السوريون الفارون من لبنان معرضون للقمع والإخفاء القسري عند عودتهم على يد نظام أسد

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، الأربعاء، إن السوريين الفارين من العنف في لبنان يواجهون مخاطر القمع والاضطهاد على يد النظام السوري عند عودتهم، بما يشمل الإخفاء القسري، والتعذيب، والوفاة أثناء الاحتجاز. 

Displaced people walk past posters of President Bashar al-Assad as they enter Syria from Lebanon via the Jusiyeh Border crossing, on October 2, 2024. © 2024 Louai Beshara/AFP via Getty Images

يواجه السوريون الفارون من لبنان، وخصوصا الرجال، خطر الاعتقال التعسفي والانتهاكات على يد نظام أسد. وثقت هيومن رايتس ووتش أربعة اعتقالات بحق أشخاص عائدين خلال هذه الفترة، بينما أفادت مجموعات أخرى، منها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، عن عشرات حالات الاعتقال الإضافية. في العام 2024، توفي في ظروف مريبة رجلان سوريّان على الأقل كان قد تم ترحيلهما في العام 2023 واحتجزهما نظام أسد منذ حينها، بينما ما يزال اثنان آخران اعتُقلا في لبنان مخفيَّيْن قسرا منذ تسليمهما إلى النظام في يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز، بحسب مصادر مطلعة.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “يُجبر السوريون الفارون من العنف في لبنان على العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء سوريا غير صالحة للعودة الآمنة أو الكريمة وفي غياب أي إصلاحات ذات مغزى لمعالجة الأسباب الجذرية للنزوح. الوفيات المريبة للعائدين أثناء احتجازهم تسلّط الضوء على الخطر الصارخ المتمثل في الاحتجاز التعسفي والانتهاكات والاضطهاد بحق الفارين والحاجة الملحة إلى مراقبة فعالة للانتهاكات الحقوقية في سوريا”.

يستمر نظام أسد والجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من سوريا في منع المنظمات الإنسانية والمنظمات الحقوقية من الوصول الكامل وغير المقيد إلى جميع المناطق، بما يشمل مواقع الاحتجاز، ما يعيق جهود التوثيق ويحجب الحجم الحقيقي للانتهاكات.

أفاد “الهلال الأحمر العربي السوري” أنه بين 24 سبتمبر/أيلول و22 أكتوبر/تشرين الأول لجأ حوالي 440 ألف شخص، 71% منهم سوريون و29% لبنانيون، إلى سوريا هربا من لبنان عبر المعابر الحدودية الرسمية. ويُعتقد أن آخرين عبروا بشكل غير رسمي. تقود “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” والهلال الأحمر السوري جهود الطوارئ الإنسانية على الحدود وفي المجتمعات المضيفة، وقد أبقت سوريا حتى الآن حدودها مفتوحة وخففت إجراءات الهجرة. من بين هؤلاء، وصل حوالي 50,779 نازح إلى شمال شرق سوريا بحلول 25 أكتوبر/تشرين الأول و6,600 إلى شمال غرب البلاد بحلول 24 أكتوبر/تشرين الأول. عدد كبير من العائدين هم من النساء والأطفال.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ثلاثة سوريين في لبنان وثمانية سوريين عادوا إلى سوريا، وكذلك أقارب خمسة رجال اعتقلتهم سلطات نظام أسد بعد عودتهم من لبنان في أكتوبر/تشرين الأول. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات بشأن مصير المرحّلين مع باحثَيْن حقوقيَّيْن سوريَّيْن، بالإضافة إلى مقابلات مع أشخاص آخرين عدة، منهم أقارب المرحّلين.

من الاعتقالات الخمسة الأخيرة التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول، وقع اعتقالان عند معبر الدبوسية الحدودي بين شمال لبنان وحمص، وفي إحدى الحوادث، اعتُقل شخصان عند حاجز بين حلب وإدلب. قال الأقارب إن جهاز “المخابرات العسكرية” السوري هو من نفذ جميع الاعتقالات، من دون تقديم أي معلومات إلى العائلات حول أسباب الاعتقالات أو مكان احتجاز المعتقلين.

وصفت إحدى النساء فرارها إلى سوريا مع زوجها، وهو جندي سوري سابق، وأربعة أطفال في أكتوبر/تشرين الأول. قالت إن زوجها البالغ من العمر 33 عاما كان يعيش في لبنان لمدة 13 عاما. عندما اشتد القصف الإسرائيلي في أواخر سبتمبر/أيلول، تلقوا تحذيرا بالإخلاء، وفرّوا بلا شيء، وعاشوا في الشارع لمدة 10 أيام قبل تأمين الأموال للسفر إلى سوريا. ورغم عدم تسجيل زوجها للخدمة العسكرية الاحتياطية، كانوا يعتقدون أن العفو الذي أصدره انظام أسد مؤخرا، والذي شمل التهرّب من الخدمة العسكرية، سيحميه.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، دخلت العائلة سوريا عبر معبر الدبوسية الحدودي في حمص، حيث اعتقلت المخابرات العسكرية السورية زوجها فورا. قالت: “قالوا لي: ‘امضِ في طريقك. سيبقى هو معنا'”. انتظرت الزوجة خمس ساعات، متوسلة للحصول على معلومات من دون جدوى، وتعيش حاليا في مكان مكتظ مع عائلتها في سوريا، من دون أي فكرة عن مكان زوجها بينما تعاني لإعالة أطفالها. قالت: “يا ليتنا بقينا تحت الصواريخ بدل تعرضنا لهذا”، مضيفة أن أملها الوحيد هو إطلاق سراح زوجها.

في لبنان، تشيرالتقارير إلى أن ملاجئ عديدة تمنح الأولوية للنازحين اللبنانيين والفلسطينيين مع منع دخول السوريين إليها، وأن بعض أصحاب المساكن طردوا مستأجريهم السوريين لإفساح المجال للنازحين اللبنانيين. حتى قبل الهجوم الإسرائيلي، عاش السوريون في لبنان في بيئة قسرية، مصممة لإجبارهم على التفكير في العودة إلى سوريا. واجهوا ظروفا قاسية، وتصاعد العداء للأجانب، والترحيل.

يزعم بعض القادة الأوروبيين بشكل متزايد أن سوريا آمنة للعودة، ما يحفّز سياسات قد تلغي الحماية الممنوحة للاجئين رغم استمرار المخاوف الأمنية والحقوقية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه في ظل شبكات المعلومات غير الموثوقة والمراقبة غير الكافية من قبل الوكالات الإنسانية، ينبغي للبلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين إدراك أن سوريا ما تزال غير آمنة للعودة وأن توقف فورا أي عمليات عودة قسرية أو بدون احترام الإجراءات الواجبة، أو أي خطة لتسهيل مثل هذه العودة.

ينبغي لمفوضية اللاجئين البقاء على موقفها المنشور في مارس/آذار 2021 والمتمثل في أن سوريا غير آمنة للعودة وأنها لن تشجع العودة أو تسهّلها حتى يتم ضمان الظروف الآمنة والكريمة. وبالإضافة إلى ذلك، انطلاقا من إطارها التشغيلي الإقليمي لعام 2019 لعودة اللاجئين إلى سوريا، ينبغي لها الدفع بشكل عاجل من أجل إنشاء آلية مستقلة وفعالة للحماية والرصد في سوريا تتمكن من خلالها المنظمات الإنسانية من رصد الانتهاكات الحقوقية بحق العائدين والإبلاغ عنها.

في حين ينبغي للحكومات المانحة الدولية تقديم الدعم المالي السخي وباقي أشكال الدعم للنازحين إلى سوريا، عليها ضمان أن البرامج الإنسانية في كل من سوريا والدول المضيفة لا تقدّم عن غير قصد حوافز للعودة قبل الأوان. كما ينبغي للدول التي فرضت عقوبات على سوريا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا ودول “الاتحاد الأوروبي”، تنفيذ إعفاءات إنسانية شاملة لجميع عمليات المساعدة في سوريا لضمان الحصول على الخدمات الأساسية بدون قيود.


قال كوغل: “سوريا ليست أكثر أمنا للعودة مقارنة بما كانت عليه من قبل، لكن المخاطر المتصاعدة في لبنان تجعل العديد من السوريين بلا مكان آخر يذهبون إليه. عودتهم ليست علامة على تحسن الظروف في سوريا، بل هي حقيقة صارخة مفادها أنهم محرومون من البدائل الأكثر أمنا ويجبرون على العودة إلى بلد لا يزالون يواجهون فيه مخاطر الاعتقال والانتهاكات والموت”.

تكثفت الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا، وتصاعد القتال على مختلف الخطوط الأمامية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين.

وبعيدا عن الأعمال العدائية النشطة، يشكل اضطهاد نظام أسد لمن يُشتبه بتأييدهم لآراء المعارضة تهديدا للاجئين العائدين، الذين يُنظر إليهم عادة بريبة بغضّ النظر عن آرائهم السياسية. وثّقت هيومن رايتس ووتش اعتقالات تعسفية وتعذيب وقتل للاجئين العائدين منذ 2017. تبنّت جماعات مسلحة غير حكومية أخرى ممارسات احتجاز تعسفية مماثلة في مناطق سيطرتها.

حسبما وثقت “لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة” في تقريرها الأخير عن سوريا، “سادت حالة من انعدام القانون في جميع أنحاء البلد المُجزّأ، حيث استخدمت القوات… العنف…. لابتزاز المدنيين”. ومع الظروف الاقتصادية والإنسانية المدمرة التي يواجهها العائدون، فإنهم يعانون لتوفير سبل عيشهم. وثّقت هيومن رايتس ووتش الظروف الاقتصادية والإنسانية، بما فيها تدمير الممتلكات المنتشر داخل سوريا، ما قد يهدد حقوق العائدين في الحياة والسلامة الجسدية والكرامة.

بالإضافة إلى حماية السوريين من العودة لمواجهة العنف والتعذيب والاضطهاد، تدعو هيومن رايتس ووتش جميع البلدان التي تستضيف السوريين إلى وقف جميع عمليات الإعادة القسرية إلى سوريا بسبب الظروف اللاإنسانية والمهينة التي سيواجهها العائدون على الأرجح، والتي قد تهدد حقوقهم في الحياة والحرية والسلامة الجسدية.

لا تتوفر معلومات دقيقة ومحدّثة عن الظروف داخل سوريا لمن يفكرون في العودة. يشير استطلاع للرأي أجرته مجموعة خاصة على فيسبوك للسوريين في لبنان مخصصة لتبادل المعلومات والنصائح العملية إلى الارتباك والقلق بين السوريين، وخاصة حول متطلبات الخدمة العسكرية.

قالت زوجة رجل سوري عمره 34 عاما إنه عاد إلى سوريا من لبنان في أكتوبر/تشرين الأول بعد عدم حصوله على تأشيرة دخول إلى ليبيا، رغم خوفه من الاعتقال، وخاصة وأن سلظات النظام السوري اعتقلت في 2013 شقيقه (16 عاما)، والذي انقطعت أخباره منذ ذلك. قالت إن عناصر المخابرات العسكرية السورية اعتقلوه في 7 أكتوبر/تشرين الأول عند معبر الدبوسية الحدودي، وأعطوا هاتفه لصديق يسافر معه، وأمروه بإبلاغ عائلته. لم يتلقوا أي تحديثات منذ ذلك الحين، لكنهم أبلغوا مفوضية اللاجئين بالقضية. قالت الزوجة: “كل ما نسمعه هو شائعات”، حيث يقول البعض إنه محتجز للخدمة العسكرية، رغم أنه أكملها في 2013.

في 8 أكتوبر/تشرين الأول، دفع رجلان سوريان (27 عاما)، خوفا من الاعتقال بسبب عدم إكمال الخدمة العسكرية، أموالا لمهربين لمساعدتهما على العودة إلى سوريا، حسبما قال أقاربهما لـ هيومن رايتس ووتش. علم أقاربهما لاحقا من المهربين أن عناصر المخابرات العسكرية السورية اعتقلتهما عندما اقتربا من الحد الفاصل بين حلب وإدلب، مع اثنين آخرين يسافران معهما. أخبر المهربون الأسرتين، اللتين لا تعرفان سبب الاعتقال، بأنهم يتفاوضون على إطلاق سراحهما، وأفاد أحد الأقارب بأنه طُلب منهم دفع ألف دولار أمريكي عن كل شخص.

وثّق باحث سوري من السويداء أربع حالات اعتقال على يد المخابرات العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول. قال إن رجلا اعتُقل عند معبر جديدة يابوس الحدودي، وتعتقد عائلته أن اعتقاله مرتبط بمشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة في السويداء في 2023، بينما اعتُقل ثلاثة آخرون عند نقطة تفتيش للمخابرات العسكرية في ريف دمشق، لسبب يبدو أنه يتعلق بالخدمة العسكرية.

قالت نور الخطيب، الباحثة في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، إن الشبكة وثّقت 26 حالة اعتقال منذ أواخر سبتمبر/أيلول، وأفادت بأن النظام السوري أقام نقاط تفتيش جديدة على طول طرق السفر الشائعة من لبنان.

في مايو/أيار، وقبل تصعيد الأعمال العدائية في لبنان، اعتقلت مخابرات الجيش اللبناني عبد الله الزهوري، وهو نقيب سابق في الجيش السوري انشق وفر إلى لبنان في 2013، حسبما قال محاميه محمد صبلوح لـ هيومن رايتس ووتش. بعد أسبوعين، قال شقيقه إنه تلقى مكالمة هاتفية من ضابط في الجيش يبلغه بتسليم الزهوري إلى سلطات النظام السوري.

قدّمت عائلته، بمساعدة “مركز سيدار للدراسات القانونية”، شكوى بداعي الاختفاء القسري، وعلمت من مصادر غير رسمية أنه محتجز في الفرع 235 التابع للمخابرات العسكرية السورية، المعروف أيضا بـ”فرع فلسطين”، في دمشق. ما يزال وضعه غير معروف، مثل رأفت الفالح، وهو منشق آخر عن الجيش رُحّل قسرا في يناير/كانون الثاني.

في السنوات الأولى التي أعقبت القمع العنيف لانتفاضة 2011، وثّقت هيومن رايتس ووتش وغيرها بشكل موسّع الاعتقال التعسفي والتعذيب لعشرات آلاف الأشخاص على يد قوات النظام السوري بما يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. في 2013، هرّب منشق عسكري يُدعى قيصر صورا خارج سوريا تُقدّم أدلة دامغة على انتشار التعذيب والتجويع والانتهاكات في مرافق الاحتجاز التابعة للحكومة السورية.

تستمر الانتهاكات رغم صدور أمر من “محكمة العدل الدولية” بمنع التعذيب الذي ترعاه الدولة. أكد تقرير للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول استمرار التعذيب في مراكز الاحتجاز الحكومية، بما في ذلك تعذيب السوريين المُرحلين والمتهربين من الخدمة العسكرية. قالت هيومن رايتس ووتش إن المعتقلين ما زالوا مهددين بالاختفاء القسري والموت بسبب التعذيب وظروف الاحتجاز المروعة.

أحمد نمر الحلي، الذي رُحِّل من لبنان في مايو/أيار، اعتُقِل واحتُجز بمعزل عن العالم الخارجي حوالي 15 يوما في فرع فلسطين التابع للمخابرات العسكرية قبل نقله إلى مستشفى في دمشق، حيث سُمح لوالديه أخيرا بزيارته. توفي الحلي في 6 يوليو/تموز، بعد حوالي شهر. أفادت كل من الشبكة السورية لحقوق الإنسان و”المركز السوري العدالة والمساءلة” أنه تعرض للتعذيب في الحجز.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية