البالـون …لـ: أدهم رعدون

أدهم رعدون
كاتب سوري

نثر كتبه المدرسية، وخيم عليه الصمت غير المعتاد..

ولدي “أغـــيد” ذو السابعة من العمر

فجأةً! قام وفتح النافذة المطلّة على حدود الوطن الكئيب

سرحت نظراته إلى المخيمات التي غادرها منذ ثلاث سنوات إلى تركيا..

سرحت في ذلك الليل المخيف..

صمتٌ حلّ في الغرفة التي نجلس فيها!

أغلق النافذة، وجلس بجانب المدفأة، وبدأ يرتجف..

كلّ جسمه يرتجف

دقائقُ قليلة…..

قام وأحضر بالونه الأبيض الذي اشتراه من مصروفه المدرسيّ..

نفخَ البالون، وأحضر قلم الحبر الأزرق..

بدأ يكتب أسماءَ أعمامه وأولادهم الذين لم يرهم منذ شهور عديدة..

ونحن نراقبه بدهشة وقد أطبقت علينا السكينة

لم نعرف مايجول في خاطره!

أنهى كتابة أسمائهم التي يرددها في اليوم عشرات المرات..

مسك البالون الأبيض المنقوش باللون الأزرق

وفتح النافذة من جديد

قال لي:

أريد أن أرمي البالون في الهواء حتى يصل إلى أولاد عمي

ذُهلت.

توقف عقلي عن التفكير . كأن العالم كله توقّف..

قلت له لن يصل البالون

صرخ بصوت عالٍ

سوف يصل …. سوف يصل!

أجهش بالبكاء

لم يكن بكاء طفل عادي!

كانَ البكاء يخرج من قلبه

بكاء عجوز هرم فارق أهله وأرضه..

سكت الجميع، إلا دموعه تتكلم..

لانعرف ماذا تتكلم

ضممته إلى صدري وقلت له أرمِ البالون

ركض بكل طاقته، ورمى البالون المملوء بالشوق والحنين..

قال لي هل حقاً سيصل البالون؟

ومتى يصل البالون؟

قلت له:

ياولدي سيضيع البالون على الحدود كما ضاع آلاف السوريين هناك

كما ضعنا في غربتنا هنا وهناك

كما ضاعت ثورتنا بين هذا وذاك..

ربما يصل البالون ياولدي

لكنه يحتاج عاصفةً تأخذه في الطريق الصحيح..

وكم نحتاج ياولدي عاصفةً تعيدنا للطريق الصحيح..

كم نحتاج ياولدي لقلوبٍ بيضاء مثل بالونك الأبيض

كم نحتاج ياولدي لقلمٍ صادقٍ مثل قلمك الأزرق

كم نحتاج للحبِ ياولدي مثل محبتك لأهلك ووطنك

لا تيأس أبداً ياولدي

ستأتي العاصفة عما قريب

ويصل البالون

ارمِ بالونك ياولدي، وليمسكه كل أطفال الخيام

ليمسكه كل مشتاقٍ لأهله

كل مشتاقٍ لأرضه

ارمِ بالونك ولاتيأس

ستأتي العاصفة عما قريب

ارمِ بالونك ياولدي..

ارمِ بالونك ياولدي


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية