رغم الأزمات التي تعصف بسوريا منذ سنوات، يحشد النظام السوري مؤيديه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي تجري الأربعاء (26 أيار/مايو) وتبدو نتيجتها محسومة لصالح الأسد الذي يسعى إلى إضفاء شرعية على حكمه.
دفعت الأزمة الاقتصادية بالعديد من السوريين إلى الفقر والجوع. وفي ظل الانتخابات الرئاسية السورية، التي لا ترى فيها المعارضة سوى تمثيلية، تقوم الحكومة الآن بتعبئة مؤيديها.
من الخارج يبدو كل شيء وكأنه انتخابات حرة وديمقراطية. يمكن للسوريين أن يختاروا رسمياً بين ثلاثة مرشحين عندما يذهبون إلى صناديق الاقتراع غداً الأربعاء (25 أيار/ مايو) لاختيار الرئيس المقبل للبلد الذي يعاني من الحرب . فوكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” تنشر لافتات للمرشحين الثلاثة. وفي كل مكان في شوارع المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة تم تعليق لافتات للدعاية الانتخابية. ومع ذلك، لا شك في أن رئيس سورية الجديد سيكون هو نفسه الرئيس القديم: بشار الأسد.
ينظم النظام السوري انتخابات رئاسية لا ترى فيها المعارضة، ومراقبون محايدون، سوى تمثيلية تهدف حصراً إلى إبقاء رئيس الدولة البالغ من العمر 55 عاماً في السلطة. يقول محلل الشؤون السورية والموظف السابق لدى منظمة “مجموعة الأزمات الدولية” المعنية بمنع حدوث نزاعات وتسويتها، سام هيلر: “من الصعب أن نتخيل أن النتيجة ستكون أي شيء آخر غير تجديد شكلي لبشار الأسد… هذه الانتخابات لا تدور في الحقيقة حول مواجهة سياسية حيوية”.
ومع ذلك، يبدو أن الأسد يكافح من أجل شرعية إضافية. وعلى الرغم من أن حكمه راسخ إلى حد ما بعد 21 عاماً في السلطة، فإنه ليس من المستبعد أنه يشعر أيضاً بضغط من الداخل والخارج. فمنذ شهور تعاني سوريا من أزمة اقتصادية حادة دفعت ملايين الأشخاص إلى الفقر والجوع. وتتصاعد صراعات توزيع السلطة بين أنصار الأسد. وهناك أيضاً ما ينم على أنه بعد عشر سنوات من الحرب صارت السيطرة لمليشيات محلية حتى في مناطق النظام ، وتدعم هذه الميليشيات الأسد رسمياً، لكنها تمتثل في إدارة شؤونها لأوامر أمراء الحرب.
“استبعاد فكرة تسوية سياسية أكبر”
علاوة على ذلك، لا تزال تتردد شائعات بأن روسيا، حليفة الأسد الوثيقة، قد تكون مستعدة للتضحية بالأسد، حال وافق الغرب في المقابل على حل للصراع تقبله موسكو. يقول هيلر: “بترشحه لولاية أخرى مدتها سبع سنوات، يستبعد الأسد أي فكرة بأنه قد يتنحى كجزء من تسوية سياسية أكبر”.
ويبدو أن أنصار الأسد يريدون ضمان أعلى نسبة مشاركة ممكنة للناخبين. وبأوامر عُليا، تم نصب خيام انتخابية في جميع أنحاء سوريا التي يسيطر عليها الأسد، حيث يُدلي السوريون بأصواتهم للحاكم. وباستثناءات قليلة، لا تُظهر ملصقات الانتخابات سوى صورة الأسد.
وأعطى تصويت السوريين في الخارج يوم الخميس الماضي لمحة مسبقة عن الانتخابات التي ستُجرى داخل البلاد غداً الأربعاء. ففي لبنان، على سبيل المثال، نقلت حافلات مزينة بملصقات الأسد الناخبين إلى السفارة السورية في العاصمة بيروت للإدلاء بأصواتهم.
يشكو المرشح المنافس، محمود مرعي، ممثل المعارضة السورية الداخلية التي تتغاضى عنها الحكومة، من أنه لا يملك سوى القليل من الموارد المالية والدعم للترويج لنفسه. يقول مرعي إن حملته الانتخابية لذلك متواضعة للغاية. وتقاطع أكبر كتلة معارضة سورية داخلية التصويت.
هذا السيناريو يذكرنا بالانتخابات الرئاسية التي جرت قبل سبع سنوات، حينما تم قبول اثنين من المرشحين المنافسين لأول مرة. وفي النهاية حصل الأسد على ما يقرب من 89% من الأصوات. وصنفت الدول الغربية الانتخابات على أنها غير قانونية وغير ديمقراطية. ومع ذلك، ظل الأسد دون أي عوائق في السلطة التي تولاها والده في عام 1970 وانتقلت بعد وفاته إلى الابن عام 2000.
الافتقار إلى الشرعية
وسيظل الأسد مفتقراً إلى الشرعية لسبب بسيط وهو أن التصويت لن يتم إلا في حوالي ثلثي البلد، وهي المناطق التي تخضع لسيطرة النظام . ولن تشارك المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، تماماً مثل المناطق التي يسيطر عليها المعارضة في شمال غرب البلاد.
وأعرب وسيط الأمم المتحدة في سوريا، غير بيدرسن، وهو دبلوماسي مُحنك يسعى دائماً إلى التوازن، أيضاً عن استيائه، موضحاً أن الانتخابات ليست جزءاً من العملية الدولية الهادفة إلى إيجاد حل سياسي للصراع طويل الأمد. وفي جنيف تم تكليف لجنة مكونة من ممثلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني بصياغة دستور جديد. ومن المفترض أن يؤدي هذا الدستور المنتظر إلى انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة. لكن ممثلي الأسد على وجه الخصوص لا يظهرون سوى القليل من الاهتمام بإحراز تقدم، ما أدى إلى توقف المفاوضات منذ شهور.
ولا يبشر التصويت غداً بالخير بالنسبة لمستقبل المحادثات تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف، وبالتالي بالنسبة للدبلوماسية الدولية بوجه عام. ويبدو أن دمشق تستخدم الانتخابات في المقام الأول لإثبات استمرارية النظام السوري، كما يقول هيلر، الذي أوضح أن التصويت لا يعني بالضرورة نهاية لجنة صياغة الدستور، “لكن هذه الانتخابات تجعل اللجنة تبدو أقل أهمية مما كانت عليه بالفعل”.