في ضربة دبلوماسية لاذعة، استهدفت الصين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برمية ساخرة لم تخلُ من رمزية. قبعته الشهيرة، التي تحمل شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، أصبحت مادة لتعليق المتحدثة باسم الخارجية الصينية، ماو نينغ، التي أشارت إلى أنها “صنعت في الصين”، مضيفة لمسة تهكمية بذكر ارتفاع سعرها بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب نفسه. هذا التصريح، الذي قد يبدو للوهلة الأولى مجرد مزحة، يحمل في طياته إشارات إلى تناقضات السياسة الأمريكية وثقة الصين بنفسها كقوة اقتصادية لا تُضاهى.
حقيقة التصريح
في 10 أبريل/نيسان 2025، ألقت ماو نينغ قنبلتها اللفظية عبر منصة “إكس” بنشر صورة لقبعة ترامب مع ملصق “صنعت في الصين”، مرفقة بتعليق يشير إلى قفزة سعرها من 50 إلى 77 دولارًا بسبب الرسوم الأمريكية. المنشور، الذي صدر من حساب رسمي للخارجية الصينية، يؤكد أصالة التصريح كجزء من خطاب بكين الدبلوماسي. لكن، هل القبعة صينية فعلًا؟ تقارير رويترز توضح أن قبعات حملة ترامب تُصنع في دول عدة، من الصين إلى فيتنام، مما يجعل الادعاء رمزيًا أكثر منه حرفيًا. الهدف واضح: إحراج ترامب بإبراز اعتماده على الواردات رغم دعواته للتصنيع المحلي.
— Mao Ning 毛宁 (@SpoxCHN_MaoNing) April 10, 2025
النشر الرسمي
لم يكن التصريح مجرد تغريدة عابرة. صدر عن قناة دبلوماسية معتمدة، وهي حساب ماو نينغ على “إكس“، ليجد طريقه إلى عناوين وسائل إعلام عالمية مرموقة. الجزيرة ربطت التعليق بتصعيد الرسوم الأمريكية إلى 104% على الواردات الصينية، بينما وصفته الغارديان بـ”سهم دبلوماسي” يصيب مقتل تناقضات ترامب. رويترز، بدورها، وضعته في سياق ردود الصين الأوسع، مشيرة إلى تصريحات الرئيس شي جينبينغ بأن بكين “لن تنحني” للضغوط. هذه التغطية، الخالية من الاعتماد على مصادر غير موثوقة، تؤكد أن التصريح ليس إشاعة، بل استراتيجية محسوبة.
التفاعل العالمي
لم يمر التصريح مرور الكرام. دبلوماسيًا، اختار البيت الأبيض الصمت حتى 13 أبريل 2025، ، ربما لتجنب إضافة الوقود إلى النار. في المقابل، أكد شي جينبينغ في خطاب متلفز عبر CCTV أن الصين مستعدة لـ”معركة طويلة”، مما يعزز تصميم بكين. إعلاميًا، رأت الجزيرة في التصريح رمزًا لثقة الصين، بينما اعتبرته رويترز محاولة لزعزعة صورة ترامب أمام أنصاره. على “إكس”، تباينت الآراء: بعضهم أشاد بالذكاء الصيني، وآخرون رأوه تهربًا من نقاش التحديات الاقتصادية الداخلية لبكين. هذا الجدل يبرز قدرة تعليق بسيط على إثارة موجات عالمية.
سياق الحرب التجارية
وراء هذا التهكم تكمن حرب تجارية مريرة. بدأت شرارتها في 2018 حين استهدف ترامب الصين برسوم على بضائع بمليارات الدولارات، متهمًا إياها بممارسات تجارية ظالمة. الصين ردت بالمثل، فتضررت سلاسل التوريد وارتفعت الأسعار عالميًا. في 2025، جدد ترامب هجومه برفع الرسوم إلى 104%، مشيرًا إلى قضايا مثل تهريب الفنتانيل. بكين، بدورها، فرضت رسومًا بنسبة 84% على المنتجات الأمريكية.
التداعيات واضحة: المستهلك الأمريكي يدفع ثمن السلع الأغلى، والمزارعون يعانون من تراجع الصادرات، بينما تعزز الصين تجارتها مع آسيا، كما أشارت الغارديان. التصريح، إذن، ليس مجرد سخرية، بل طعنة رمزية تكشف هشاشة شعار “أمريكا أولًا” أمام واقع الاعتماد على الصين.
ختامًا
ما بدا نكتة عابرة عن قبعة ترامب هو في الحقيقة مناورة دبلوماسية كشفت تناقضات عميقة في السياسة الأمريكية. الصين، بثقة لاعب يعرف قوته، استخدمت هذا التصريح لتذكير العالم بمركزها في الاقتصاد العالمي. مع استمرار الحرب التجارية، يبقى السؤال: هل ستتحول هذه المناوشات إلى صراع أكبر، أم ستجد الدولتان مخرجًا؟
القبعة قد تكون صينية، لكن المعركة عالمية.