في مثل هذا اليوم كتبت ” مريم الحلاق ” : لقد كنت أعلم..!

هكذا نطق قلب الأم في صدري ………..
فُتح الباب، شبان كانوا يحملونه، ألقوه على الأرض وغادروا… كان وجهه بلا ملامح. إنه أيهم، إنه ولدي، شعرت بقلبي يهوي كذلك إلى الأرض. ما معنى ذلك؟ ما الذي رأيته؟ أهو خيال أم حقيقة؟ أم إنه شعور الأم بما أصاب ابنها؟كنت قد دخلت غرفته أوّد أن أصلي صلاة الظهر، فرأيت ما رأيت. هززت رأسي، أغمضت عينَيّ وفتحتهما، لم يكن حلماً، فأنا واقفة على قدمي… شعرت حينها أن ابني الذي اعتقل منذ ستة أيام قد مات. صدق قلبي ما رأى، لكن عقلي أبى أن يصدق. خرجت من الغرفة ولم أعد ثانيةً إليها… وصرت حين يذكر اسمه أردد لا شعورياً: “أيهم الله يرحمه”… بذلت جهداً كبيراً لأبعد هذه الكلمات التي تؤكد إحساسي بموته، دون أن أخبر أحداً بذلك.

كنا قد تركنا بيوتنا في حرستا ، ونزحنا إلى بيت أخي الذي اتسع لنا وقد كنا أربع عائلات. كان ابني “رامي” ينام في غرفة الجلوس، وكنت قد وضعت صورة “أيهم” ضمن إطار جميل إلى جانب التلفاز (لم أفعل ذلك في اعتقاله الأول). كانت الصورة تواجه رامي أثناء نومه، وسمعته يناديني مساء ذلك اليوم: “أمي هل يزعجك إذا طلبت منك أن تأحذي صورة أيهم من هنا؟” غار قلبي مجدداً؛ لا بد أنه شعر هو أيضاً بما أصاب أخاه. لم أسأله عن سبب طلبه، ولم يقل شيئاً بدوره.

تابعت زياراتي لفروع الأمن والسؤال عن مصير ابني أيهم، والبحث في قوائم الأسماء التي تعلق عادة على جدار في القصر العدلي، وكنت أعود منهكة ولا أحمل خبراً…

لا أذكر شيئاً عن ذلك اليوم سوى صوتي وأنا أقول: أنا أعرف، أنا رأيته… أنا رأيته… لقد كنت أعلم بموته….. لقد كنت أعلم…

مرت ثلاثة شهور على اعتقاله، فاستبشرت خيراً؛ ففي اعتقاله الأول أفرجوا عنه بعد تسعين يوماً. نهضت متثاقلة وشعرت بطيف الموت يحوم في البيت؛ قمت بتنظيف البيت ووضع الغسيل المتسخ في الغسالة. حاولت خلع ملابسي التي كنت أرتديها فقد كانت بحاجة للغسل، لكني لم أستطع ..

جاءت صديقتاي، جلستا وتحدثتا بأشياء لم أفهمها، إذ لم أكن أتابع ما تقولانه، ولاحظتا ذلك، فسألتاني عما بي، فقلت: لا شيء… لكن قلبي يحدثني بأن شيئاً ما سيحدث.

مضى نصف ساعة قبل أن تصل إحدى أخواتي متورمة الوجه. سألتها ما بها، ولِمَ تركت عملها وأتت، فلم تجب، واكتفت بسؤالنا: هل شربتن القهوة؟ قلنا: لا… فقالت: أنا أعدّها. دقائق ودخلت أختي الأخرى التي تسكن في دير عطية، عندها شعرت بدقات قلبي تطغى على كل ما حولي، توجهت لأختي بالسؤال: أيهم مات؟ فهزت رأسها بالإيجاب…

لا أذكر شيئاً عن ذلك اليوم سوى صوتي وأنا أقول: أنا أعرف، أنا رأيته… أنا رأيته… لقد كنت أعلم بموته….. لقد كنت أعلم…
٢٠١٣/١/٣١


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية