سلام: “حزب الله” جزء لا يتجزأ من الدولة…هل يعني ذلك أن لبنان شريك في الدم السوري؟

في 7 تموز/يوليو 2025، صرّح رئيس حكومة لبنان نواف سلام أن “حزب الله جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية“، في إعلان رسمي يحمل أبعادًا سيادية وقانونية لا تقبل التأويل.
هذا التصريح لا يصف الحزب كمجرد طرف فاعل أو كعنصر بنيوي في الدولة، بل يقرّ بوضوح أن وجوده بنيوي لا يمكن فصله دون المساس بجوهر الدولة، ما يعني إلغاء المسافة بين الكيان الرسمي وميليشيا مصنّفة إرهابية دوليًا، وتشكل معها وحدة عضوية لا تنفصل.

وبذلك، لا يدور النقاش حول تساهل أو تغاضٍ، بل حول اندماج كلي بين الدولة وفاعل مسلح خارجي الانتماء، ما يرفع المسؤولية السياسية والأخلاقية إلى حدها الأقصى، ويفتح الباب أمام أسئلة قانونية خطيرة حول موقع لبنان داخل شبكة أفعال الحزب وتبعاتها الدولية.


هذا التصريح لم يُنشئ واقعًا جديدًا، بل كشف عن بنية قائمة منذ بداية الثورة السورية، حين دخلت ميليشيا حزب الله الأراضي السورية وبتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني.

الميليشيا، التي تشكّل ذراعًا إيرانية عابرة للحدود، شاركت في حصار مدن، وقصف قرى، وتهجير عائلات، وارتكبت جرائم موثقة بالخرائط والشهادات والصور، في خدمة الإبقاء على نظام أسد مقابل إسقاط سوريا كوطن وكشعب.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تحوّل الحزب إلى ذراع لنظام موازٍ، استخدم العنف والمخدرات معًا: قام في تصنيع وتهريب الكبتاغون، مستعملًا الأراضي السورية كمصنع، واللبنانية كمعبر، والأسواق الخليجية والأوروبية كوجهات لتغذية إرهاب مزدوج: إرهاب البندقية وإرهاب السموم.

ومع هذا التصريح الرسمي، تسقط كل ذرائع الفصل بين الحزب والدولة، إذ بات كل ما قام به من جرائم حرب وتهريب وتمويل غير مشروع مشمولًا بغطاء الدولة اللبنانية، بموجب اعتراف صادر عن رأس سلطتها التنفيذية. لم يعد هناك محلّ لحجج “النأي بالنفس” أو توصيف الحزب كـ”طرف غير رسمي”، فكل فعل بات مسؤولية سيادية أمام القانون الدولي.

وإن كانت الحجة المتكررة عند بعض الأطراف أن الدولة اللبنانية هشّة أو مخترقة، فإن ذلك لا يعفيها من التزاماتها السيادية، بل يُعد قرينة إدانة لا تخفيف. فالدولة، في أضعف حالاتها، تظل مسؤولة عن ضبط حدودها، وتنظيم استخدام السلاح، ومنع الفاعلين غير الرسميين من تنفيذ سياسات عسكرية خارجية باسمها. الصمت الرسمي المتكرّر على مدار سنوات، حيال تدخل الحزب في سوريا وارتكابه لجرائم موثقة، لا يمكن اعتباره غفلة أو عجزًا عارضًا، بل هو خيار سياسي متّصل، يُشكّل اعترافًا ضمنيًا بتورط مؤسسي، ويتّخذ طابع التواطؤ أو التخلي الإرادي عن المسؤولية.
وما يضاعف من فداحة هذا الدور أن السلطات اللبنانية، حتى بعد إسقاط النظام السوري البائد وفرار رأسه إلى موسكو، لا تزال تحتجز معارضين سوريين دون محاكمات، في استمرارية تؤكد أن الدولة لم تخرج بعد من مدار الوكالة القمعية لذلك النظام.

وعليه، فإن المحاسبة لم تعد مجرد مطلب أخلاقي، بل استحقاق قانوني. فلبنان، بموجب هذا التصريح، لم يعد متهمًا بالصمت أو العجز، بل بات شريكًا معرفًا، يواجه إمكانية الملاحقة على المستوى الدولي، سواء عبر المحاكم التي تعتمد الولاية القضائية العالمية، أو من خلال الملفات المجمعة في آليات الأمم المتحدة الخاصة بسوريا.


  1. مشروع مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة (Draft Articles on Responsibility of States for Internationally Wrongful Acts – 2001)
    الصادر عن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، ويُعد المرجع الأهم لتحديد متى تتحمل الدول مسؤولية عن أفعال فاعلين غير رسميين.
    رابط: https://legal.un.org/ilc/texts/instruments/english/draft_articles/9_6_2001.pdf
  2. المادة 8 من المشروع ذاته
    تنص على أن الدولة تتحمل المسؤولية إذا تصرف فاعل غير رسمي بناءً على “تعليمات أو توجيهات أو سيطرة فعالة” من الدولة، وهو جوهر الحجة ضد انخراط حزب الله ضمن بنية الدولة.
  3. مبدأ “الرضا الضمني” في القانون الدولي
    تم استخدامه في اجتهادات محكمة العدل الدولية مثل قضية “نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة” (1986)، حيث فُسّر الصمت الرسمي المديد كتواطؤ ضمني.
  4. مبدأ “العناية الواجبة” (Due Diligence)
    واجب الدولة في منع انتهاكات القانون الدولي من قبل جهات ضمن نطاق سيطرتها أو على أراضيها، حتى إن لم تكن تلك الجهات رسمية.
  5. الولاية القضائية العالمية (Universal Jurisdiction)
    إطار قانوني يتيح ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من أي جنسية وفي أي مكان، كما ورد في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وإن لم يكن لبنان أو سوريا أطرافًا فيه.

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية