بيت بيوت..(قصة قصيرة ) لـ: حسين جرود

بيت بيوت..(قصة قصيرة ) لـ: حسين جرود

[ult_ihover thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”حسين جرود” thumb_img=”id^62137|url^https://ebd3.net/wp-content/uploads/2018/03/حسين-جرود.jpg|caption^null|alt^null|title^حسين جرود|description^null” hover_effect=”effect20″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#0b80b8″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب سوري[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
في تلك الأيام، انتقلت للسكن قرب الجامعة، وجدت رفاقاً بصعوبة، واستأجرنا بيتاً صغيراً من غرفتين. عندما أنهينا تنظيف الغرفة، جاء خالد ليخبرنا أن ننظر من النافذة. استمرت وقفتنا ساعتين، وكانت أشبه بمساج بعد تعب النهار الطويل.
غرفة خالد تطلُّ على الشرق الكئيب، يقابلها مجموعة من الشرفات المتحفِّظة، فيما تطلُّ غرفتنا على الشمال الرحيب؛ حيث يمكننا أن نرى -من جهة يدنا اليمنى- شرفة جارنا الرومانسي الذي يشعل أضواء ملوَّنة خلال السهرة، ومن الجهة الأخرى ساحة بمساحة غرفة، تقع تحت الأرض، ومكشوفة حدَّ السماء، ويتطلَّب النزول إليها درجات. تتوسط تلك المساحة الحيِّز بين غرفة ومطبخ، وفي الصباح تتصاعد منها الأغنيات.

نحن الذين وصلنا إلى درجة من الرقي تمنعنا من إرسال صوت الموسيقى أو وضع رنة غريبة للهاتف، لم نكن متخلفين لنشغل أربع موبايلات ونستمع إلى أربع أغنيات مختلفة في الوقت نفسه، كما يفعل طلاب آخرون، بل يستمع كل واحد لما يريد على سماعات الأذنين حتى إن كنا نستمع إلى الشيء نفسه أحياناً، مع هذا الصوت لم يزعجنا.

في الليل يبدأ تنظيف الساحة. أقف على النافذة لمتابعة الحدث، فيما يضطر خالد لمغادرة غرفته إلى المطبخ، ولا أعرف إن كان هذا يؤثِّر على دراسته. أتحدَّث مع زياد الذي لا يتابع بدقَّة مثلي لكنَّه يركِّز على بعض الجزئيات المهمَّة، أبدو مثل معلق رياضي، مجبر على إطفاء ضوء الغرفة، وأرى دون أن يراني أحد، ومن عجائب المصادفات أن يكون سريري تحت النافذة، ونافذة مطبخنا وراء فرن الغاز.

نور بكنزتها الصفراء ذات النصف كم، وسارة بشورتها الأزرق القصير. تنتهي عملية التنظيف ويبدأ إعداد العشاء، تستغرق النساء عموماً أوقاتاً طويلة في تحضير الطعام أكثر من وقت أكله بكثير… وعليَّ أن أراقب وأنقل وأسجل.

كل ظهور لسارة بمثابة إعلان هدف، وظهور نور الكثيف العادي أشبه بتمريرات متكرِّرة في وسط الملعب، لا ترقى حتى للطريقة الإسبانية الهندسية المعروفة. نور بكنزتها الصفراء وحذائها الأسود عادية كيوم، أما سارة حلم لا نصدِّق أنه موجود، حتى لو وفِّقنا وصَعَقَنا ثلاث مرات في ليلة واحدة.

في مساء أحد الأيام، زارنا صاحب المنزل وقال أنه سيتصرَّف. لم أفهم ما يرمي إليه، ولكن ابتسامته كانت تريد أن تغني عن الكلام.

زياد أفهمني الأمر برسالة على الموبايل مع أنه يجلس معنا في الغرفة نفسها.

  • “ومن قال هذا.” قلت لصاحب المنزل
  • خالد
  • آها.. كل ما في الأمر أنها ساحة مكشوفة وفي البيوت المغلقة يحدث أكثر من هذا.

صُعِق زياد لردِّي، واستمرَّ الحديث دون معنى، وتمَّ إغلاق طاقة القدر.

بعد مغادرة البنتين سكن شاب وحيد تزوره فتاة ذات شعر طويل أسود تلعب به أمام المرآة.

  • لها مستقبل
  • “انقلب الأمر للعب أطفال”، يجيبني زياد

تلك الزيارات لم نشهد معظمها، بسبب انشغالاتنا والتوقيت الشتوي، كما أن البيت لم تعد تخرج منه رائحة الأغاني.

هناك تفاصيل أغفل ذكرها، مثلاً سبب الطرد، أنا لا أنسى، لكن: ما معنى أن أعيد كلاماً من رسالة كتبها زياد بناء على شهادات عن أصوات، فقد راقبت هذا المنزل لشهرين دون أرى شيئاً مريباً.

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية