في نص سابق قبل سنوات ، كتبت من دمشق عن مدى جهالة مؤسسي البعث وفقر ملاحظاتهم التاريخية والإنسانية، بالرغم من دراسة إثنين منهم في باريس .. تخصَّص أحدهم بالتاريخ والآخر بعلم الاجتماع، قبل أن ينضم بالدمج اليهم فيما بعد .. مؤسس الحزب الإشتراكي العربي “أكرم الحوراني” .. كان السبب في ذلك من وجهة نظري الشخصية، تتعلق ببديهية أن الحضارات التي تموت وتفنى لاتُبعث من جديد الا في اذهان متعاطي الأفيون والحشاشة .. لذلك كان بعث النهضة العروبية أو القومية السورية .. أو الأخوانية الإسلامية .. أو الخلافة الدينية .. و غيرها من شعارات وإيديولوجيات متقاربة متصالحة أو متنافرة متباعدة ..ليس فقط محض هراء ساذج .. وضحل، ينم عن جهل بمسار التاريخ، فعندما تشيخ الامبرطوريات وتفنى لا تَقُم لها قائمة مرة اخرى ..
ولست هنا في صدد إعادة ترديد ما كتبت، إلا لسبب إستوقفني بقوة، في حديث تابعته عند رحيل المفكر والناقد “جورج طرابيشي” .. وخلاصة مقاله تتلخص بأن نشأة الأديب “طرابيشي” كانت مع البعث كحزب وتنظيم سياسي، عمل خلالها في مطلع شبابه ترجمانا ومديرا لإذاعة دمشق، بعد إستيلاء الدبابات البعثية على نظام الحكم بانقلاب عسكري جرّ ويلات لاتبدو لها نهاية قريبة الى اليوم، في كل من سورية والعراق .. الخ .. وكان ان طُلب من “طرابيشي” ترجمة فورية لمؤسس البعث ذاته “ميشيل عفلق” سأله فيها أحد الصحفيين الغربيين عن آخر كتاب قرأه .. “عفلق” .. فكانت الصدمة عميقة لطرابيشي عندما أجابه المؤسس الاول، أنه لم يقرأ كتابا واحدا منذ أكثر من خمسة عشر عاما .. وأن فكره ليس بحاجة الى التزوّد من أفكار الآخرين، وكان ذلك يؤكد سخافة نقله لتجارب صعود القوميات الاوربية في القرن التاسع عشر مع اشباهه من نساخ التجارب الفاشية، وينسحب ذلك ايضا على الحركة الصهيونية بإنشاء دولة دينية على اوهام التوراة، لقد قدم عفلق والبيطار شرابا ماركسيا في كأس إسلامي، فلا اقنع اقتصاد القيمة، ولا فسر حركة التاريخ، ولا ارضى الإسلاميين.