الثقافة في سورية من الدمار إلى البناء (1) ..لـ: د. بدر الدين عرودكي

محاولة في تشخيص الدمار الثقافي في سورية (1963 ــ 2010)

د. بدرالدين عرودكي
باحث و مترجم سوري

المحتويات

الملخص التنفيذي

توطئة

مدخل

تشخيص الدمار الثقافي في سورية (1963 – 2010)

أ) المرحلة “البعثية 1963 – 1970

ب) المرحلة الأسدية الأولى 1970 – 2000

1. مفهوم السياسة الثقافية الأسدية

2. المفهوم في الممارسة

ج) المرحلة الأسدية الثانية 2000 – 2011

1. الآمال القتيلة

2. المثقف الامتثالي

المراجع

ملحق: شهادات حول الوضع الثقافي في سورية خلال خمسين عامًا

مقدمة: هذه الشهادات، بدرالدين عرودكي

أحمد برقاوي ــ أحمد اليوسف ــ حسام الدين درويش ــ حميد مرعي ــ خلدون الشمعة ـ جمال سليمان ــ راشد عيسى ــ زياد عدوان ــ عاصم الباشا ــ علي فرزات ــ علي سفر ــ سلام كواكبي ــ طلال المصطفى ــ مأمون البني ــ محمد الخطيب ــ موفق قات ــ مي سعيفان ــ وائل سواح ــ واحة الراهب.

 الملخص التنفيذي

يحاول هذا البحث، وهو يستعيد وضع الثقافة والعمل الثقافي في سورية خلال ما يقارب خمسين عامًا (1963 ـ 2011)، تشخيص عناصر الدمار الثقافي في سورية، عبر الكشف عن أسس السياسة الثقافية غير المكتوبة التي اعتمدتها السلطة البعثية والأسدية، على صعيد المؤسسات الرسمية المعتمدة للإشراف على الفعل الثقافي، وكان من نتائج تطبيقها ما شهدناه ولا نزال نشهده من دمار، على صعيديْ الاحتواء الناعم والاحتواء القمعي، من ناحية، والكيفية التي كان الفاعلون الثقافيون في مختلف قطاعات ومجالات الثقافة يتفاعلون مع هذه السياسة سلبًا أو مقاومة أو امتثالًا.

يتناول مدخل البحث مفهوم الثقافة وتجلياته لغةً وتطبيقًا، لينتقل إلى تحديد الفضاء الذي يغطيه المفهوم في هذا البحث (كل فعالية تسهم في التوعية الفكرية أو في تكوين رأي عام إزاء مختلف القضايا الاجتماعية والتربوية والسياسية)، كي يفتتح ببدايات اهتمام الدولة بالموضوع الثقافي حين أنشئت، خلال الوحدة السورية المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي في كلٍّ من مصر وسورية، التي كانت تعلن ولادة إشكالية العلاقة بين السياسة والثقافة في سورية بوجه خاص، ولا سيّما حين أدرك النظام الذي سيطر عليه العسكر إثر انقلاب آذار 1963، تدريجيًا، خطورة الدور الذي يمكن أن يقوم به الفاعلون الثقافيون في مختلف الميادين على مشروعهم، ومن ثمَّ أهمية هذه الوزارة، التي كانت شبه مهملة طوال سنوات الوحدة والانفصال، في ضبط وتأطير هذا الدور.

كانت هناك، خلال المرحلتين البعثيتين الأولى والثانية، هوامش حرية نسبية، نظرًا لانشغال نواة الانقلابيين العسكرية الرئيسة بتثبيت سلطتها عبر صراع مع شركائها من البعثيين والناصريين أولًا، ثم الصراع فيما بين البعثيين أنفسهم الذي انتهى بانقلاب 23 شباط/ فبراير 1966 الذي أقصى مؤسسي البعث، وأبقى على اللجنة العسكرية، نواة انقلاب آذار. وربما لهذا السبب لم تعرف وزارة الثقافة خلال هذه الفترة وزيرًا يحمل مشروعًا ثقافيًا، على غرار وزير الثقافة المصري. ومع ذلك، فقد كانت هذه المرحلة في آن واحد بداية تعبير “خجول” عن طموح القيادة البعثية في مجال الثقافة، تجلّى في إنشاء مؤسسات ثقافية، كالمؤسسة العامة للسينما، أو اتحاد الكتاب العرب، وفي الوقت نفسه بداية التمييز الطائفي أو المناطقي على صعيد اختيار العاملين في الفضاء الثقافي، في الإعلام أو في مختلف ميادين الإنتاج الثقافية من مؤسسات عامة أو خاصة.

على أن مفهومًا آخر للسياسة الثقافية سيرى النور بالتدريج بفعل انقلاب عام 1970 الذي سيكرّس الانتقال من العهد البعثي إلى العهد الأسدي. فهوامش التعبير الثقافي التي كانت متاحة ستضيق ثم ستختفي شيئًا فشيئًا، وكذلك الجمعيات الأهلية. أما الشعار الذي سيمثّل المرحلة الجديدة، فقد تمثّل في قول لرئيس النظام جرى إعلانه في شوارع العاصمة خصوصًا: “لا رقابة على حرية الفكر إلا رقابة الضمير”، الضمير الذي سيتكشف مع الأيام مجسَّدًا في المؤسسات الأمنية رادعًا قمعيًا، في الوقت الذي ستقوم وزارة الثقافة بدور الاحتواء الناعم.

يتناول البحث على إثر ذلك عناصر هذا المفهوم الثلاثة كما تجلت، سواء في ممارسات المسؤولين الثقافيين في وزارة الثقافة والمؤسسات المرتبطة بها، أو في تلك التي اعتمدتها المؤسسات الأمنية التي نشرت عناصرها في مختلف ميادين الفعل الثقافي: المُحَرَّم: الرئيس شخصًا ومؤسسة؛ المسموح أو المُباح: كنقد طريقة تنفيذ قرارات الحكومة (لا قراراتها بالذات) وممارسات موظفي وزاراتها؛ المجالات التي يمكن أن تسمح الرئاسة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمقاربتها في المجال الثقافي والتعليمي. يشير البحث خلال التحليل أو العرض إلى ازدواج المعايير في النشر في الصحف الرسمية، أو إلى ما عرف بـ “أدب التنفيس” لا عبر المسرح فحسب، بل كذلك في المجالين الديني (تسهيل عمل رجال الدين تحت الرقابة) والعلماني (باستثمار الكتاب اليساريين الذين لم تكن الحرية الفردية أو الديمقراطية بالضرورة ضمن أولوياتهم)، وذلك اعتمادًا على قاعدة جوهرية في الممارسة السياسية عمومًا، ومنها السياسة الثقافية، تتمثل في الفصل بين المبنى والمعنى، أي الممارسة الديمقراطية شكلًا، وتفريغها من محتواها ومعانيها ومقتضياتها تطبيقًا.

ينتقل البحث من ثمَّ إلى استعراض تجليات الرقابة وممارساتها المتباينة في مختلف مجالات الفعاليات الفنية (كالأعمال السينمائية والمسرحية والمسلسلات التلفزيونية والفنون التشكيلية)، وكذلك النشاطات الفكرية والبحثية في ميادين الفكر السياسي والفلسفي والاقتصاد والاجتماع، ولا سيّما عبر النشاطات الجماهيرية التي كانت السلطات تسمح بالقيام بها تحت الرقابة الرصينة التي يقوم بها ممثلها في الجامعة، كالأسبوع الثقافي الفلسفي، أو في الجمعية كتلك التي كانت تقوم بها جمعية العلوم الاقتصادية عبر محاضراتها العامة، وكذلك في ما عُرف بـ “ندوة الثلاثاء الاقتصادي”، بحيث يحول دون أي تجاوز للسقف الموضوع سلفًا لهذه الفعالية أو تلك، وهو سقف يختلف لدى وزارة الثقافة أو الجامعة عن ذلك الذي يُعتمد في نشاط جمعيات أو دور نشر خاصة. هكذا يستعرض البحث تحليلًا وتوصيفًا محرمات البحث الفكري والاجتماعي، وهوامش الحرية في الترجمة والنشر في ميدان العلوم الإنسانية، والحدود المقبولة في أي مشروع يمكن لوزارة الثقافة المكلفة بالاحتواء أن تقبله كليًا، أو أن تتقاسم مسؤوليته بصورة غير رسمية في حدود إمكاناتها -وضمن حدود سياسية مرسومة أيضًا- مع مؤسسات خاصة كدور النشر، كما حدث في مشروع “قضايا وحوارات النهضة العربية” أو مشروع الكتاب الدوري الذي حمل عنوان “قضايا وشهادات”؛ ويبين في سياق ذلك كله هدف النظام السياسي من وراء ما يبديه من تساهل في هذا المجال أو ذاك، وهو تسويق “انفتاحه” و”ديمقراطيته”. وكان المثل الأهم بين الأمثلة التي قدّمها البحث هو وضع الدراسات والبحوث الاجتماعية تدريسًا وإنتاجًا، والهيمنة القمعية على موضوعاتها في مجال النشر الرسمي كما في مجال النشر الخاص، التي طالت خصوصًا ميدان التعليم الجامعي في ميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية، بدءًا من تعيين الأساتذة وتفضيل الموالين على المختصين، وانتهاء بسوء إعداد الطلبة، حيث جرى العمل حثيثًا للحيلولة دون استخدام مناهج علم الاجتماع الراهنة في تناول أو تحليل المشكلات الاجتماعية الراهنة في سورية، الذي يمكن أن يؤدي إلى تعرية ممارسات السلطة وزيف إنجازاتها “الإعلامية” أو الخلّبية، ومن ثمّ إلى تهديد وجودها نفسه. ولم تكن السلطات الثلاث التي أنشأت مكاتبها لأول مرة في تاريخ الجامعة السورية إلا من أجل مراقبة الأساتذة والطلبة معًا، ولا سيّما الذين يتابعون الدراسة في كلية الآداب بفروعها المختلفة: سلطة المخابرات، وسلطة الحزب، واتحاد الطلبة الذي تهيمن عليه السلطتان السابقتان.

ثم يتناول البحث دراسة وضع الثقافة والمؤسسات الثقافية خلال المرحلة الأسدية الثانية بعد انتقال سلطة الحكم بالوراثة، وخلال السنوات العشر التي سبقت انطلاق انتفاضة السوريين، والتي بدأت بتفجير جدران الخوف ونشر بيان وقّعه تسعة وتسعون مثقفًا يدعو إلى إلغاء حالة الطوارئ، والإفراج عن معتقلي الرأي والضمير لأسباب سياسية، وإطلاق الحريات العامة، والاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية وحرية الاجتماع والصحافة والتعبير عن الرأي، وتحرير الحياة العامة من القيود والرقابة، وهو البيان الذي كان يعلن ربيع دمشق الذي جسَّدته حرية التعبير التي سادت في نشاطات المنتديات السياسية الخاصة التي سرعان ما عمدت السلطة الأمنية إلى التضييق عليها، وصولًا إلى إغلاقها نهائيًا بعد أشهر من انطلاقها في آذار/مارس 2001، واعتقال العديد ممن شاركوا في نشاطاتها. وهو ما كان يدشن مرحلة أخرى من التدمير لا تختلف عن سابقتها، كان جيل جديد من الفاعلين الثقافيين يبدأ التعرف على شروطها في الاحتواء أو في القمع، وذلك سواء في ميدان المؤسسات الثقافية الجديدة في مجال النشاط الكتابي أو في مختلف ميادين فنون المسرح والموسيقى والرقص والإخراج. ويختتم هذا القسم الأول من البحث بتقديم نموذجي المثقف اللذين برزا في سورية خلال العهدين البعثي والأسدي: المثقف العضوي الذي سجّل حضوره بقوة في المشهد الثقافي السوري ولا سيّما في عام 1979 وربيع دمشق في النصف الثاني من عام 2000؛ والمثقف الامتثالي الذي احتل مع ذلك بوجوهه المختلفة المكانة الأولى في هذا المشهد طوال خمسين عامًا.


عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة
لقراءة وتحميل البحث كاملا اضغط هنا

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية