عن دار Farabi Kitap التركية، صدرت الطبعة الفرنسية لرواية الكاتب السوري إبراهيم الجبين “يوميات يهودي من دمشق” بتوقيع الشاعر والمترجم التونسي أيمن حسن، تحت عنوان “UN JUIF DE DAMAS”.
الرواية التي مُنع توزيعها في سوريا قبل 15 عاماً، ولعلها من الأعمال القليلة التي لم يكن حظرها سبباً وحيداً في رواجها وبيعها سرّاً في مكتبات دمشق والمدن السورية ولدى بسطات الكتب، بل المحتوى الذي انطوت عليه والذي اعتبر في حينها تحدياً للقارئ أولاً قبل أن يكون تحدياً للرقيب. فطرح موضوع اليهود العرب وأزمتهم مع مجتمعاتهم العربية والمكان الجديد الذي تم تهجيرهم واستقدامهم إليهم، وأزمة مجتمعاتهم معهم، كان في حد ذاته إشكالياً كفاية ليجعل توجيه أصابع الاتهام للجبين بالانجرار وراء التطبيع سهلاً، لكن هذا لم يحدث.
اختبارات عديدة تضع الرواية، التي أراد لها مؤلفها أن تكون على شكل يوميات، قارئها أمامها، لم تقتصر على ملف اليهود، والأخير جاء صريحاً أكثر من المتوقع، حين حكى قصصاً عن تعلق يهود دمشق بمدينتهم ورفضهم للرحيل، مع ذكر نماذج قاومت فكرة إسرائيل ذاتها من يهود مصر وغيرها، مثل شحاتة هارون، علاوة على استحضار مَن يعتبره الجبين مفكراً عربياً إسلامياً، رغم كونه يهودياً، الفليسوف الأندلسي موسى بن ميمون.
مفارقة أخرى تقود الرواية قارئها إليها، مبتعدة به عن العنوان الأصلي للرواية، والذي يوحي أن القصص كلها ستدور عن يهودي من دمشق، تكمن في تناول الرواية لبطل من أبطال ما سيأتي من أحداث ستشهدها سوريا، قبل وقوعها بسنوات، إنه أبو القعقاع السوري، الذي يعدّ أحد مؤسسي الجهادية والذي يعتبر الأب الروحي لقائد تنظيم النصرة، الجولاني، كما سيرد كاعتراف صريح على لسان الجولاني ذاته بعد ظهوره مقنّعاً في قناة “الجزيرة”.
وترصد الرواية اللحظات الأخيرة لأبي القعقاع وهو يعيش تحت الرعب من أن يجري اغتياله على أيدي المخابرات السورية، وتنقل الحوارات التي دارت فيها قلقه وهواجسه من ذلك، بعدما كان مسخّراً لتصدير المجاهدين إلى العراق عبر الأراضي السورية، قبل أن يجري اغتياله بالفعل بعد شهور من صدور الرواية.
عوالم “يوميات يهودي من دمشق”، التي كُتبت وفقاً للراوي في دمشق ونيويورك وحلب، تم تناولها في العديد من المقالات النقدية في الصحافة العالمية والعربية. وكتبت المستشرقة مارسيا لينكس كويلي، المقيمة في الرباط، في صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن هذه الرواية تندرج ضمن سياق من الأعمال الأدبية والأفلام التي ظهرت في السنوات الأخيرة، لتتحدث عن يهود عرب، سواء في سوريا وتونس واليمن وليبيا ومصر والعراق أو الجزائر.
ويضع الناشر انطباعات المنابر العربية عن “يهودي دمشق” في الغلاف الأخير للطبعة الفرنسية، مضيفاً ما أوردته صحيفة “الحياة” اللندنية، أن في وسع القارئ أن يتبين رسالة رواية “يوميات يهودي من دمشق” التي تقول بأن هذه الأرض شهدت أقواماً وإثنيات وأدياناً ومذاهب وثقافات وحضارات كثيرة، وليس لأحد الحق في احتكار التاريخ أو احتكار الحقيقة.
بينما رأت دراسة لجامعة لايبزغ الألمانية أن “يوميات يهودي من دمشق” توفر أساساً لفهم المواقف الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط. وأشارت صحيفة “القدس العربي” اللندنية، إلى أن الجبين، في هذه الرواية، يزاوج بين السرد المتدفق والحوارات والاقتباسات التاريخيّة والشّعريّة ومقاطع الأغنيات، ما أكسب النص زخمًا، وإن سيطر عليه راوٍ شخصيّ يسرد من قُرب وبشكل محايد.
الرواية التي استُلهمت سياقات منها وتحولت إلى أفلام وثائقية ومواد بحثية، واستُنسخت مناخاتها وشخصياتها في أعمال صدرت لاحقاً لكتّاب آخرين، تعدّ جزءاً من سلسلة روايات سيصدرها الجبين تباعاً، تفصل بينها فترات زمنية غير قصيرة، فجاءت “عين الشرق” العام 2016 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وصدرت ترجمتها الألمانية عن دار Free pen الألمانية، بعد عشر سنوات على صدور “يوميات يهودي من دمشق”. وصدرت له، مطلع هذه السنة، رواية “الخميادو” التي تقوم تقنياتها على الأدوات التوثيقية ذاتها، وعلى فتح الملفات المغلقة، ومزج ذلك كله بالقوالب الأدبية واللغة الأقرب إلى الشعرية منها إلى السردية المباشرة.