باستر….لـ: حسين جرود

حسين جرود
كاتب سوري

هي: هل إذا سمعنا أغنية مرة وصدقناها، ينتهي مفعولها؟
هل الأغاني يمكن أن تستهلك؟

يخرج الأرنب من قوس قزح، ويقفز… يقفز على رؤوس الفئران، فتموت. يجرب أن يركض بسرعة، ثم ينزلق… يسقط فوق الأشواك، ويموت.
يخرج الأرنب من قوس قزح، ويسير على أرض عشبية تبدو لطيفة، ولكن كل خطوة يخطوها قد تسبب موته…
يسير ببطء، وكلما رأى فأرة، يقفز على رأسها فتموت، ثم يجرب أن يركض أسرع؛
يريد أن يثبت النظرية النسبية للأرانب: «إذا ركضت بسرعة كبيرة ثم انزلقت، سيكون اصطدامك بالفأرة -حينها- أسرع من قدرتها على عضك».
أليس هذا أفضل من قفزته الاعتيادية، ولكن هذا يتطلب مساحة، غير متوفرة في هذا السهل، عندما يتسلق أحجار الأبنية المبعثرة… يقطع السهل حذرًا، وهذا يناقض طبيعة الأرانب البسيطة، أو يجري مسرعًا كهارب سعيد، ربما يشابه طبيعة الأرانب أيضًا.

يدخل إلى الغابة، التي كانت -إضافة إلى ما تحويه من أعداء- متاهة حقيقية. وكلما عاد إلى مكان، يراه دون حراس، فيعرف أنه مر من هنا. عندما خرج من الغابة أول مرة، واجه أول تحدٍ حقيقي؛ ظن أنه اقترب من الهدف، ليصل إلى الكهوف المظلمة، التي تحوي حفرًا وأماكن يصعب تسلقها.
كان -كل يوم- يحاول، ثم يعود.
هل يعلن عجزه؟
هل يستسلم؟
حتى جرَّب مرة أن يقفز ليلمس الجدار، وفي لحظة ملامسته، يقفز مرة أخرى، وعندما يلمس جدارًا آخر، يقفز مرة ثالثة، وبهذا يصل إلى تجويف أعلى من الكهف.

أتت بعدها البراكين، وكان أي انزلاق يعني موته، حتى تجاوزها وقطع البحر سباحة، أو في السفينة، أو فوق الغيوم كفكرة سارحة. حتى وصل إلى بلاد في الشمال الغربي يغمرها الثلج، وعليه أن يعود جنوبًا، ليصل إلى المصنع الرئيسي في المدينة، الذي كان قريبًا من مكان انطلاقه الأول في السهل. كان الانزلاق في الثلج سهلًا، ما يعني أن مجرد الوقوف، والثبات، أمر مستحيل… في النهاية، وصل إلى المصنع الرئيسي متعبًا.

المصنع مليءٌ بالفخاخ الكهربائية، وهذه المرة، كان كل خطأ يعني موته، ورميه خارج المصنع كله ليعود من جديد. وعندما سيطر على المصنع، ووصل إلى صديقته بابس، كانت قد مضت خمسة أشهر.

يتذكر سامر كيف أمضى خمسة أشهر لينهي اللعبة أول مرة، بينما يستطيع الآن إنهاءها كل صباح، ولا تستغرق سوى ساعات قليلة. هل يحس باستر بذلك؟ هل يدرك الفرق؟ هل إذا قطعت بلاد الأمنيات هاربًا مستعجلًا يساوي تحقيق أحلامك؟ ألم تكن المسافة قصيرة بين المصنع والسهل العشبي، بينما كان على باستر أن يقطع المسافات جنوبًا وغربًا وشمالًا، ليعود إلى هناك، وسواء مات أو وصل، عليه أن يخرج من قوسه كل مرة، ليدخل في قوس آخر.

يقول المهندس في المصنع: «باستر هو فكرتي، وعليه دائمًا أن يدمرني، ويبقى هو، ولو كفكرة».

تقول بابس: «أنا لست مثل باستر. في النهاية، يصل دائمًا متعبًا ويقبلني، ربما تتخيلون أن إحدى القبلات تمتلك قوة السحر، وستحرره. ولكني صورة فقط عما يرغب، أتغير كل مرة، وكل مرة يصل باستر جديد، وأكون أنا بابس أخرى».

يتساءل الكاتب: لماذا باستر لا يتكلم؟

يقول المهندس في المصنع: «أنا المُدمَّر في نهاية كل لعبة، الثابت الوحيد في المعادلة. أنا لا أظهر جيدًا، بل أختفي فور ظهوري، ولكن فكرتي تبقى على جميع الأجهزة في هذا العالم، وكلما أعدتَ اللعبة، سواءً أنهيتَها أم لم تفعل، يبقى لها الأثر ذاته».

تقول بابس: «ولكن بعض القبلات لها قوة السحر».

في لحظة العناق الأخير…

وبينما يُعرض فيلم -أمام جمهور غير مرئي أو في خيال البطلين- عن حياة لطيفة مع أصدقاء في بلاد الأمنيات، يعرف باستر أنه لن يستيقظ هناك، بل سيستيقظ في النقطة الأولى التي بدأ منها، كأن حياته جملة اعتراضية طويلة؛ لا تستطيع أن تزيد عليها حرفًا، وإلا سقطت وفقدت معناها.

إن باستر الذي بدأ المغامرة، عندما خرج من قوس قزح أول مرة، قادمًا من قصة أخرى، هو باستر آخر، لم يعد له وجود. هل تستطيع القبلة أن تفعل شيئًا، وتنقذه، ليجد نفسه في عالم ثالث أو رابع؟ وهل ستكون بابس معه أم أن قصتهما انتهت هنا؟

يُخرج سامر شريط اللعبة. 

هو (بعد شهور): كنت أظن أنك رواية، فاكتشفت أنك قصة قصيرة…


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية