كارثة الأمة في شعراء الرمّة – مهرجانات اكشكوزا ..لـ : حسان عزت

حسان عزت
شاعر سوري

وجدتُ نفسي بين أربعينَ كبشاً من أكباشِ الشعر ونطّاحيهِ في مهرجان شعري تحت يافطة كبيرة (احتفالا) لمناسبة مرور عقد على الثورة السورية..وثلاثة أيام ( هكذا)!!

أربعون شاعرا ماعرا.. مدججينَ بمقرضات عصماء، تزعم علاقتها بالثورة، أو ترى الثورة بمنظور بنيتها العقيم، المنعزلة عن الزمن وتطورات، و عن الشعر العربي وتجدده، والثورة في بنيته وكليته ورؤياه من الكون والحياة، والمطلق وجدل الوجود حوله .. بل انقلابِه على مفاهيم الحفظ، والتكرار، وقرع الطبول، والمنبرية والعراضات..

ويا لسوء حظ وخيبةِ من يجد نفسَه في جوقةٍ من أصحاب الكهف الذين لم يدرونَ ماجرى، ولم يعرفوا أن ألف سنة مرت عليهم بعد قطيعتهم عن تطور في الزمن، والوجود والفنون والحياة..

اي نعم.. أربعونَ كبشا

لا يختلف ما قدّموه وطنطنوا به باسم ثورة، عما كان يقدمه شعراء نظام، وبعث من طروحات ولغة وتعبير ومفاهيم شعر البعث..

أنا بعث فليمت اعداؤه

وأبداَ لايختلف ماقدموه إلا بتغيير الأسماء، وتغيير عنوان المناسبة.. من احتفالات 8 آذار و14 نيسان والحركة التصحيحية إلى مرور عقد على الثورة السورية..
بل بعضهم شارك في تلك المناسبات، وبرز هنا بنفس القصيدة.. مع تغيير بعض عباراتها.. فأي ثورة.. وأي شعر وأي احتفال ..!!
وقد سحب أحدهم من خرجه منظومة عمرها أربعين سنة ليتحف البشر والوجود بها، قرعا وندباَ ونفخاَ ومدحاً وعنجهيةً إسلامية وعربية لم تبقِ ولم تذر..
وأبداً كأنّه لم يسمع بثورة سورية، ولا بأحداث تدمير بلد بكامله في مواجهة الثورة وزخمها،والتصدى الإجرامي لها بحرب طاحنة وجيوش احتلال مجيشة ..

هذا أول أصحاب الكهف ومقدمهم ..

وبرز آخر أسموه (شاعر العرب)!! …….. ومن الذي أسماه.. وكيف ََومن أين له.. والعرب هلهول ومركول ومُعَنْعَنْ ..
خرج هذا ولا شمشوم، وكاد ينتف ويمزّق ثيابه وهو يستصرخ صلاح الدين العربي( العربي!! اي نعم) ليردّ عنه وعن أمته البلاء والعدوان، ويحرر له الأوطان.. وكأنني به نافخ بابور كيروسين، أراد أن يفجر به الملكوت ويرد على براميل المكبوت .. لا.. ويصفه مقدم الاحتفال بعد معلقته العظمى.. بأنه أحيا به( بمقدم الأمسية) كل الخلايا الميتة والنائمة!!!!!! .. ولنتصور خلايا ميتة في جثث شعراء طافية، وقد عمّت وخمّت ، وسدّت الأفق بعجاج طبول وسطول وصناجات، في مدح، وقدح للثورة السورية المسكينة ..وقد أتى هذا الباص الترولي من الاكباش الأحناش ليقضي على ماتبقى بالثورة من بقايا روح وحياة..

ومستفعلن فاعلن مستفعلن فعل

وكنت أنا المسكين الحداثي مالديك المنتوف بين هذا القطيع انتظر أن يصل إليّ الدور، وترتيبي العاشر.. في أربعين كبشا يناطحون الهواء والوجود، والكون في كلام، وكلام، وكلام لا حسّ فيه ولا ميزة حتى بافتراع صورة جميلة واحدة جديدة أو غريبة، غير القرقَعةِ والجلجلةَ والطبلُ قد طبطبَ لي والزّمرُ قدْ زمزرَ لي..
ولولا صبري على هذه الغلاظة المهزلة بما منحه الله لي، لمتّ غيظاً وحزناً أنا الذي سأقرأ صلاة بوح وحداد، على دروب آلام.. مات عليها 1400 من أطفال شهداء مجزرة الكيماوي، التي ضرب بها نظام الإجرام شعبنا وأطفالنا في ريف دمشق وشهدها العالم كله، ولم يحرك ساكناً تجاه المجرم الأسدي .
وسألت نفسي : هل ياترى سمعتْ هذه الأكباش التي لاترى في الثورة إلّا تغيير أسماء واستبدال نظام إجرام بباصات.. عليهم ياعرب وياجمال البوبعة.. هل سمعت بثورة مفاهيم وثورة شعر عربي، وثورة حياة ووجود..؟؟
وهل وصل إليها مفهوم الثورة التي تغير كل شيء، وتعيد ترتيب الوجود، والبلد والقوانين وفق تجدد وتجديد، وعلمية ودولة حديثة وفنون متجددة ومناسبة لعصرها ؟؟
وهل وهل…

وهل سمع هؤلاء بشوقي والسياب ونزار وأبو ريشة..وقباني ودرويش.. مع ان مقدم الأمسية ذكر أن سورية سابقة في تجديد الشعر قبل السياب بربع قرن..!! كيف ومازالوا يرطنون بالأوزان، ويفهمون الشعر وصفا، ورصفا ومدحا وقدحا، وانتفاخ اوداج، وشق ثياب، وتحريك ايدٍ وأذرع، وزمجرة وبربرة وهدير شاحنات..
وكأن زلزالا يتميز غيظا في اكباش أرادت أن تنطخ كل شيء.. أي نعم كل شيء لأنها تثور وتفور وتقضي على الاعداء بقوافيها العاصفة المدوية، ولا طائرات الميغ الشهيرة وهي تلقي الحمم ..
أي والله.. وقد فكرت عشرات المرات بالانسحاب والنأي بنفسي بقصيدة وجدان واستجماع أمة في روح..
حتى قضى الله وقرأت قصيدتي، وأنا أتمثل فيها أرواح من قضوا، وأناشد الله أن يسمع ويرى.. وينجيني من هول هذا الباص( الهوب هوب) الذي وجدت نفسي فيه بين أكباش فحول ومن يصول ويجول..

هذا عن بعض بعض ماحدث، ولم أحدثكم عن خراب الزوم والطريق المسطوم، ورحلة الهلهلة والتعبير، والكبش الذي وقع في البير …
حتى رحتُ أردّد ألف مرة مع القاص الأمير مصطفى تاج الدين الموسى عباره الشهيرة :

تعالوا نقتل الشعراء..


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية