الموقف مع الرئيس الليبيري: جهل أم تجاهل باستهزاء؟
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة من الجدل خلال لقائه مع نظيره الليبيري جوزيف بواكاي، بعد أن أعرب عن دهشته من إجادة الأخير للغة الإنجليزية. قال ترامب، بنبرة بدت مزيجًا من الإعجاب والاستغراب: “إنك تتحدث الإنجليزية بطريقة جميلة… جميلة جدًا”، قبل أن يضيف متسائلًا: “من أين تعلمت؟ في ليبيريا؟”.
في لقاء مثير للجدل مع قادة أفارقة، علّق ترامب بدهشة على "إنجليزية جميلة" لرئيس ليبيريا، ثم قاطع أحدهم قائلاً: "الاسم والدولة فقط". مديح متعجرف ومقاطعة فاضحة تلخصان نظرة البيت الأبيض للقارة.#ترامب #إفريقيا #البيت_الأبيض#Trump #Africa pic.twitter.com/UvzyEL7S3r
— ebd3.net بلا رتوش (@retouchmag) July 10, 2025
ورغم أن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية لليبيريا منذ نشأتها في القرن التاسع عشر، فإن تعليق ترامب اعتُبر من قبل كثيرين إما تجاهلًا متعاليًا أو جهلًا بمعلومات أساسية عن الدولة التي تربطها علاقات تاريخية عميقة بالولايات المتحدة.
الحكومة الليبيرية التزمت التهدئة، حيث قالت وزيرة الخارجية سارة بايسولو نيانتي إن التصريح لم يُفهم على أنه إهانة، بل “إقرار بجذورنا اللغوية الأميركية”. إلا أن أطرافًا سياسية في الداخل كانت أكثر حدة. فوداي ماساكويو، رئيس حزب معارض، رأى أن التصريحات “تعكس غياب الاحترام المتكرر من الغرب تجاه القادة الأفارقة”، واصفًا سلوك ترامب بأنه “متعجرف ومهين”.
من جهته، قال شيوكين بارسي-غياه، وهو مقرب من الرئيس الليبيري السابق جورج ويا، إن ترامب لم يمدح بواكاي، بل سخر منه ضمنيًا. وأضاف: “ليبيريا دولة ناطقة بالإنجليزية، وكان حريًا برئيس الولايات المتحدة أن يكون على علم بذلك. ما جرى لم يكن إشادة، بل استهزاء”.وفيما حاول بعض المراقبين تفسير الموقف على أنه أسلوب ترامب المعتاد في الإطراء، أشار آخرون إلى أن “الدهشة من فصاحة زعيم إفريقي” ليست مجرد انطباع فردي، بل تعبير عن موقف ثقافي غربي لطالما تعامل مع الكفاءة الإفريقية كاستثناء غير متوقع.
تصريحات ترامب تزامنت مع قرار تقليص المساعدات الأميركية، الذي شكّل صدمة للعديد من الليبيريين، خاصة أن الولايات المتحدة كانت الداعم الأكبر للبلاد، حيث بلغت المساعدات الأميركية نحو 2.6% من الناتج القومي الإجمالي – وهي النسبة الأعلى عالميًا بحسب مركز التنمية العالمية. إلغاء عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) بدا للبعض كضربة لبلد لطالما اعتبر أميركا “شقيقًا أكبر”، واستقى من نموذجها السياسي والعلمي الكثير.
“الاسم والدولة فقط”: مقاطعة فاضحة
خلال الاجتماع نفسه، التُقطت لحظة أثارت امتعاضًا واسعًا: قاطع الرئيس ترامب أحد القادة الأفارقة مطالبًا إياه بالاكتفاء بذكر “الاسم والدولة”، ملوّحًا برأسه بضيق ظاهر. هذا التصرف، في نظر العديد من المراقبين، تجاوز الإطار البروتوكولي، ليكشف عن نظرة اختزالية تتعامل مع إفريقيا كملف إداري لا أكثر.
المشهد لم يُقرأ فقط كتصرف شخصي فج، بل كمؤشر على موقف مؤسسي راسخ يختزل إفريقيا إلى تابع في منظومة المصالح الغربية. واعتُبرت هذه المقاطعة امتدادًا لطريقة تفكير تعامل القارة لا كشريك، بل ككيان يُطلب منه الالتزام دون أن يُمنح مساحة حقيقية للتعبير أو التفاوض.
الانتقادات لم تتوجه إلى ترامب وحده، بل شملت الاتحاد الإفريقي أيضًا، الذي وُصف بأنه حاضر شكليًا وغائب فعليًا. إذ رأى كثيرون أن الاستجابة الجماعية لدعوات العواصم الكبرى –سواء في واشنطن أو بكين – تعكس غياب مبادرة إفريقية مستقلة، وتُضعف من مركز القارة التفاوضي.
الخلاصة التي خرج بها المراقبون كانت مباشرة: القارة بحاجة إلى موقف موحّد، لا حشود دبلوماسية مشتتة. وإعادة تعريف دور الاتحاد الإفريقي باتت ضرورية، كي يتحول من تجمع رمزي إلى قوة حقيقية تمثّل السيادة وتفرض الاحترام.
السؤال الذي يُطرح بوضوح: هل تملك إفريقيا الإرادة لتتحرر من دور التابع، وتنهض بشراكات قائمة على الندية والاحترام؟ أم تبقى على هامش القرار، تنتظر ما يُملى عليها؟