بريطانيا تتحضر لاعتماد تكنولوجيا “تعريف الوجوه” لتحديد ومراقبة المهاجرين

تتحضر الحكومة البريطانية لاعتماد آلية جديدة مثيرة للجدل أيضا، متعلقة بالظاهر بمراقبة “الأجانب المدانين” جنائيا، وفي الباطن بمكافحة تدفقات المهاجرين على أراضيها. التقنية قائمة على خوارزميات حاسوبية، تعتمد وسائل التعرف على الوجوه من خلال ساعات متطورة سيجبر الأشخاص المعنيون على ارتدائها بشكل دائم، وعلى النظر فيها خمس مرات يوميا لتسجيل بيانات وتحديثها، خمس مرات يوميا. مراقبون وناشطون دانوا تلك الوسيلة واعتبروها خرقا للحقوق الأساسية للمعنيين، فضلا عن تخوفهم من أن تستهدف طالبي لجوء بحجة دخولهم البلاد بشكل غير قانوني.

لا شك في أننا اليوم نحيا ثورة تكنولوجية بكل ما للكلمة من معنى، طغت على معظم جوانب يومياتنا وباتت جزءا لا يتجزأ من السلوك العام الذي نتخذه لأنفسنا، سواء في منازلنا أو في الأماكن العامة. هذه الثورة التي غيرت بشكل أو بآخر مفاهيمنا لكل ما يشكل بيئة محيطة، سواء أكان العمل أو الموسيقى أو المطبخ…، غيرت انطباعات البشر حتى تجاه أنفسهم وطرق تواصلهم مع ذواتهم والآخرين.

في 1949، نشرت رواية جورج أورويل الشهيرة 1984، التي تنبأ فيها مصير البشرية بعد عقود طويلة من كتابة الرواية. اليوم، يمكن أن نرى بشكل مثير للعجب والخوف في آن مدى التقارب بين تنبؤات الكاتب الإنكليزي والواقع المعاش. في الرواية، تحدث أوربويل عن شاشات تلفاز منتشرة في كل مكان تراقب الناس، وتتكهن بتصرفاتهم من خلال الاطلاع على كافة تفاصيل يومياتهم. اليوم، تقوم الأدوات الذكية المرافقة لنا بشكل دائم بذلك العمل، حتى أنها وصلتنا بعالم وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي، التي من خلال برمجياتها المعقدة تجمع تفاصيل معقدة عن شخصياتنا وأهوائنا ورغباتنا، وتتيح لها تيسير وصول البائعين الإلكترونيين إلى حساباتنا بسهولة، مثلا.

لكن لماذا بدأنا الحديث عن هذا الموضوع الشائك والطاغي في آن؟ وما علاقته بالهجرة اليوم؟

ساعات بيومترية لمراقبة المهاجرين

الحكومة البريطانية، التي ما فتئت عن اجتراح المقترحات و”الحلول” الخاصة بمكافحة الهجرة غير النظامية، ستجبر مهاجرين تمت إدانتهم قضائيا “بجرائم جنائية”، على ارتداء ساعات ذكية مزودة بتقنيات التعرف على الوجه، لينظروا فيها خمس مرات يوميا.

صحيفة الغارديان البريطانية تحدثت عن وثائق جاء فيها نقلا عن الداخلية أن تلك الخطوة ستشمل “المراقبة اليومية للأفراد الخاضعين لمراقبة الهجرة”، مع شرط ارتداء إما أساور إلكترونية على الكاحل أو ساعة ذكية ترافقهم في جميع الأوقات.

وسيكون على المهاجرين المعنيين بارتداء الساعة أن يكملوا سلسلة من الفحوصات اليومية لمراقبة تحركاتهم على مدار اليوم، من خلال التقاط صورة لأنفسهم بواسطة الساعة، وإعادة إدخال بياناتهم الشخصية، مثل أسمائهم وتاريخ ميلادهم وجنسيتهم…. كما ستتم متابعة تحركاتهم ومواقعهم “على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، مما يسمح بتسجيل بيانات مراقبة المسار”، وفقا للوثائق.

الصور التي ستلتقطها الساعات سيتم فحصها من قبل أجهزة في وزارة الداخلية، ستقارن بينها وبين البيانات البيومترية المسجلة لدى الوزارة عن المهاجر المعني. وستتشارك كل من وزارة الداخلية ووزارة العدل بنتائج تلك البيانات، إضافة إلى مسؤولين محددين معنيين بالمتابعات الميدانية للمهاجرين.

ما علاقة طالبي اللجوء بتلك الساعات؟

بالنسبة للداخلية البريطانية، فإن مشروع الساعات الذكية سيكون محصورا فقط “بمجرمين أجانب” أدينوا بارتكاب جنايات، ولن يكون متعلقا بمجموعات أخرى كطالبي اللجوء.

ومن المتوقع أن يخضع من سيجبرون على ارتداء تلك الساعة لإجراءات محددة كحظر التجول في بعض الأحيان وتحديد النطاق الجغرافي الذي سيسمح لهم بالتحرك ضمنه، تماما كالإجراءات التي يخضع لها من يرتدون الأساور الإلكترونية.

في حزيران/يونيو الماضي، جاء في تقرير صادر عن مكتب التدقيق الوطني أن الحكومة “تعتبر المراقبة الإلكترونية بديلا فعالا عن نظام الاحتجاز، ويساهم في حماية الجمهور ومنع الأشخاص المعنيين من إعادة ارتكاب الجرائم”.

يقول نشطاء إن مراقبة الأشخاص على مدار الساعة تنتهك حقوق الإنسان، وقد يكون لها تأثير ضار على صحة المهاجرين ورفاههم.

تقنية تميل إلى التمييز ضد ذوي البشرة الملونة

وفي تصريحات لها لوسائل إعلامية محلية، قالت لوسي أوديبرت المحامية والمسؤولة القانونية في منظمة الخصوصية الدولية “من المعروف أن التعرف على الوجه هو تقنية غير كاملة وخطيرة، تميل إلى التمييز ضد الأشخاص ذوي البشرة الملونة والمجتمعات المهمشة. غالبا ما تكون هذه ‘الابتكارات‘ في مجال الأمن والمراقبة مدفوعة من قبل الشركات الخاصة، التي تستفيد من سباق الحكومات نحو المراقبة الكاملة والسيطرة على السكان”.

وأضافت “من خلال تقنياتهم وخوارزمياتهم الغامضة، يسهلون التمييز الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان دون أي مساءلة. لم ينشر أي بلد آخر في أوروبا هذه التكنولوجيا اللاإنسانية ضد المهاجرين”.

وفي أيار/مايو الماضي، منحت الحكومة شركة التكنولوجيا البريطانية “بادي ليميتد” (Buddi Limited) عقدا بقيمة ستة ملايين جنيها إسترلينيا لتوفير “أجهزة لمراقبة أشخاص محددين”، موصولة بخدمة تتبع المواقع عبر الأقمار الصناعية في وزارة الداخلية. ومن المقرر أن تبدأ الحكومة تطبيق المشروع في الخريف المقبل في جميع أنحاء البلاد.

متحدث باسم وزارة الداخلية، وتعليقا على هذا المشروع، قال إن “جهازا محمولا يحتوي على البيانات البيومترية” للأشخاص المستهدفين، سيتم اعتماده قريبا ضمن الخطة الحالية المتعلقة بوضع أجهزة تتبع على هؤلاء كالأساور الإلكترونية.

وأضاف “يتوقع الجمهور منا أن نراقب المجرمين الأجانب المدانين. أما طرح أن هذه الخطوة ستطبق على طالبي اللجوء الذين وصلوا بوسائل غير قانونية فهو ببساطة خاطئ. منذ آب/أغسطس 2021، نجحت وزارة الداخلية في تحديد أكثر من 2500 مجرم أجنبي، وطمأنت الضحايا أن مرتكبيهم لا يمكنهم الإفلات من القانون وسيتم طردهم من المملكة المتحدة في أقرب فرصة”.

وأورد أنه “منذ كانون الثاني/يناير 2019، أزالت الحكومة أكثر من 10 آلاف مجرم أجنبي. يجب ألا يساور المجرمين الأجانب أي شك بشأن تصميمنا على ترحيلهم”.

تقنية غير دقيقة

وفي خضم كل هذا الجدل، لم تبرز الحكومة أي وثيقة أو دراسة متعلقة بأثر تلك الأجهزة على الصحة النفسية للأشخاص المستهدفين، ولم تؤكد بشكل قاطع استثناء طالبي اللجوء الذين قد يتم تصنيفهم على أنهم “مجرمون” من ذلك المخطط. كما أنها لم تحدد المدة الزمنية التي سيبقى خلالها المهاجرون خاضعين لتلك الوسائل.

علماء نفس تحدثوا عن أثر المراقبة الإلكترونية على حياة الخاضعين لها، فهي عمليا تقنية تطفل دائم على حياتهم الشخصية والحميمة. فضلا عن أنها تسبب ظهور أعراض القلق والاكتئاب لديهم، وتحفز الأفكار المتعلقة بالانتحار.

في 2018، أصدر مركز حقوق الإنسان بجامعة إسيكس البريطانية تقريرا حول استخدام تقنية التعرف على الوجوه في عمل الشرطة. التقرير، الذي تحدث عن استخدام تلك التقنية لدى شرطة العاصمة لندن، كشف أن نسب الخطأ في البرمجيات المتعلقة بتلك التقنية وصلت إلى نسبة 81% من مجمل الحالات التي خضعت لها.

في النهاية، لا بد من الاعتراف بأن تقنية التعرف على الوجه المستخدمة في عدد من الآلات والوسائل التكنولوجية التي نستعملها يوميا، لن توضع على الرف ولن توقف السلطات حول العالم البحث في كيفية تحويلها إلى أداة بيدها لقمع الجريمة من جهة، وربما لقمع المجموعات السكانية من جهة أخرى. لكن هنا لا بد من السؤال حول مسؤولية الشركات الخاصة التي تعمل على تطوير مثل تلك التقنيات، وكم هي مستعدة لبذل جهود إضافية لجعلها أكثر إنسانية وأقل تمييزا وأكثر عدالة؟ وبالنسبة للحكومات، ومنها الحكومة البريطانية، هل يكمن الحل في تبني آليات شمولية تضع الجميع نحن مرقاب السلطات؟ أم أنه فعلا جاء الوقت لإعادة النظر بهذه الوسائل والبدء باعتماد آليات أكثر إنسانية وعدلا، وبعيدة عن التنميط والعزل؟


the guardian

info migrants


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية