي في لبنان.

مع بداية الثورة السورية في العام 2011، أفرغ كثر من أصحاب رؤوس الأموال السوريين حساباتهم المصرفية وحولوها إلى لبنان، باستخدام آلية الحوالات المصرفية. لكن مع تشديد القيود على الحوالات، عملت المصارف السورية بالتنسيق مع الشركات الأم لها في لبنان على فتح حسابات وسيطة بينها، لا تخضع إلى ضوابط نظام الحوالات “سويفت” أي “نظام التحويلات المالية والمعاملات بين البنوك”. ويكفي أن يُرسل البنك في سوريا كتاب حوالة إلى نظيره اللبناني، يحوي على المعلومات الكافية المتعلقة بالحوالة، ليصار إلى تحويلها فوراً دون اعتبارها عمليات تحويل خارجية بين المصرفين. وترفقُ مع رسالة الحوالة كافة تفاصيل العميل الذي يدعونه بـ”الزبون المهم/VIP” مع موافقته على التحويل. ويتم إيداع المبلغ من الحساب الوسيط في حسابه اللبناني، لقاء عمولات سخية جداً. وقد استعانت بهذه الآلية بعض المصارف السورية، منذ العام 2011، لتهريب الأموال أمام عيون المصارف المركزية في سوريا ولبنان، وبمباركتها، وذلك تلبية للحاجة الملحة لحمايتها من أي قرارات، صدرت أو ستصدر حول الأموال المودعة، خاصة بالقطع الأجنبي. في العام 2013 صدر المرسوم التشريعي رقم 54، مذيلاً بتوقيع الرئيس بشار الأسد، لمنع التعامل بغير الليرة السورية، ولم يذكر الايداعات المصرفية. المرسوم سبب حالة هلع على الودائع المتبقية والتي كان معظمها ذا قيمة صغيرة أو متوسطة.

ويبلغ التشابك المصرفي بين سوريا ولبنان حدوداً قصوى، إذ يشغل “بنك بيبلوس لبنان” منصب رئاسة مجلس إدارة “بنك بيبلوس سوريا” مع عضوية لثلاثة مقاعد في مجلس الإدارة، عدا عن الحصة السهمية فيه. في حين أن “بنك بلوم” له حصة مسيطرة في “بنك سوريا والمهجر”، ويعتبر البنك الأم لفرعه السوري. وكذلك ينضوي “بنك عودة سوريا” تحت جناح “بنك عودة لبنان”، ويضاف له “بنك ليبانون أنفست ش.م.ل” كنائب لرئيس مجلس الإدارة فيه. وكذلك يعد مصرف “فرنسابنك” في سوريا فرعاً لـ”بنك فرنسابنك لبنان” والذي يشغل حالياً رئيس مجلس الإدارة مع ثلاثة مقاعد في مجلس الإدارة، عدا عن الحصة السهمية فيه. أما “بنك الشرق سوريا” فيعد الذراع المصرفي لمجموعة “البنك اللبناني الفرنسي” في لبنان. وتطول القائمة لتشمل أهم المصارف العاملة في سوريا.

ويتحدث اليوم إعلام النظام السوري عن دور فاعل لرؤوس الأموال السورية في لبنان في عملية “إعادة الاعمار”، معتبراً أن تلك الأموال هي من حق “حضن الوطن”، ويجب أن تعود بطريقة أو بأخرى، واضعاً رقماً وكأنه معروف للجهات المصرفية والأمنية؛ 25 مليار دولار. وتدعي وسائل إعلام النظام أيضاً أن المبلغ قد يصل إلى ضعف ذلك.

ويضغط النظام على رؤوس الأموال الكبيرة المتواجدة في لبنان لسهولة عملية تحويلها، والعمل على جذبها أو ارغامها الدخول إلى سوريا من جديد، على أمل أن يُحسّن ذلك من موقعه المالي، ويزيد قدرته على ترميم ما ارتكبه في تهديم البنى التحتية السورية. ويستغل النظام حالة الخوف التي ستحدث جراء التصريحات غير المدروسة من قبل الفرقاء اللبنانيين، والتي تخدم في مضمونها سياسته بشكل مباشر. فقد يتحول كلام كبار المسؤولين اللبنانيين عن “إفلاس لبنان” إلى واقع، في حال استمر الأداء السياسي على هذا النحو.

في واقع الحال، لا يمكن للنظام السوري التأثير بشكل كبير على قيمة الودائع الموجودة في لبنان، فالنظام المصرفي السوري ككل مهدد دوماً بالعقوبات الدولية، وبعض هذه العقوبات سارية المفعول على “البنك التجاري السوري” و”بنك الشام الإسلامي” و”بنك سوريا الدولي الإسلامي”. كما أن ثقة اتباع النظام، وإن كانوا من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، بالنظام مرتبطة حتماً بالتواجد الروسي وقدرته على تأمين الاستقرار الأمني داخل البلاد، وهذا أمر غير مضمون على المدى البعيد.

وقد تشهد المصارف اللبنانية حركة تسرب ملموسة للودائع السورية الموجودة فيها، فتركيز النظام على موضوع “افلاس لبنان” يستهدف كل الودائع السورية الموجودة فيه، ويستهدف إيجاد أزمة ثقة في القطاع المصرفي اللبناني ككل. ويُسهلُ عملية النظام إثارة أوضاع سياسية غير مستقرة في لبنان، ووجود سياسيين لبنانيين محسوبين على النظام يشاركون في حملة ممنهجة إعلامياً على القطاع الحيوي الوحيد في لبنان.

ومن جهة أخرى، فإن استثمار الأموال المودعة في المصارف اللبنانية هو الوسيلة الوحيدة لدفع الفوائد الدائنة المرتبطة بها. وبما أن معظم توظيفات المصارف اللبنانية عبارة عن قروض للدولة اللبنانية، فإن النظام السوري قد يستغل هذه الثغرة لتوسيع حجم المخاوف من افلاس الدولة اللبنانية، وبالتالي ضياع الأموال المستثمرة فيها، ومن ضمنها الودائع السورية.

إشاعة رجال النظام في سوريا ولبنان لأنباء عن عدم الاستقرار المالي في لبنان، قد تُسهم في عودة رؤوس الأموال السورية من المصارف اللبنانية إلى السورية، ولن تتسبب بحد ذاتها بإفلاس لبنان. لكن الذعر قد يمتد إلى رؤوس أموال أجنبية ولبنانية، وحينها قد يغدو الخطر داهماً على الاقتصاد اللبناني.

مروان كيالي - جريدة المدن الألكترونية

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية