إيران تقاتل تركيا في سوريا
كاتب وباحث سياسي عراقي
[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
أسفرت المعارك الجارية في مدينة الباب بين الجيش الحر والقوات التركية من طرف وقوات داعش المدافعة عن المدينة بالطرف الاخر، عن خسارة غير متوقعة للجيش التركي وفي يوم واحد، وصل إلى 16 قتيل والعديد من الجرحى، كما وأن العرض الوحشي الذي قام به تنظيم داعش بعدها بيوم واحد، بحرق جنديين وهم احياء، جعل الجانب التركي يزيد اصراراً على اقتحام المدينة وبالقوة، ثأراً لقتلاه ودعماً لسمعة جيشه العسكرية. جاءت هذه الخسائر بعد يوم واحد فقط من انتهاء المباحثات بين الاطراف الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران في كازاخستان والتي أسفرت عن اتفاقات وقرارات لم ترق للجانب الإيراني كثيراً، وفسرتها بانها تصب بمصلحة الجانب التركي، فجاء الرد الإيراني في مدينة الباب، وسوف تصعّد إيران من ردها على تركيا في سوريا وداخل تركيا أيضاً. وما حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة قبل بدأ مباحثات كازخستان بيوم واحد، إلا مثال قوي على عزم إيران بهذا الشأن.
تغيير السياسة التركية
دأبت الدبلوماسية التركية في الفترة الأخيرة إلى تحسين علاقتها بالروس انطلاقاً من ضرورة اتباع سياسة برغماتية في الموضوع السوري، واقتناع القيادة التركية بأن السياسة لا تدار فقط بالشعارات التي ربما تودي بصاحبها بالمهالك بالنهاية. ففي الوقت الذي تخلى عن تركيا كل المعسكر الغربي، أمريكاً واوربياً وتركوها وحيدة أما الدب الروسي والخنزير الإيراني، وجدت تركيا نفسها وحيدة، وأصبح من الضروري عليها اتخاذ سياسة مغايرة، لتفاجئ بها الغرب والإيرانيين بتحسين علاقتها مع الروس، والذين أيضاً كانوا أيضاً محتاجين لطرف ما، يستطيعون التحاور معه، بعد أن شعروا أن الغرب قام بتوريطهم بالمستنقع السوري، ومحاولات حصارهم سياسياً واقتصادياً.
الطرف الثالث بالمعادلة السورية
إيران بحكم كونها طرفاً ثالثاً في سوريا، تعتقد أنها قد تلقت ضربة قاسية من الروس حينما استبدلوهم بالأتراك، فهي تحاول عرقلة وأفشال الخطط الروسية التركية الخاصة بالشأن السوري، وإن ادعت بالضاهر انها متوافقة معهم بمقررات كازاخستان، تلك العراقيل التي بدأت مع نهاية معركة حلب، حينما عرقلت اتفاق أجلاء المدنيين والمسلحين من مدينة حلب، مروراً باغتيال السفير الروسي، إلى التفجيرات الدموية بالمدن التركية، ثم الضربة القاسية التي تلقتها القوات التركية في مدينة الباب. ذلك لأن تحرير الباب من قِبل الجيش الحر والأتراك، يعني إنهم سيسبقون الإيرانيون إليها وسيكونون على بعد 8 كيلومترات فقط من مدينة حلب التي تسيطر عليها حالياً المليشيات الإيرانية، بينما كانت تُخطط إيران وحلفائها، أن تأخذ هذه المدينة بدون قتال (أو قتال وهمي) من تنظيم داعش، كما حصل مراراً وفي أكثر من منطقة.
فرصة للمعارضة المسلحة
للمعارضة المسلحة السورية فرصة استغلال حاجة روسيا لأنهاء الحرب سريعاً، ذلك أن روسيا لا تهمها كثيراً الطموحات الطائفية والأيدلوجية التي يتحرك بها المشروع الإيراني، وليست متمسكة بشدة بشخص بشار الأسد أو عائلته، بقدر اهتمامها وحاجتها للحصول على مكاسب تتعلق بنفوذها على البحر المتوسط، واستعادة نفوذها كدولة كبرى وقطب أخر بالعالم. وعلى ما يبدو أن تركيا قد فهمت تلك الحاجة الروسية، وتتصرف على ضوء هذا الفهم. فيمكن المعارضة السورية وبدعم من الشريك التركي، التوصل إلى حلول وسط مع الروس، من خلال تشكيل حكومة جديدة تحفظ لروسيا مصالحها، وبالمقابل تقوم روسيا بتنظيف سوريا من النفوذ الإيراني، تشكيل حكومة وطنية، يقرُ دستورها بأن الدين الإسلامي مصدراً أساسياً من مصادر التشريع، من غير الإصرار على تشكيل (دولة إسلامية) كما تريد بعض فصائل المقاومة المسلحة. وهذا عين الأسلوب الذي أنتهجه الإسلاميون في تونس للتوصل لحلول مع العلمانيين هناك، وجنبوا بلادهم الدخول بمحرقة الحرب الأهلية التي كان الغرب يعد لها.
إيران واستخدام داعش
من المؤكد إن إيران سوف لا تدعم مثل هذه الحلول، ولديها من الأوراق التي تستعملها في حالة أنها أحسَّت أنها ستفقد نفوذها في هذه الدولة المهمة استراتيجياً لها، وأهم تلك الأوراق هي ورقة تنظيم داعش بالدرجة الأولى، وتنظيم النصرة بالدرجة الثانية. وللحيلولة دون تمكن إيران استخدام هاتين الورقتين، يأتي دور تنقية صفوف المقاومة من تنظيم جبهة النصرة، فكلنا نعلم أن روسيا وقبل هجومها الوحشي الأخير على حلب، طلبت من المعارضة السورية إخراج جبهة النصرة من المدينة، ولكن المعارضة السورية، رفضت ذلك العرض، مما جعلها تخسر المدينة. هذا الحادث يذكرنا بموقف طالبان الذي رفضوا الطلب الأمريكي بطرد تنظيم القاعدة من أفغانستان بعد هجمات سبتمبر، فتسبب ذلك باحتلال أفغانستان من قبل القوى الغربية بحجة محاربة تنظيم القاعدة، وبنفس الحجة استطاعت إيران تحطيم حواضر السنَّة في العراق، وستبقى القاعدة وداعش هي الحصان الرابح لإيران والغرب في تدمير أهل السنَّة وحواضرهم، وتشويه مذهب أهل السنة والجماعة بسبب تصرفات داعش الوحشية. فهل يا ترى ان جبهة النصرة وتنظيم داعش، اللذان سفِكا دماء المسلمين، وعبِثا بمقدرات الشعب السوري، وتسببا في حرف مسار الثورة السورية، من ثورة تحرُّر إلى معركة طائفية بين السوريين، يستحقون إبقائهم ضمن صفوف الثوار؟
توحيد المعارضة
ان واجب الوقت يُحتم على قوى المعارضة السورية القيام بمهمة عاجلة وضرورية، تتلخص بتوحيد صفوفهم وتوحيد خطاب السياسي، لقد كانت إحدى أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الدول الداعمة للمقاومة السورية، هو التنسيق مع الفصائل المسلحة بمعزل عن ممثليها السياسيين، ونعلم أن المقاتلين مهما كانت نواياهم حسنة وطيبة، فأنهم لا يمتلكون حنكة السياسي الذي يستثمر جهود الثوار لتحقيق مكاسب سياسية لصالح الثورة، وهذا ما تريده روسيا أن تناور به، حينما صرحت وزارة خارجيتها أنها لا تنتظر مشاركة “الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة” في المحادثات السورية في كازاخستان الشهر المقبل، انما سوف يشارك فقط ممثلون عن المعارضة المسلحة الموجودة على الأرض، مما يعني ان روسيا تريد الحصول على أكبر المكاسب السياسية بمفاوضاتها مع المعارضة السورية. يجب على المعارضة ان لا تقع بالخطأ الذي وقعت فيه المعارضة المسلحة العراقية حينما قاتلت المحتل الأمريكي وأجبرته على الانسحاب، لكنها لم تولي الجانب السياسي أهمية تذكر، فمهدت بذلك الطريق لحلفاء إيران السيطرة على الحكم في العراق.
مستقبل التحالف الروسي الإيراني
أن زواج المتعة الذي يربط بين إيران وروسيا، قد أن اوان فسخه، وبدأت شيئاً فشيئاً الخلافات بين الحليفين تظهر على السطح، ذلك لان تحالفهم بالأساس كان مؤقتاً ولحاجة مرحلية، وقد وصلوا الان لمفترق الطرق. فروسيا الأن قد وجدت ضالتها بالتحالف مع تركيا، وأيقنت أن النقاط التي تجمعهم أكثر من نقاط خلافهم، فالبلدان يتعرضان لضغوط غربية، والبلدان غير معنيان بالطموحات الطائفية الإيرانية بالمنطقة، بل أن تلك الطموحات بالنسبة للجانب التركي تعتبر تحدياً وجودياً لها، كما وأن البلدان يريدان نهاية سريعة للحرب المستمرة في سوريا، بسبب تورط الروس بحرب لا نهاية لها (حسب ما صرح بذلك المتحدث باسم الخارجية الامريكية الذي اعتبر أن سقوط حلب لا يعتبر نهاية للحرب في سوريا) أما بالنسبة للأتراك فالحرب السورية تعني تهديد قومي لها، من خلال طموحات الأكراد في سوريا وتركيا، بالإضافة إلى الهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش في داخل الأراضي التركية. فبالتالي المشتركات التي تربط تركيا وروسيا كثيرة ولها أبعاد مستقبلية، على عكس المصالح المرحلية والمؤقتة التي تربط إيران وروسيا.
ترامب حليف جديد لروسيا وتركيا
وصول ترامب إلى سدة الحكم واختياره لفريقه الذي سيرسم سياسة أمريكا الخارجية يعتبر نذير شؤم للقيادة الإيرانية، فكل تصريحات ترامب ومساعديه، يعتبِرون إيران هي مصدر التهديد الرئيس لأمريكا، كما وأن تصريحات ترامب ومساعديه، تؤكد حرصهم على إقامة علاقات قوية مع روسيا وتركيا، وبالتالي فأن الحلف الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل، سوف لن يكون من النوع الذي يُسعد إيران، وسوف تعمل أمريكا على تقويض النفوذ الإيراني في سوريا وفي العراق أيضاً. ذلك لأن القيادة الأمريكية وعلى اختلاف رؤسائها، تلتزم بالمحافظة على امن إسرائيل، وظهور قوة كبيرة ذات نفوذ واسع مثل ما تخطط له إيران، سوف يكون خطراً على ربيبتها إسرائيل، ولا بد من تحطيم هذا الغول الجديد الذي يريد أن يتشكل، لكي تبقى كل دول المنطقة ضعيفة مقارنة بإسرائيل. حتى لو أن اجندة إيران لا تتصادم مع إسرائيل.
مستقبل إيران في المنطقة
إيران، وبعدما توغلت كثيراً بتدخلها في شؤون المنطقة، وصرحت عن مطامعها بدول المنطقة بشكل صريح، تكون قد وصلت إلى نقطة اللاعودة في طريقها الذي اختارته لنفسها، وإنها مضطرة للاستمرار فيه والإصرار عليه، لأنها إن لم تستمر، فإن المعركة ستنتقل إليها داخل أراضيها عاجلاً أم أجلاً. ووفق المؤشرات الجديدة بالمنطقة، نرى أن الطرف الخاسر والوحيد مستقبلاً، ستكون هي الاجندة الإيرانية، حيث أن تغيير التحالفات بالمنطقة، ووصول ترامب إلى سدة الحكم، تعتبر تغيرات على عكس ما تهوى إيران وتخطط له. وستغرب شمس إيران ابتداءً من سوريا.