الصحفي الأمريكي الذي أمر بشار أسد بإعدامه

سُجن في الطاحونة" .. CNN تكشف تفاصيل جديدة حول قضية أوستن تايس الغامضة

تقرير حصري من CNN يكشف أسرارًا جديدة حول اختفاء الصحفي الأمريكي أوستن تايس في سوريا منذ عام 2012. التحقيق يكشف لأول مرة إفادات مسؤولي النظام السوري البائد، ويكشف عن تفاصيل صادمة حول فترة احتجازه ومحاولة هروبه، بالإضافة إلى اتهام مباشر بأن رأس النظام البائد بشار الأسد، الذي فر إلى موسكو في 8 ديسمبر 2024، أصدر أمرًا بإعدام تايس، كما أفاد مستشاره بسام الحسن.


قال عنصر من الجيش السوري وهو يشير إلى طريق شديد الانحدار خلفه: «الأمريكيون مرّوا من هنا. لا أعرف إلى أين توجهوا، لستُ مسموحًا لي بالصعود إلى هناك».

الطريق المغلق يقود إلى متاهة من المنشآت العسكرية المحشورة في المنحدرات الصخرية لجبل قاسيون على مشارف العاصمة السورية دمشق. كان ذلك أقرب ما استطاعت CNN الوصول إليه من المواقع التي بحث فيها فريق بقيادة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) خلال زيارته في سبتمبر، بحثًا عن آثار للصحفي الأمريكي أوستِن تايس — بعد أكثر من عقد على اختفائه.

كان من الصعب عدم ملاحظة الفريق الأمريكي، فقد وصل ضمن قافلة من العربات المدرّعة. وكان هدفهم مزدوجًا: البحث عن المكان الذي يُعتقد أنه آخر موقع احتُجز فيه تايس، وإذا أمكن، العثور على رفاته.

تركّز البحث الأمريكي على منشأة تُسمّى «المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية». ولم يستمر لأكثر من ثلاثة أيام. ففي التاسع من سبتمبر شنت إسرائيل هجومًا عنيفًا على قطر وغادر الوفد بشكل مفاجئ.

المعلومة التي قادت إلى البحث الأمريكي جاءت من عدة شهود، من بينهم بسّام الحسن، مستشار نافذ لرأس النظام البائد بشار أسد، والرجل الذي احتجز تايس بعد أسره في منتصف أغسطس/آب 2012.

على مدى 13 عامًا، ظلّ لغز ما حدث لأوستِن تايس يلاحق إدارات أمريكية متعاقبة. ثم بعد إسقاط النظام وفرار بشار أسد إلى موسكو في ديسمبر/كانون الأول 2024، بدأ الشهود يظهرون. وبعد فراره إلى إيران، وصل الحسن إلى بيروت في أبريل/نيسان، حيث خضع مع عدد من المرتبطين بالقضية لاستجواب من محققي الـFBI حول أسر تايس.

في سبتمبر، تمكنت CNN من تتبّع الشقة التي كان يقيم فيها الحسن في بيروت. وبعد طرق الباب، عرّف الفريق عن نفسه على أنه من CNN. وخلال محادثة استمرت 20 دقيقة — في أول مواجهة له مع صحفي — قال الحسن لـCNN إن الأسد أمر بإعدام تايس.

قال: «بالطبع، أوستِن ميت. أوستِن ميت»، وقد التُقطت تعليقاته بالفيديو باستخدام كاميرات خفية ارتداها الفريق. وهزّ رأسه بالإيجاب عند سؤاله إن كان تايس قد قُتل عام 2013، قائلاً إنه نقل أمر الإعدام إلى أحد مرؤوسيه.

وأضاف الحسن: «لا أريد حماية بشار أسد لأنه تخلى عنا وتركنا. ولا أريد حماية روسيا أو إيران، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن لروسيا وإيران علاقة بالقضية. ويمكنني أن أؤكد لكم أن الأمر ليس كذلك. هذا يتعلق بالرئيس بشار فقط»، على حد قوله.

كان بشار أسد قد فر إلى روسيا بعد انهيار نظامه، ومحاولات CNN للتواصل معه باءت بالفشل.

يدّعي الحسن أنه نقل أمر الإعدام إلى مرؤوسه في ميليشيا «الدفاع الوطني» سيئة الصيت والمدعومة من إيران والمتحالفة مع الحكومة. وقد علمت CNN أن الرجل المذكور يقيم الآن في روسيا. ومن خلال وسيط، رفض الرد على أسئلة الشبكة.

عدة مصادر تحدثت إليها CNN قالت إن في قصة الحسن ثغرات. وقد تأكد للشبكة أنه رسب في اختبار جهاز كشف الكذب الذي أجراه له الـFBI.

Freelance journalist Austin Tice went missing in Syria in 2012 and has not been heard from since

الحقيقة متشابكة داخل شبكة من الأكاذيب التي تمثل الإرث المستمر لنظام قتل وغيّب مئات الآلاف من أبناء شعبه. ولجمع خيوط ما حدث لتايس، تحدّثت CNN مع عشرات المسؤولين السابقين والحاليين والمحققين والشهود في سبع دول مختلفة. كثير منهم تحدث بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة مسائل حساسة أو لحماية وضعهم الهش في البلدان التي فروا إليها.

ورغم أن CNN لا تستطيع تأكيد وفاة تايس، فإنها للمرة الأولى تستمع لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بأسره واحتجازه ومحاولة هروبه. وتشير رواياتهم بقوة إلى أن تايس قُتل قبل أكثر من عقد، لكن لا يوجد دليل قاطع. ومنذ إسقاط نظام أسد العام الماضي، حرصت الحكومة السورية الجديدة على إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وتعمل عن قرب مع المسؤولين الأمريكيين للمساعدة في حل قضية تايس. كما كثّف الـFBI تحقيقه وجمع أدلة ميدانية.

وقال شخص مطّلع على تحقيق الـFBI: «إلى جانب كونه عملية استعادة، فهو أيضًا تحقيق فيدرالي نشط، وهناك دائمًا هدف يتمثل في محاولة تحقيق شيء من العدالة في هذا الوضع».

منذ اختفاء تايس عام 2012، لم تتخلَّ عائلته عن إيمانها بأنه ما يزال حيًا. وقد خاضت والدته، ديبرا تايس، حملة عامة لا تهدأ نيابةً عنه، ضاغطةً على الحكومة الأمريكية عبر إدارات متعددة، لتفعل كل ما بوسعها لإعادته حيًا. وفي وقت سابق هذا العام، وبعد فترة قصيرة من إسقاط نظام أسد ، سافرت ديبرا إلى دمشق للبحث عنه وجلست مع رئيس سوريا الجديد أحمد الشرع. وكانت قد وصفت الحسن سابقًا بأنه «كذاب مرضي».

وجاء في بيان لعائلة تايس لـCNN: «أوستِن تايس على قيد الحياة. ونتطلع إلى رؤيته يمشي حرًا».

 

Austin Tice filed his last reports from the Damascus suburb of Darayya in 2012

الاحتجاز

كان تايس، وهو ضابط سابق في سلاح مشاة البحرية الأمريكية، قد قام بتغطية الأحداث في سوريا خلال صيف عام 2012، عندما تحوّلت الاحتجاجات السلمية ضد أسد إلى صراع مسلح. فقد رافق فصائل المعارضة على خطوط الجبهات الأمامية، ووثّق قمع النظام الوحشي للاحتجاجات السلمية. وقد أكسبه نهجه الجريء نشر تقاريره في مؤسسات إعلامية أمريكية بارزة، من بينها واشنطن بوست وماكلاتشي.

قدّم تايس آخر تقرير له من داريا، إحدى ضواحي دمشق التي ما تزال حتى اليوم تحمل آثار سنوات من القتال والقصف. وقالت عائلته ومحرروه إنهم فقدوا الاتصال به في منتصف أغسطس/آب، عندما كان من المفترض أن يسافر إلى لبنان لقضاء استراحة.

على مدى 13 عامًا، أنكر نظام بشار أسد بشكل قاطع احتجاز تايس أو معرفته بمصيره، رغم ضغوط الحكومة الأمريكية وعائلته. وبعد أسابيع من فرار أسد إلى روسيا، بدأت التصدعات تظهر في تلك الرواية. ففي وقت سابق من هذا العام، قدّم ضابط سابق في شعبة الاستخبارات الخارجية السورية، اللواء صفوان بهلول، شهادة لقناة الجزيرة قال فيها إنه استجوب تايس عام 2012 بناءً على طلب من الحسن.

وافق بهلول على التحدث إلى CNN فقط بعد حصوله على إذن من الحكومة الجديدة في دمشق. وقد قاد مسؤول أمني الطريق إلى منزله فوق تلة خضراء في اللاذقية، المحافظة الساحلية المعروفة بولائها لعائلة أسد . وعلى عكس مسؤولين سابقين آخرين فرّوا من سوريا، اختار بهلول تسوية عرضتها عليه الحكومة الجديدة تمنحه عمليًا عفوًا.

وخلال مقابلة مطوّلة الشهر الماضي، تحدث بهلول عن كيفية علمه لأول مرة بأمر تايس.

قال بهلول: «ذهبتُ إلى مكتب الحسن، فقال لي: لقد قبضنا على صحفي أمريكي. نريدك أن تستجوبه وترى ما إذا لم يكن مجرد صحفي، أو إذا كان جاسوسًا».

وقال بهلول — وهو الذي قضى وقتًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ويتحدث الإنجليزية بطلاقة — إنه استجوب تايس ثلاث مرات. وأضاف: «اطلعت فقط على الأسماء وجهات الاتصال في هاتفه، وسألته عن كل اسم. وكان متعاونًا في ذلك. أخبرني أنه ضابط سابق في المارينز. لم يكن مضطربًا. كان شجاعًا بما يكفي لمواجهة وضعه في الاحتجاز. أحيانًا حتى كنا نتحدث عن الموسيقى».

Key locations in the Austin Tice disappearance
Bassam Al-Hassan, adviser to former Syrian president Bashar al-Assad, held American journalist Austin Tice after his capture in August 2012. Al-Hassan provided a tip to a US search team about the possible location of Tice’s remains in the area of Mount Qasioun on the outskirts of Damascus

كان تايس محتجزًا في مجمع الحرس الجمهوري المعروف باسم «الطاحونة»، تحت قيادة غسان نصّور، وهو ضابط رفيع كان يرفع تقاريره إلى الحسن. وكان الخط الفاصل بين الحرس الجمهوري وميليشيا «الدفاع الوطني» غالبًا ما يكون ضبابيًا، حيث كان ضباط يخدمون في الجهتين، من بينهم نصّور.

تمكنت CNN من التواصل مع نصّور عبر الهاتف في مقر إقامته الجديد في الإمارات العربية المتحدة.

قال نصّور: «لم يكن هذا سجنًا رسميًا، بل مكان احتجاز مؤقت للجنود المخالفين».

عندما زارت CNN المجمع في سبتمبر، كان قد خضع بمعظمه للتجديد ويستخدمه جنود الحكومة الجديدة. وكانت الجداريات الباهتة لبشار أسد ، وذخائر مهملة، وقضبان على نوافذ بعض الغرف، هي الآثار الوحيدة المتبقية من الحرس القديم.

وبحسب نصّور، فقد أُمر الجندي المكلّف بإيصال الطعام إلى تايس بعدم التحدث معه. ويؤكد نصّور أن جنسية تايس وهويته كانتا معروفتين فقط لعدد قليل من المقربين من الحسن، الذي كان مكتبه يقع مقابل «الطاحونة» مباشرة.

Safwan Bahloul was a general with Syria’s external intelligence branch in 2012 when he was summoned to interrogate Tice

وقال جندي منخفض الرتبة كان يعمل في مكتب الحسن حينها، عبر الهاتف من قريته في اللاذقية: «اسأل أي جندي في الطاحونة وسيخبرك أننا كنا نعلم أن لدينا [سجينًا] مهمًا، لكن لم يكن أحد يعرف من هو». وأضاف أنه لم يدرك أن الأمر يتعلق بتايس إلا عندما ظهرت تفاصيل احتجازه في عام 2025. وقبل ذلك، لم يجرؤ على السؤال.

علامات حياة

تذكر نصّور اليوم الذي أخذوا فيه تايس إلى رخلة، وهي منطقة جبلية قرب الحدود اللبنانية، لتصوير الفيديو الذي نُشر في سبتمبر/أيلول 2012.

قال نصّور إن جنود النظام — وبإشراف من الحسن — تظاهروا أنهم جهاديون، وقادوا تايس معصوب العينين إلى أعلى التل وهم يرددون «الله أكبر». وأضاف أن الهدف كان خلق انطباع بأن تايس محتجز لدى متطرفين وليس لدى نظام أسد .

In this screenshot taken from a 2012 video, Austin Tice is blindfolded and surrounded by Assad regime soldiers dressed up as jihadists

وقال نصّور: «نُشر الفيديو على الإنترنت في اليوم التالي، وكأنه محتجز لدى طالبان في أفغانستان ولم يدخل سوريا قط». وقد ظهر تايس في الفيديو — البالغ 46 ثانية — وهو ينطق الشهادة الإسلامية ويتوسل قائلاً: «يا يسوع».

وقد خلص المسؤولون الأمريكيون والمحللون المستقلون بسرعة إلى أن الفيديو خدعة. وتتبع المحققون الأمريكيون آثاره الرقمية إلى النظام السوري. وقد اعتُبر ذلك دليلًا على أن تايس كان بقبضة الحكومة، والدليل الوحيد على أنه ما يزال على قيد الحياة.

في مجمع الطاحونة، وفي وقت ما من أواخر أكتوبر/تشرين الأول، طلب تايس من بهلول صابونًا ومنشفة، ويقول بهلول إن تايس استخدمهما للهروب. وقد خلص المحققون السوريون حينها، بحسب بهلول، إلى أن تايس استخدم الصابون لينزلق عبر نافذة مرتفعة، والمنشفة ليقفز فوق الزجاج المحطّم المثبّت على قمة الجدار الخارجي للمجمّع.

ووصف الجندي منخفض الرتبة من فريق الحسن حالة الفوضى التي أعقبت ذلك. فقال لـCNN: «كنا في حالة استنفار. كانت هناك فوضى لأن شخصًا ما هرب من السجن. وقد وزعوا صورته على الحواجز القريبة من المجمع».

تمكّن تايس من الوصول إلى حي المزة الراقي، على بعد نحو ميل واحد فقط من «الطاحونة». وعلى مدى أكثر من 24 ساعة، كان هاربًا في منطقة تنتشر فيها السفارات ومنازل كبار قادة النظام.

قال بهلول: «كل أجهزة الأمن في دمشق — آلاف العناصر — بدأوا عملية البحث، وألقي القبض عليه من قبل أحد العناصر، وأعيد تسليمه إلى ميليشيا الدفاع الوطني، التي كان يترأسها في ذلك الوقت بسام الحسن».

وعندما أُعيد القبض على تايس، استُدعي بهلول مرة أخرى ليراه.

يستذكر بهلول: «شعرت أن الرابط بيني وبينه قد انقطع تمامًا. كنت أتحدث إليه لكنه لم يكن يجيب. كان — إن صح التعبير — مكتئبًا». ثم يضيف: «لم أرَ الرجل بعد ذلك مطلقًا».

هذه المرة، نُقل تايس إلى مكتب الحسن المقابل تمامًا لـ«الطاحونة». ومن هناك، انقطع أثره — وفقًا لعدة مصادر من الاستخبارات السورية وقادة في الدفاع الوطني.

The Republican Guard compound, often referred to as Tahoune, was not meant to be an official prison. When CNN visited, the compound had mostly been refurbished by the new Syrian government

يقول نصور: «توقفت عن السؤال في الموضوع. ففي سوريا، إذا سمع أحد أنك تسأل عمّا لا يعنيك، ستقع في ورطة. لم أسأل مرة أخرى إلا بعد سقوط النظام».

ويقول بهلول لـCNN عن قضية تايس: «إنها واحدة من أكثر القضايا غموضًا التي عايشتها في حياتي».

الشخص الذي يعرف مفتاح هذا الغموض هو بسام الحسن.

بسام الحسن

شغل الحسن منصب مستشار لبشار أسد ، وأنشأ ميليشيا الدفاع الوطني سيئة الصيت، والمتورطة في بعض أسوأ الجرائم ضد الشعب السوري. وقد فُرضت عليه عقوبات من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 2011، ومن الولايات المتحدة عام 2014. وتشير العقوبات الأمريكية إلى أدواره المتعددة داخل النظام، بما في ذلك «عمله كممثل رئاسي سوري لدى مركز الدراسات والبحوث العلمية (SSRC)، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن تطوير وإنتاج الأسلحة غير التقليدية والصواريخ».

Bassam Al-Hassan, advisor to former Syrian President Assad, held Austin Tice in 2012. He told CNN Tice has been dead since 2013

وفي عام 2023، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق الحسن وبشار أسد وآخرين بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في أغسطس/آب 2013. الهجومان المشار إليهما في القضية أسفرا عن مقتل أكثر من 1000 شخص في ضواحي دمشق: دوما والغوطة الشرقية.

يقول الصحفي غاريث براون من الإيكونوميست — الذي غطّى نشاط الحسن على نطاق واسع بعد إسقاط النظام — إن الحسن «كان بمثابة اليد اليمنى لبشار أسد؛ شخص يثق به بشار بالكامل، ويعهد إليه بأقذر المهام وأكثرها فظاعة».

رفض الحسن سابقًا التحدث إلى الصحفيين، كما أن الصور المتاحة له على الإنترنت كانت خاطئة أو قديمة للغاية. وفي سبتمبر/أيلول، حصلت CNN على صورة حديثة له، ومعلومة عن مكان اختبائه — في مجمّع سكني فاخر في إحدى ضواحي بيروت.

وقضى فريق من CNN أمسية كاملة في مراقبة المباني. وقد بدت شرفة ورجل يظهر عليها متطابقين مع الصورة. وفي صباح اليوم التالي، طرقت CNN بابه وسألته عن تايس. وما إن سمع اسم تايس حتى دعاهم للدخول فورًا.

وخلال الحديث، بدا الحسن مضطربًا من تمكن CNN من العثور عليه، مرددًا مرارًا سؤالًا عن الجهة التي أفشت عنوانه. وأوضح للقناة أنه أخبر فريقًا من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مؤخرًا بأنه كان يحتجز تايس عندما أصدر له الأسد أمرًا بإعدامه. ووفقًا لعدة مصادر مطلعة على التحقيق، فقد زعم الحسن أيضًا أنه حاول الاعتراض على أمر بشار أسد ، إلا أن الرئيس حينها كان مصممًا بشكل قاطع.

وقد شكّك العديد من السوريين المقرّبين من الحسن بقدرته على تحدّي أسد.

A tip led a CNN team to Al-Hassan’s apartment in Lebanon

قال بهلول: «يمكنك أن تقول ما تشاء عن بسام، لكنه ليس من النوع الشجاع… لا أستطيع تخيل أنه يقول مثلًا: يا سيدي، لا ينبغي أن نفعل هذا. لا، هو لا يقدم مثل هذه النصائح».

وقالت مصادر أخرى لـCNN إنها تشكك في دوافعة للحديث مع الـFBI. وبعد إسقاط النظام، رصدت الحكومة الأمريكية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن تايس. وأكد الحسن لـCNN أنه لا يسعى إلى الحصول على مكافأة مالية مقابل إفادته.

كما وصفت مصادر أخرى الحسن بأنه ماكر، ميكيافيلي النزعة، ولا يمكن الوثوق به. وفي جوانب كثيرة، كان الحسن يجسّد ثقافة حقبة أسد .

يقول براون، مراسل الإيكونوميست: «عليك أن تفهم طبيعة هذا النظام. هؤلاء الناس يتنافسون فيما بينهم. النظام مليء بالخصومات. هناك من يكذب ويخدع بعضه البعض، رغم أنهم — نظريًا — يقفون في صف واحد».

خلف الكواليس

يؤكد كل من نصور وبهلول لـCNN أن رأس النظام بشار أسد كان على علم باعتقال أوستن تايس منذ اللحظة الأولى، واعتبره ورقة تفاوضية ثمينة يمكن استخدامها في مباحثات مستقبلية مع الولايات المتحدة.

وقال نصور: “الأسد كان يعرف بقضية تايس ويعلم أنه قادر على استثماره سياسيًا. سيكون من الغباء التخلص منه… أو التفريط بورقة رابحة كهذه”.

غير أن مصادر أخرى تحدثت إليها CNN ترى أن من غير المستبعد أن يكون بشار أسد قد أمر بإعدامه، خصوصًا بعد محاولة هروبه من معتقله.

وعلى مدى 13 عامًا، تقدّمت إدارات أمريكية متعاقبة بعروض مختلفة لدمشق مقابل الإفراج عن تايس، إلا أن المفاوضين السوريين بقوا متمسكين بالإنكار، حتى عندما اقتصر الطلب الأمريكي على تقديم دليل على أنه ما يزال على قيد الحياة.

اللواء عباس إبراهيم، رئيس جهاز الاستخبارات اللبناني السابق، والذي توسّط في العديد من عمليات تحرير الرهائن الغربيين في المنطقة، قال إنه عمل على ملف تايس عبر إدارات أوباما وترامب وبايدن حتى تقاعده عام 2023.

وأضاف إبراهيم: “كان الأمريكيون مهتمين بهذه القضية بشدة، ومستعدون لدفع أي ثمن لاستعادته… كان أمام النظام في سوريا فرصة كبيرة لإنقاذ نفسه عبر ورقة تايس، لكنهم لم يستخدموها… ربما لأن هذه الورقة لم تعد موجودة لديهم أساسًا”.

عدالة عصيّة

خلال زيارة CNN إلى منطقة الطاحونةومكتب بسام الحسن المقابل لها، بدا واضحًا أن كل أثر لما جرى هناك قبل 13 عامًا قد تلاشى — ليس فقط بسبب أعمال التخريب والنهب التي رافقت انتقام الأهالي في ديسمبر الماضي من سنوات القمع، بل أيضًا لأن الرعب اللاحق طمس ما سبقه في تلك المجمعات.

ومع انكشاف السجون بعد انهيار قبضة النظام أواخر العام الماضي، بدأ الأمل في العثور على تايس وآلاف المفقودين في سوريا يتلاشى تدريجيًا. كل من لم يخرج تم النظر إليه كميت. ومع ذلك، ترفض العديد من العائلات تقبّل ذلك رسميًا قبل العثور على الرفات. ما يزال ذووهم يبحثون عن حقيقة مدفونة في مقابر سرية ووثائق حكومية مختومة، على أمل أن تمنحهم يومًا ما نهاية لهذه الحكاية الموجعة.

وبالنسبة لعائلة تايس، فإن رحلة البحث لم تتوقف بعد.

وعلى عتبة الباب، قبل مغادرة فريق CNN، بدا صوت الحسن مكسورًا وهو يقول إنه يشعر بأنه مدين بالاعتذار لوالدة تايس.

وقال الحسن وقد نزع نظارته ليكشف عن عينين محمرّتين: “يحزنني أن أتذكر ما حدث. أتمنى لو أن الأمور جرت بشكل مختلف… لقد كانت ورطة أثقلت كاهلي”.

وربما لا يبقى أوستن تايس في ذاكرة السوريين والعالم سوى واحدًا من ضحايا الأكاذيب المتكررة، ووحشية نظام لا يعرف الرحمة.

Debra Tice, mother of journalist Austin Tice who disappeared while reporting in Syria in 2012, holds a news conference at the National Press Club in Washington, U.S., May 2, 2023. REUTERS/Evelyn Hockstein

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية