” ليلى نصير” الأسطورة والظاهرة .. لـ: حسان عزت

كانت كنجمات باريس وامتدادا لأجوائها في التشكيل والتمرد والأزياء والسينما

حسان عزت
شاعر سوري

غادرتنا الفنانة الكبيرة السورية والعربية ليلى نصير إلى رحاب ربها بعد مرض كبير عانت فيه ما عانت من وحدة، وإهمال ونسيان..
إلا من زيارات قليلة حظيت بها من الصديق الوفي الشاعر والفنان منذر مصري..
وسأكتب عن ليلى كظاهرة مشهورة وبارزة على تمرد المرأة السورية وتحقيقها لذاتها فنا ووجودا، وحرية منذ الستينات وما قبلها الخمسينات وحتى منذ العشرينات من القرن الماضي..


ليلى نصير باريس دمشق :


يسجل لليلى نصير وحدها تمردها وأناقتها، وجدّتها، وبحثها المتفرد في الفن السوري بين الستينات والسبعينات لتشكل ظاهرة وحدها في الفن والتمرد والحرية والطليعة المواكبة لصعود شباب التمرد السوري الفني والشعري والكياني في السبعينات والثمانينات.. ثم انحسارها هي في مدينة اللاذقية بعد أن كانت فنانة دمشقية، وعروساً فنيا تضاهي فنانات باريس ونجمات اتليهاتها وسينماها ..
وقد ارتبطت بصداقة جميلة ومميزة مع الشاعر المرحوم زهير غانم.. المتمرد بفيلده الكاكي الغيفاري وهي المتميزة بأناقاته وقبعاتها البيريه اللافتة امتدادا لنجمات السينما الفرنسية
حتى شكلت مع زهير غانم في صحبتهما وتميزهما وحركتهما ، بل جلستهما اليومية والمعتادة في مقهى الهافانا بدمشق ظاهرة في الصحبة والتمرد معا، وكأنهما يشكلان امتدادا لحركة تمرد الطلاب الفرنسية الباريسية ولكن في دمشق الأسرع وقتها لالتقاط صدى الثقافة، وأحدث صيحات التجدد والحرية والموضة في العواصم الغربية.. حيث لم يكن الحكم وسلطة العسكر قد أحكمت يدها تماما بعد وكانت هوامش الثقافة والحرية اوسع عما بعدها وأكثر حركا وتميزا ..

وكانت دمشق تعج بالحركة والثقافة والفن والتطلع والطموح الى مساحات اوسع وأبعد مدى، من أطر المحافظة ورسم الحكومة وسيطرة عقلية الهيمنة السياسية والعسكرة، وكانت تمور فيها حركات الناصرية والماركسية والوجودية وبعض تطلعات الفوضوية إضافة إلى المنتديات ودور السينما، والمسرح ودور الجامعات والاحزاب السياسية والنوادي والصالونات.. في كل ذلك الحراك والتسابق أليه.. وأعتقد أن ليلى كانت أكبر قليلا من زهير غانم ، وهي مشبعة بروح الوجودية وتطلعات المدارس الفنية التشكيلية الغربية الجديدة، فهي تنتمي لجيل الستينات في الحركة الفنية السورية ومتمردة عليها بروح شبابية لا تركن …وفي تلك الفترة كنت أنا في أولات تعرفي على الحركة الشعرية والفنية السوري، في أواسط السبعينات حيث فزت في الشعر في مهرجاني جامعة دمشق وجامعات القطر 1976
وصار اختلاطي واحتكاكي بأوساط الثقافة والادب حاصلا.. بل صار لي أصدقاء كثيرون ورحت معهم احضر الانشطة واتابع المجلات والصحف العربية وملاحقه الاسبوعية الفنية والادبية.. السفير النهار البلاغ.. شؤون فلسطينية مواقف الطليعة المصرية والطليعة السورية، ونحن بدورنا رحنا نشكل ظاهرة تمرد وبحثا عن الحرية والتغيير
في الجامعة، وفي كلية الفنون الجميلة والعمارة، والمنتديات
ومن أسماء اصحابنا المتميزين وقتها تعرفت على يوسف عبدلكي وائل سواح، سمر موسى باشا، زياد دلول، ليلى مريود، سعيد الطه، جميل حتمل، نذير اسماعيل، عادل حديدي _ جليدان الجاسم_ محمد خير علاء الدين، عبد القادر حمصي، نوري الجراح، فواز الساجر وفرقة المسرح الجامعي التي قدمت ” رسول من قرية تميرة يسأل عن السلم والحرب” وأثارت حصورا وضجة وقتها وصار فنانونها الشباب نجوما قيما بعد .. ووقتها اقيمت معارض فنية متميزة في صالة الشعب وسواها..
معرض للفنان الكبير مالفا عمر حمدي.. ومعرض للفنان لؤي كيالي.. ومعرض أول ليوسف عبدلكي. ومعرض كاريكاتير كبير للفنانين: ناجي العلي وعلي فرزات..ومعرض للفنان سعيد الطه.. وقتها كان ينشط نادي السينما وتقام امسياته في صالة الكندي والامير وفي مقره منطقة الطلياني.. وكان يقيم اسابيع للسينما خاصة بكبار المخرجين الطليعيين بازوليني.. فليني.. انطنيوني..كيروساوا.. ويستضيف اولئك المخرجين….
كما استضيف إلى دمشق الكاتب الايطالي البرتو مورافيا والكاتب الانجليزي كولن ولسون.. ووقتها كان يقام مهرجان دمشق المسرحي ويمتد شهرا وينعقد مهرجان دمشق للسينما ، لنتعرف على محمد ملص وسمير ذكرى وهيثم حقي وعمر أميرلاي ووليد قوتلي وسعد الله ونوس..وهالة العبد الله وفادية لاذقاني.. وعزام دهبر.. وعلي الجندي وسعيد حورانية وصادق العظم، وطيب تيزيني، ونايف بلوز..وحامد خليل..وعلي الجندي وممدوح عدوان وعلي كنعان ومحمد عمران، وفايز خضور، وفي الطالعين سليم بركات وحسان عطوان وخالد بشار وكنعان فهد ومحمد مصطفى درويش، وسلوى الفيل وحميدة نعنع، ثم نزيه ابو عقش ومرام مصري والمثنى الشيخ عطية .

وفي تلك الفترة كانت تقام مهرجانات الشعر في الجامعة والمنتديات وامسيات مظفر النواب الضاربة في الجامعة
في ذلك الجو المغتلى والمتماوج قي دمشق حيث كانت تنشط وتعيش ليلى نصير حتي صارت نجمة الحركة الفنية..
ولا انسى لقائي معها في اللاذقية عقب الاحتفال بذكرى أربعينية المفكر الفيلسوف الياس مرقص المشهودة وكانت مناسبة فكرية عربية بامتياز حضرها كتاب ومفكرون عرب
وأقمت معها حوارا حول الفن والحرية.. نشرته في تشرين التي كنت محررا رئيسا فيها.
وتبقى ليلي نصير وتجربتها المميزة بعداً فاردا في الحركة التشكيلية السورية وفراغ ماتركته لن يملأه أحد لا نكهة ولا تمردا ولا زمنا..

الرحمة والكرمى لروحها.



يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية