تسعى المخرجة ليلى-كلير ربيع لصنع ذاكرة تحمي كل ما ميز بدايات الاحتجاجات في سوريا قبل أن يعم النزاع، عبر عرض مسرحي تقدمه حتى العاشر من شباط/فبراير قرب باريس ويحمل عنوان “قصة ثورة يتيمة”. وتؤكد ربيع أنها تطمح إلى أن لا ينسى الناس آلاف المعتقلين والقمع الذي طال التظاهرات السلمية.
على شاشة كبيرة، تمر صور متلاحقة للتظاهرات سرعان ما تتحول مبهمة، على غرار صورة الثورة السورية في الذاكرة الجماعية. لكن ليلى-كلير ربيع تطمح للحؤول دون هذا النسيان من خلال عرض مسرحي بعنوان “قصة ثورة يتيمة” تقدمه في ضاحية باريس.
وتقول المخرجة التي تقدم مسرحيتها في بوبينيي بشمال العاصمة الفرنسية “بدا لي من الضروري للغاية التذكير ببدايات الثورة السورية مع تحول النزاع أكثر فأكثر إلى نزاع إقليمي”.
فبعد سبع سنوات على خروج تظاهرات سلمية مناهضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، سرعان ما قمعت بالقوة، شهد النزاع المدمر في البلاد فصولا كثيرة، من ظهور جماعات جهادية متطرفة على غرار تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى التدخل الأمريكي والروسي والمواجهات بين فصائل متعددة.
وتؤكد مخرجة المسرحية “أريد ألا ينسى الناس” ما حصل ولا سيما آلاف المعتقلين والقمع الذي طال التظاهرات السلمية. وهي استندت في مسرحيتها إلى ثلاثة نصوص للكاتب المسرحي السوري محمد العطار وتبادل رسائل إلكترونية بين متظاهر شاب وصديقته في باريس وامرأة شابة تجمع شهادات معتقلين سابقين ورحلة في سوريا المدمرة.
وتوضح المخرجة التي ألفت المسرحية العام 2017 “النصوص كتبت في خضم الحدث” ولا سيما في العام 2011 خلال المظاهرات الأولى.
وتضيف “لكن مع مرور الوقت أرى أن قيمة هذه النصوص تزداد لأنها تشهد على لحظة محددة”.
La “révolution orpheline” de Syrie racontée sur une scène parisienne
حاجة ملحة لتأليف المسرحية
تطغى قوة النص المؤثرة والمباشرة على الإخراج البسيط مع ديكور يقتصر على بضع طاولات وكاميرا وشاشة تمر عليها صور مدن مدمرة.
ويقول متظاهر شاب “الأبشع هو خوفي وعجزي” مضيفا “التفاؤل قرار نأخذه في هذه اللحظة لأن لا خيار لدينا” فيما يروي معتقل أمام كاميرا نصبت على المسرح كيف أن “حاجز الخوف تحطم” بعد ذلك.
درست ليلى-كلير في برلين ويتحدر والداها من حماة (وسط) وحلب (شمال)، وأشارت إلى أنها شعرت بحاجة ملحة لتأليف المسرحية.
وتقول “في العام 2013 كنت عاجزة عن النوم وكنت أشعر بالحاجة إلى القيام بشيء ما” مؤكدة أن “الفن يسمح بإبعاد الألم”.
وسبق للنزاع السوري أن احتل الشاشات والمسارح بدفع من فنانين آخرين مثل فيلم “عائلة سورية” للمخرج فيليب فان لوف (2017) أو الفيلم الوثائقي “ماء الفضة” للمخرج أسامة محمد اللاجئ في باريس.
وتقول ربيع “إنها حاجة ذاتية ونحن نطرح أسئلة مختلفة عن تلك التي يطرحها المؤرخون”. وكادت المسرحية ألا ترى النور إذ واجهت ليلى-كلير ربيع صعوبة في إيجاد شركاء.
وتضيف “سجل بعض التخوف إذ وقعت اعتداءات باريس (التي تبناها تنظيم “الدولة الإسلامية”) في العام 2015 وهي بدلت المواقف”.
وتؤكد “كان لدي شركاء قرروا الانسحاب (…) وهذا دليل على الخلط الحاصل في فرنسا”.
ووضحت المخرجة أنها مع مسرح “ملتزم وغير متحزب”، لكنها تلقت رسائل تتهمها بالانحياز موضحة “قيل لي أني أقف إلى جانب السلفيين والإرهابيين فيما كان يسألني بعض الناس ممن أتلقى المال”.
وهي لا تحزن اليوم بالضرورة لرؤية زملائها المخرجين السوريين يعيشون في منفاهم في باريس وبرلين وبيروت.
وتؤكد “الفنانون محظوظون أكثر من غيرهم. أنا أحزن لملايين اللاجئين. أما الفنانون فيمكنهم أن يعبّروا بواسطة فنهم”.