بثينة شعبان في “معهد شيلر”.. كيف ؟ ولماذا ؟

في العام 2016 استضاف نادي الصحافة الأميركي، المستشارة الإعلامية والسياسية للنظام السوري بثينة شعبان، في يوم كان حزيناً بالنسبة للديموقراطية التي تشدقت بها شعبان من قلب العالم الغربي. وإن كان العار توصيفاً مناسباً لتلك الاستضافة، فإنه لا يتمدد ليشمل الترحيب الأخير بها، الأحد، من قبل معهد “شيلر” الألماني، الذي يرفع شعارات يمكن اعتبارها مضادة للاستابلشمنت وللديموقراطية أيضاً.


فالمعهد المذكور هو منظمة سياسة واقتصادية أنشأتها هلكا تسب لاروش، الزوجة الثانية للمفكر الراحل ليندون لاروش (1922-2019)، التي كانت في سبعينيات القرن الماضي، ناشطة بارزة في حركة “لاروش” بألمانيا الغربية. ويقدم تحليلات معادية للنظام المالي الحالي تحديداً، إلى جانب تركيزه على البعد الاقتصادي للمشاكل المعاصرة، بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي.

وفيما يمتلك المعهد ممثلين وأعضاء في نحو 50 دولة، فإنه يهدف إلى تطبيق أفكار الشاعر والفيلسوف الألماني فريدرش شيلر كوسيلة لإيجاد لـ”المشكلة العالمية المعاصرة”. وفي مبادئه العامة التي تم تبنيها العام 1984، يمكن ملاحظة موقف مضاد ومعاكس للمؤسسات المالية العالمية وغيرها من المنظمات العابرة للحدود، فيما تتمحور أفكار المعهد الرئيسية حول التأثير التحكمي والتسلطي الضار لمثل هذه المؤسسات العالمية، مع التأكيد على رفض فلسفة “صراع الحضارات” للمفكر الأميركي صامويل هنتنغتون.

وإن كان في الإمكان، الشعور بالأسف قليلاً لاضطرار المرء أن يعيش في زمن يعتلي فيه مجرمو حرب مثل شعبان، “منصات عالمية” ليقدموا “وجهة نظرهم” في “الوصول إلى عالم أفضل”، فإن ذلك الشعور يبقى درامياً إلى حد ما، لأن اللغة التي تحدثت بها شعبان بدت أقرب إلى حوار مبتذل في دراما محلية تحاكي إنتاجات “نتفليكس” العالمية حول نهاية العالم (Apocalypse)، وفيها يقوم أبطال بقرارات “مثيرة للجدل” من أجل ضمان استمرار الجنس البشري على قيد الحياة.

بإسقاط تلك المعادلة على خطاب شعبان، الذي احتفت به وسائل الإعلام المقربة من الكرملين والناشطون المعادون للديموقراطية، مثل الكندية إيفا بارتليت، والبريطانية فانيسا بايلي، تصبح جرائم الحرب التي قامت بها “الدولة السورية” طوال السنوات العشر الماضية “قرارات مثيرة للجدل” تهدف للصالح العام، ضد الخطر الذي يهدد الحياة البشرية على الكوكب، متمثلة في الديموقراطية والسياسات الغربية. وبالطبع توصف شعبان ذلك بأنه كان محاربة للإرهاب ودفاعاً عن التنوع الثقافي والحضاري في الكوكب، وتضيف لمسة كاذبة من المعاناة الشخصية، بحديثها عن نفسها كامرأة عانت الحرب، مشيرة للفقر وانهيار الاقتصاد، هي التي قالت قبل عام واحد أن “الاقتصاد السوري اليوم أفضل مما كان عليه العام 2011 بـ50 مرة”.

ومن المثير للسخرية حقاً، أن تتحدث شخصية قيادية في نظام الأسد عن قيم التنوع والاختلاف واحترام الآخر، لأن النظام الأسدي/البعثي الحاكم في البلاد منذ عقود، يقوم على أسس التمسك بالسلطة وتصفية أو معاقبة كل من يخالف السيستم السائد، على جميع المستويات، بداية من المستوى الفردي مع العمل على أدلجة الأفكار منذ سن مبكرة عبر المؤسسات الرسمية المنتشرة في المدارس مثل “طلائع البعث” و”شبيبة الثورة”، واعتقال الأصوات المعارضة وفرض الرقابة على الصحافيين والمثقفين، وصولاً إلى اتباع سياسة عنصرية ضد فئات من السوريين، بناء على تمييز عرقي وديني وجندري وجنسي، بما في ذلك السياسات التي حرمت آلاف السوريين الأكراد من الجنسية السورية أو التمييز ضدهم بناء على اللغة والثقافة، والتضييق على المثليين جنسياً والملحدين وغير الدينيين.

بعد ذلك كله، تمتلك شعبان ما يكفي من الوقاحة للتشدق بأن نظام الأسد، ودولاً تمتلك الأرادة الحرة، مثل روسيا والصين وإيران وكوبا وفنزويلا، تعاقَب من الدول الغربية، بسبب موقفها الحامي للحضارات البشرية من الاندثار، وتندد بما تراه جرائم الإبادة الغربية ضد الثقافات الأخرى. فيما ينطلق حديثها ككل، من محددات أيديولوجية ووضع نظام الأسد نفسه ضمن محور مقاوم للديموقراطية الغربية بوصفها “سلعة معولمة” وكذبة تسوق لها الدول الغربية من أجل ضمان تفوق العرق الأبيض على العالم. 

ومن اللافت أن كثيراً من الأفكار التي يروج لها نظام الأسد مؤخراً تتلاقى مع أفكار المعهد القديمة. ومن ذلك، الحديث عن الليبرالية بوصفها الخطر الأساسي على الكوكب. والمعهد هنا يقدم “نظرية” ترجع كل ما يعاني منه العالم اليوم إلى “الإمبراطورية البريطانية” ويمكن ملاحظة ذلك في عدد من التقارير التي نشرها المعهد حول سوريا في السنوات الماضية، بما في ذلك تناوله لموضوع الجسر البري الذي تعمل إيران على مده من طهران عبر العراق إلى البحر المتوسط. ووفق النظرية الأقرب لنظرية مؤامرة، فإن القوة الفاعلة وراء الإمبريالية الحاكمة للكوكب ليست الولايات المتحدة، بل “النظام الأنجلو-هولندي الليبرالي” النابع من الإمبراطورية البريطانية. وتصبح قادة العالم فئة مختفية عن الأنظار متواجدة تاريخياً منذ العصور الوسطى.

والحقيقة أن اللقاء بحد ذاته لا يحمل أبعاداً أخرى، من ناحية سياسية، في وقت ينادي فيه النظام بضرورة إعادته للمجتمع الدولي، بوصفه منتصراً في الحرب الكونية. ويعني ذلك، أن لقاء شعبان لم يكن مع جهات ديموقراطية تنفتح على النظام، بل هو لقاء بين أصحاب يتشاطرون الأفكار والمبادئ نفسها، يمكن الدلالة عليها بوصف المعهد نفسه للهجمات الكيماوية في البلاد بأنه كذبة بريطانية. علماً أن اللقاء هو الثاني من نوعه ويعتبر تكراراً لاستضافة مماثلة لشعبان عبر الإنترنت في حزيران/يونيو 2016.

وهنا، علق الصحافي السوري المتخصص في الشؤون الألمانية سليمان عبدالله: “لا أعتقد أن للمشاركة أية أهمية على صعيد العلاقات الحكومية الألمانية مع النظام السوري، بل يتعلق الأمر هنا بندوة عبر الإنترنت نظمتها مؤسسة مثيرة للجدل تابعة لحركة اشتهرت بتبنيها نظريات المؤامرة، ومواقف موالية للنظام السوري وروسيا والصين، كما يتضح لأي متصفح للنسخة الألمانية من موقعه”.

وأضاف عبدالله في حديث مع “المدن”: “كان ليكون للحدث أثر كبير إن تعلق الأمر بمشاركة في مؤتمر ميونيخ للأمن مثلاً، والذي يستضيف أبرز قادة العالم كالرئيس الأميركي، وبمشاركة من المستشارة الحالية أنجيلا ميركل عادة. بالتالي ليس للمشاركة أي صدى على المستوى الألماني من خلال متابعتي، لكون نشاطات المؤسسة المعنية غير متابعة وغير مؤثرة في الأوساط السياسية”، مشيراً إلى أنه على الجانب السوري، “ضخم البعض من المعارضين للنظام على عجل من شأن المشاركة والدعوة، وظهرت دعوات لحثّ المؤسسة على رفض مشاركة بثينة شعبان في وقت كانت الندوة قد انتهت بالفعل”.

في ضوء ذلك، يمكن القول أن حديث شعبان، مثل كل ما يقوم به النظام من محاولات لتقديم سردية بديلة تفسر ما قام به من إبادة جماعية خلال السنوات العشر الماضية، وأفعاله الأخرى الممتدة من الاعتقال التعسفي إلى التهجير القسري، هو جزء من مراهنة رسمية أوسع على النسيان والتشاؤم في السنوات المقبلة، كمحاولة للتنصت من المسؤولية والبقاء في السلطة من أجل إبقاء الكابوس السوري مستمراً لفترة أطول.


عن جريدة المدن الإلكترونية
وليد بركسية
كاتب سوري

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية