برر الكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، جنون الاحتلال الاسرائيلي في غزة، بأنه جزء من الجنون الحالي في المنطقة.
وقال إن الجنون الإسرائيلي جاء لأن حماس لكمت إسرائيل في الوجه وقلعت عينها وأهانتها. ولهذا تعتقد إسرائيل أن الطريقة لإعادة ميزان الردع، هي من خلال تفوقها في الجنون على حماس.
وجاء في مقاله، أن الحربين الأخيرتين لإسرائيل جاءتا نتاجا للاعبين دعمتهما إيران، حرب 2006 ضد ميليشيا حزب الله في لبنان، والحرب الحالية مع حماس، وكلاهما حدثتا بعدما “انسحبت إسرائيل من أراضيهما” على حد زعمه. وبدأ التنظيمان المعركة من خلال هجمات على الحدود، حيث قتل حزب الله ثلاثة جنود في 2006 وأسر اثنين، فيما قتلت حماس 1300 إسرائيلي وأسرت 150 آخرين، بحسب ادعاء فريدمان.
ويقول إن التشابه ليس صدفة، لأن القصد من الهجومين كان تحدي الموجة العربية للاعتراف بوجود إسرائيل في المنطقة.
وقال إن نتيجة الهجمات على حدود هادئة نسبيا هي دفع إسرائيل لحافة الجنون. وردت إسرائيل على حزب الله بالقول: “تعتقد أنك تستطيع فعل أمور مجنونة مثل اختطاف الناس واعتباره خلافا حدوديا، ربما كنا نشبه دولة غربية، لكن الدولة اليهودية الحديثة نجت لأنها كانت “فيلاً في الغابة”. وفق قوله.
وبهذه الطريقة، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت الحرب، “وعندما يحين التحرك، فنحن مستعدون لتبني القواعد المحلية، ويجب ألا يكون لديك أي وهم، ولا أحد يستطيع أن يتصرف بجنون أكثر منا في هذه المنطقة”.
ولهذا دكّت الطائرات الإسرائيلية وبدون رحمة، بيوت ومكاتب ميليشيا حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، والجسور المؤدية لمطار بيروت على مدى 34 يوما، ودفعت قيادة حزب الله والمدنيون الثمن شخصيا.
وكان رد إسرائيل شرسا، حيث قال زعيم ميليشيا حزب الله في مقابلة شهيرة في 27 آب/ أغسطس 2006: “لم نكن نتخيل ولو 1% أن يؤدي القبض على الجنديين الإسرائيليين إلى حرب بهذا الحجم. ولو سألتني في 11 تموز/ يوليو، أن العملية ستؤدي إلى أمور كهذه وإن كنت سأفعلها، فسأقول: قطعا لا”.
ويقول فريدمان إن الحدود اللبنانية لا تزال هادئة منذ 2006 وبضحايا قليلة على الجانبين، صحيح أن صورة إسرائيل تضررت عالميا بسبب قصف بيروت، لكنها لم تُعزل دوليا ولا عربيا، سواء على المدى الطويل أو القصير كما كان يأمل حزب الله.
وربما نسيت حماس الدرس هذا عندما قررت تخريب الوضع الراهن بهجومها الشامل الأسبوع الماضي، على الرغم من أن إسرائيل والحركة طوّرتا نوعا من التعايش حول غزة والذي سمح بحركة العمال من القطاع نحو إسرائيل، ووصول المال القطري، وسُمح بالتبادل التجاري بين غزة وإسرائيل.
ويعلق فريدمان أن قرار حماس بالهجوم، جاء بسبب اقتحام وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير الأقصى بشكل متكرر، ولأنه يريد جعل حياة الأسرى الفلسطينيين قاسية.
وهذه وإن كانت استفزازية، إلا أنها ليست مبررا لوضع كل الأوراق على الطاولة وخسارتها، وفق قول الكاتب.
وكعادة فريدمان، يرى أن السبب الرئيسي لهجوم حماس، وهو ما لا تريد الاعتراف به، هو قبول إسرائيل بالمنطقة، والحديث عن قرب التطبيع مع السعودية، وشعور إيران، حليفة حماس، بأنها صارت في الزاوية، والفلسطينيون باتوا خارج اللعبة.
ولهذا قررت حماس القيام بعمل جنوني على حد تعبير فريدمان. مضيفا أن إسرائيل ستقوم بتطبيق “قواعد حماة”، وهو مصطلح يزعم أنه نحته قبل سنين لوصف الإستراتيجية التي استخدمها حافظ الأسد، عندما حاول الإخوان المسلمون الإطاحة بنظامه. فقد دكّ الأسد أحياء الإخوان في مدينة حماة، ولم يسمح لأحد بالخروج، ثم جلب الجرافات لتسويتها بالتراب وجعلها مثل مواقف السيارات وقتل أكثر من 20 ألف شخصا من شعبه في العملية.
ويقول الكاتب إنه مشى فوق أنقاض حماة بعد أسابيع، وأخبره زعيم عربي كيف هزّ الأسد كتفيه عندما سُئل عن القتلى، قائلا باختصار: “ناس بتعيش وناس بتموت”.
ويرى الكاتب أن ما يجري هو جنون متصاعد بين إسرائيل وحماس، ولكنه أصبح خطيرا مع مرور كل عام بنفس الطريقة التي تكبر فيها الأسلحة وتصبح أرخص وأكثر فتكا.
ولم ينس فريدمان تذكير قارئه بولائه لإسرائيل، قائلا: “مثل بايدن، فأنا مئة بالمئة مع إسرائيل وضد حماس، لأن إسرائيل حليفة وتشترك مع أمريكا بالكثير من القيم، أما حماس وإيران فتعارضان مواقف أمريكا، وهذا أمر واضح بالنسبة لي”.
لكن ما يجعل هذه الحرب مختلفة عن حروب إسرائيل السابقة، هي السياسة الداخلية الإسرائيلية، وهنا تحدث عن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة وخطرها على الديمقراطية، فقد اختطف نتنياهو الديمقراطية بشكل واضح للعيان. وأدت محاولاته للسيطرة على القضاء وتهميش المحكمة العليا، لصدع في المجتمع الإسرائيلي، وكاد أن يودي بإسرائيل نحو الهاوية، وهي عوامل جرّأت على ما يبدو حزب الله وحماس وإيران.
وفي نهاية مقاله، يقول فريدمان إن إسرائيل تعرضت لضربة قاصمة، وأُجبرت على حرب مستحيلة أخلاقيا لكي تثبت أنها أكثر جنونا من حماس، وكي تردع ميليشيا حزب الله وإيران. ويعّبر عن قلقه من خطة الحرب الإسرائيلية، لكنه يتساءل: “لكن ما العمل؟”.