في الوقت الذي يتواصل فيه انكار النظام معرفته تفاصيل عملية تسليم الجانب الروسي لرفات الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، إلى إسرائيل، تتكشف وقائع ووثائق تُثبت العكس. إذ سرّب “المعارض التاريخي لنظام الأسد” نزار نيوف، في “فيسبوك”، وثيقة تعود للعام 1984، تثبت احتفاظ “فرع فلسطين” التابع لـ”الأمن العسكري” بمقتنيات قتلى الجيش الإسرائيلي في معركة السلطان يعقوب.
وزير إعلام النظام عماد سارة، كان قد نفى تماماً حتى معرفة النظام بموضوع الجنود الإسرائيليين، بقوله: “الدولة السورية أساساً لا علم لها بوجود رفات لأي جندي إسرائيلي في أي مكان في سوريا، وإلا لكانت تصرّفت بما تقتضيه مصالحها الوطنية، وهذا ما اعتادت عليه”.
إلا أن البرقية الصادرة عن رئيس “شعبة المخابرات العسكرية” حينها اللواء علي عيسى دوبا، والمرسلة إلى “مكتب سيادة القائد العام للجيش والقوات المسلحة” حافظ الأسد، والمروسة بـ”سري للغاية”، تقول:
“بناء على التوجيهات الواردة في برقية سيادتكم رقم 11 / ف تاريخ 24 / 4 / 1984 ، المتعلقة بجثث وأشلاء جنود العدو الإسرائيلي الثلاثة (زاخاريا باومل، تسفي فيلدمان، يهوذا كاوتس)، من ملاك الكتيبة 662 / الفرقة 90 في جيش العدو، التي تمكن مقاتلون من (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة) من سحبها من دبابات وعربات العدو المحترقة في محيط قرية (السلطان يعقوب) و(كامد اللوز) اللبنانية بمساعدة جنود من اللواء 81 في الفرقة الثالثة في الجيش العربي السوري، وعملا بقرار مكتب الأمن القومي رقم 17 / س تاريخ 18 / 4 / 1984 القاضي بعدم التصريح عن وجود أية جثث لجنود العدو بحيازة الجيش العربي السوري، بخلاف الجثث الست التي جرى التصريح عنها، وبالتالي عدم شمول الجثث الثلاثة بعملية تبادل الأسرى المقرر تنفيذها في 28 حزيرن الجاري عبر معبر القنيطرة المحررة، نحيط سيادتكم علما بما يلي:
جرى دفن جثث الجنود الثلاثة المذكورين في مكان سري خاص من مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بمعرفة مباشرة من السيد أحمد جبريل الأمين العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، والسيدين طلال ناجي وعمر الشهابي من قيادة الجبهة، وبإشراف تام من قبل رئاسة الفرع 235 /الضابطة الفدائية في شعبة المخابرات العسكرية. علما بأن شعبة المخابرات احتفظت بكافة متعلقاتهم الشخصية، بما في ذلك لوحات التعريف المعدنية وشراشف الصلاة والكتب الدينية التي تعرض بعضها للاحتراق بشكل كبير.
ولكم الأمر سيدي القائد العام.
دمشق في 2/6/1984
نسخة إلى: الرفيق رئيس مكتب الأمن القومي“.
ويسعى حلفاء النظام في محور “الممانعة” لنفي دور النظام في تسليم رفات باومل، رغم الإعلان الروسي على تنفيذ العملية بالتنسيق الكامل مع “الشركاء السوريين”. كما أن الرواية الاسرائيلية تطابقت مع الرواية الروسية حول أن التعرف إلى الجثة تمّ من خلال “الحذاء الذي تم التعرف إلى بصمة الجيش الإسرائيلي فيه” ومن خلال “الملابس العسكرية التابعة لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي المدرّعة” وكذلك “الكتابة على ظهر الجندي باللغة العبرية، والتي تم الحفاظ عليها بشكل مثير للدهشة”، وهي قطعاً من مقتنيات باومل المحفوظة في “شعبة المخابرات العسكرية” بحسب البرقية.
ويدل هذا، من دون شك، على تسليم “فرع فلسطين” لمقتنيات باومل التي يحتفظ بها، للجانب الروسي، ما ينفي قطعاً الرواية الرسمية للنظام والممانعة بعدم المعرفة التفصيلية بماذا كان يفعله الروس في المقبرة.
وسائل إعلام الممانعة ركزت على مصطلح التعاون على “مستوى عملياتي” بين الروس والنظام، لنفي المعرفة بالحادثة أصلاً. “مصدر عسكري سوري رفيع المستوى” قال: هناك “تنسيق بين العسكريين السوريين والروس لتأمين الحماية والنقل، ولأخذ العلم بوجود قوة روسية في مكان ما، وهذا لا يعني معرفة الجانب السوري بطبيعة المهمة الروسية وتفاصيلها، ولا مشاركته فيها بالتأكيد”. إلا أن هذا العذر يبدو أكثر ضعفاً ومن دون سند، إذ أن المنطقة بعد اخلائها من كافة المظاهر المسلحة تخضع لسيطرة مليشيات النظام المقربة من إيران، والتي تعيش حالة من الترقب الحذر والتشكيك بكل الخطوات الروسية بعدما بدا أن التفاهمات الكبرى بين الحليفين الروسي والإيراني محاطة بالكثير من الشكوك المتبادلة.
عن جريدة المدن الإلكترونية ، للاطلاع على الموضوع الأصلي ، اضغط هنا