نظرة إلى الدكتاتوريات…لـ: فواز حداد

فواز حداد
روائي سوري

هل الدكتاتوريون من طينة واحدة؟

نعم، لكن الطينة نفسها تختلف من واحد لآخر، هناك شيء خاص يميز كل منهم، ولا شك أن هذه الفروقات الطفيفة بينهم سر قسوتهم وبلادتهم. تتبدى في تصرفات تبدو طلية في حال شابها شيء من الإنسانية، مع أن أغلبها تمثيل كي تبدو لافتة، يعرفون أن الأضواء مسلطة عليهم، وأن كل كلمة تصدر منهم، هناك جهاز يسارع إلى إشاعتها ونقلها للإعلام مع المزيد من المبالغة، فالدكتاتور لا يستطيع أن يبدو إنساناً، لذلك النزر اليسير منها يبدو مثيراً.

غالباً ما يقال عن الدكتاتور، إنه منفصل عن الواقع، يفتقد إلى الإحساس بما يجري في الشارع، وأنه يعيش في عالم متوهم. لنفترض هذا لكن الأدهى والأقرب إلى الواقع، هو أنه يصنع لشعبه واقعاً مغايراً، يمكن التعبير عنه بأنه يضعه أمام أمر واقع ويفرضه عليه بالقوة، ومن حسن حظه، أن هناك من الشعب من يقتنع بهذا الدكتاتور على أنه زعيم تاريخي عظيم، ويحبه من دون مقابل، ومن دون أي منفعة، هذه هي حظوظ الدكتاتور من الشعب الطيب.

بينما الذين يعرفون آنه مجرد متسلط بيده مفاتيح خزائن المال، فيسعون إليه طلباً للمنفعة، ولا يرضون بالقليل، يستغلون عهداً لن يجود عليهم القدر بمثله، ريثما يرحل أو يُقتل.

أما الشعب الناقم المغضوب عليه، فالدكتاتور يخاف منه، وإلا لماذا الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وحدها تحميه من غضبه. الدكتاتور من هذه الناحية رجل واقعي، لا يأمن لشعبة ولو كان مستكيناً، فقد تسول له النفس الانقلاب عليه مع أي سفارة أو ضابط، أو من تلقائه، فللصبر حدود.

يعرف الدكتاتور أن سلطته مطلقة، لمجرد أنه يستطيع أن يقتل من يشاء، ويسجن من يشاء.

هذه السلطة المطلقة تصنع أوهامه، سواء في اعتقاده بهذه القوة التي تمنحه الشعور بأنها أبدية، غير زائلة، وما دام متنبها، فالوساوس تركبه، فيحيط نفسه بالحرس الأوفياء، فيدوم عهده حسبما يتصور، إلى لا انتهاء. وليس غريباً، أن تتسلط عليه أفكار تحيل الأبد إلى الخلود، وإذا شكك في هذا الاعتقاد، يستعيض عنه بالإيمان بأنه لو مات، فسوف يستمر من خلال خلف له من صلبه، لذلك كان التوريث حلاً لمعضلة ستنغص عليه حياته، إن لم يجد الوريث الذي سيحفظ عهداً لن ينتهي، لئلا يُنبش قبره بعد الرحيل.

ما الذي منحه هذا الوهم؟

إنه البقاء الطويل في السلطة، البطانة الفاسدة تعززها، لكن ما يصنعها ويرسخها فعلاً هو أنه رغم جرائمه يفلت من العقاب، والشواهد كثيرة حول إفلات الدكتاتوريين مراراً من الاغتيال، ما يدفعهم إلى الظن بأن لديهم مناعة من الموت، أما حساب الآخرة، فلا حساب له لئلا يقلقهم.

مع أنهم يعرفون أن هذه المناعة كانت من الإفراط بالقسوة، والتفريط بالبشر في مراكز الأمن.

ومهما كانت الاختلافات بين الدكتاتوريين، يجمع بينهم شيء، يميزهم عن الناس العاديين، ترى ما هو؟ فستالين يختلف عن هتلر وفرانكو، وموسوليني عن بينوشه، كذلك النسخة العربية منهم، إذ الدكتاتوريون العرب يمارسون الدكتاتورية بالتقليد، فهم حديثو نعمة بها، بعد خروج العثمانيين، لم يكن هناك دكتاتوريات كامنة ولا ناشئة، مجرد عسكر، سحرتهم انقلابات أمريكا اللاتينية، وكارزمية شخصية كمال أتاتورك، سيديرون انقلاباتهم بنية حسنة لتسريع التقدم، فلا حسني الزعيم ولا الحناوي ولا حتى الشيشكلي كان لديهم تصور للدكتاتور الحقيقي، فلم يقتلوا ويحافظوا على السلطة بأسنانهم، فالشيشكلي مثلاً كان أكثر حرصاً على الجيش من الانقسام، فلم يدافع عن سلطته. وإذا كان من جاؤوا بعدهم حاولوا ما غاب عمن سبقهم، لكنهم لم تفلح شخصياتهم في الإقناع لنقصان في الأصالة، فبالغوا لإقناع من حولهم، كذلك خصومهم بجدية طغيانهم، حتى الذين نظنهم أصلاء كالقذافي وحافظ الأسد، لم يكونوا على المستوى المطلوب، مجرد مغتصبي سلطة حاولوا طوال حكمهم الاحتفاظ بها بالقوة.

كذلك بشار الابن الطبيب سعى إلى تعويض النقصان الفادح بالمزيد من القتل والتدمير، ولم يستطع توظيف طغيانه في العمل على دولة متقدمة، لكن برع في التنصل من أعماله، عسى تشفع له في قادم الأيام، وغدا تقليداً سيئاً حتى لأبيه، فكان القتل للقتل طوال السنوات السابقة. لم يكن بالنسبة للدكتاتوريين إلا مهزلة لا تقنع دكتاتوراً صلفاً مثل كيم جونغ اون، الذي ضاعف من ترسانة أسلحته النووية ليقدم لشعبة شيئاً ليس بحاجة إليه. أما دكتاتورنا فأنكر ما ارتكبه من جرائم، ورماها على عاتق أجهزة الأمن. بينما دكتاتور حقيقي كصدام حسين لم يتنصل منها، فاكتسب احترام القادة العرب حتى أكثرهم جبناً.

في هذا المجال، لا بد من التعريج على زعماء يمكن وصفهم بأنهم أشباه الدكتاتور كبوتفليقة والسادات ومبارك وأخيراً سعيّد، بالمقارنة مثلاً مع السيسي، لم تمنحهم الظروف فرصة ممارسة دكتاتورية حقة، فما أتيح للسيسي لم يتح لمبارك.

أخيراً ما الذي يجمع بين هؤلاء جميعاً؟ إنها خصلة واحدة، هي انعدام الضمير، وهي ليس صفة سيئة، بل جيدة، يمكن وصفها بالعمى، أو بالتعامي، وهما سيان.

فالضمير في حال كان يعمل، سيجعلهم يبصرون، وهو نوع من الضعف لا يجوز أن يشوب سلطتهم، ماذا تكون السلطة مع الضمير؟! لن تساعدهم قدر ما توجه إليهم أصابع الاتهام.


ناس نيوز

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية