كان الجيش في أيام الحرب السورية الباردة، قبل الثورة، يسلب غنيمتين: نفقات الجيش، ونفقات الجيش تفترس القسط الأكبر من الاقتصاد الوطني،.. وأموال المجندين، مقابل الإجازة وزيارة الأهل والقطعة العسكرية قربا أو بعدا من المدينة. والفرق بسيط بين زيارات السجناء وزيارات المجندين، في السجن يزور الأهل السجين، وفي الجيش يزور المجند أهله مقابل إتاوة طبعاً.
وكان ما رأينا من صور جيشنا المقدام وهو يتسلى بقتل الناس وإهانتهم، ويحرّر الثلاجات والغسالات الأسيرة من بيوت أصحابها، في غزوه للمدن السورية المستباحة، ويحملها فوق ظهره مثل الجيش الياباني الذي يغيث مواطنيه في الزلازل والفيضانات. أما السيد الرئيس القائد العام للقوات المسلحة، فحصته من التعفيش هي حصة الأسد، وهي أنه قايض تأجير الموانئ السورية، وهي مفاتيح الوطن، مع روسيا، مقابل عرشه، وتنازل لإيران عن الجامع الأموي، وأجاز لها حوزات التشييع وأباح لها اللطم والطبر في شوارع دمشق عاصمة بني أمية، فهذه النكبة تحتاج إلى عرس، والإيرانيون يحتفلون باللطم والطبر والدموع من أجل إيقاد نار الثأر الذي لا ينطفئ.
ثم كان أن رأينا في شهر آذار/ مارس الماضي، أن الأسد يقايض الغانم الثالث، وهي الأمم المتحدة، بعد روسيا وإيران، حتى تتفضّل عليه ببعض المواد الدستورية أو تلطف صياغتها، ويستمر رئيسا لسوريا.
رأينا في شهر آذار/ مارس الماضي، أن الأسد يقايض الغانم الثالث، وهي الأمم المتحدة، بعد روسيا وإيران، حتى تتفضّل عليه ببعض المواد الدستورية أو تلطف صياغتها، ويستمر رئيسا لسوريا
السبي:
لقد أرادت الأمم المتحدة تعفيش الجوهرة الأخيرة، وهي الأسرة السورية، وآخر الحصون الباقية. كل حرب فيها سبي نساء وأطفال، والحرب حتمية ولن تتوقف، وتؤخذ الدنيا غلابا، وكان المسلمون في فتوحاتهم وحروبهم يسبون النساء، فتكاتب المرأة على نفسها إن شاءت، أو يبني بها المسلم، فتنجب، فتعتق بالإنجاب، وتصير أم ولد من غير مكاتبة. أما الغزاة غير المسلمين، فكانوا يغتصبون النساء ويقتلونهن أو يكتفون باغتصابهن إن تكرموا وتفضلوا، وقد اغتُصبت في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية 200 ألف ألمانية.
وكان أن استجاب الأسد لقانون سيداو، فالجزية التي سيدفعها هي نساء وأطفال وتشريعات وليست مالاً، فأصدر تعديلاً لقانون الأحوال الشخصية المستمد من الشريعة الإسلامية، ولم يبق من الشريعة الإسلامية في الدستور السوري سوى أطلال كباقي الوشـم فــي ظـاهـر الـيدِ.
يمنُّ إعلام الأسد بقانون “الأهوال” الشخصية على أهل الذمّة وهم المسلمون السنّة في سوريا، وكأنه الشريعة كلها، وكأنَّ الأسد هو المُلا برادر بربطة عنق. ويُذكر أنَّ قانون الأحوال الشخصية الجديد عُفش ثلاث مرات، واسم الأحول الشخصية في كتب الفقه هو الفرائض، والفرق كبير بين الفرائض وبين الأحوال الشخصية.
يمنُّ إعلام الأسد بقانون “الأهوال” الشخصية على أهل الذمّة وهم المسلمون السنّة في سوريا، وكأنه الشريعة كلها، وكأنَّ الأسد هو الملا برادر بربطة عنق
أول تعفيش بدأه المفوض الفرنسي السامي غابرييل بيو الذي حاول فرض قانون فرنسي للأحوال الشخصية، لكنه جوبه برفض العلماء، فخضع لمجلة الأحكام العدلية، والتي صدرت عام 1867 خلال عهد السلطان عبد العزيز الأول، لكن محاولات فرنسا لم تتوقف، وقد ظننا كل الظنِّ أن فرنسا جلت عن سوريا.
مرَّ قانون الأحوال الشخصية بثلاثة تعديلات يعرفها المختصون، فلم يكفّ فلول فرنسا الحاكمون عن الكرّ على الأسرة التي يصفها التقدميون “بالأبوية”، طعناً وتنكيلاً وتفكيكاً. وفي المقابل، يصفون الأسرة الحاكمة الدموية بأرقّ الصفات، والأب القائد بألطفها، والغاية هي إغراء المرأة على التمرد، وليس إغراء الشعب على الثورة، فكان التعديل الأول عام 1973، والتعديل الثاني عام 2003، والتعديل الثالث كان في القانون رقم 4 لعام 2019، وكلها قوانين تشرّع رفع سنّ الحضانة بشكل مستمر، حتى يجري غسل عقل الطفل في حضن الحاضن الذي سيكون غريباً ومن غير دين المحضون، حتى لا يتهم القانون بالتمييز الديني، وغاية القانون هو الإكراه الديني.
رفعت التعديلات سنّ القُصر، أي أنَّ نمو السوري نقص، ويعني سبي الولد من أبيه أو أمه، والمرأة من زوجها، بزعم الانتصار لحقوق المرأة. ويخشى أن يصير سنّ القاصر السوري أربعين سنة! وهو كذلك حقاً وفعلاً.
وقد رفع القانون الأخير الذي صدر في آذار السالخ سنَّ الحضانة ورفع سنَّ الزواج للبنت، وشدّد العقوبة للشيخ (المأذون) الذي يزوّج خارج المحكمة، واستطاعت الدولة التقدمية تفكيك الأعراف وزاد من الجباية والرقابة في دولة الأخ الأكبر.
قُصر في سنِّ الأربعين:
كما رفع التعديل الأخير سنَّ الزواج للذين يسمونهم بالقُصّر، والقُصّر يختلفون من دولة إلى أخرى، (إستونيا 15، ولاية ماساتشوستس 12، روسيا 16، أورغواي 12 للإناث، النرويج 16) ويلاحظ أن سنّ القاصر في سوريا التي تصف نفسها في الإعلام بأنها سيدة الحضارات، قد ارتفع سبع سنوات وانخفض سنّ الرئيس ست سنوات إبان تولي الأسد القاصر الحكم وراثة عن أبيه الجمهوري، فقد كان أربعين، وصار أربعاً وثلاثين، ثم ارتفع من جديد، فليست العملة وحدها التي اضطربت في سوريا، بل الأعمار والقوانين والتشريعات.
لقد كثر عدد أيتام الحرب، والقانون قد شُرّع لسبيهم، فألغى التمييز الديني في الحضانة، حتى يُخطف الأطفال من دينهم، فالمسلمون السنّة هم من تعرض للقتل والسبي، وقد مُدّ سنُّ الحضانة إلى سنِّ الخامسة عشرة، حتى يعسر إعادته إلى دين أبويه المسلمين.
الخلاصة فيما فهمته من قانون الأحوال الشخصية السورية أنَّ الأب المُفقّر المسجون أو المنفي سيجد ابنه الذي لم يستطع رعايته، وقبل بحضانته من حاضن على غير دينه، قد صار على غير دين أبيه، وابنته قد تزوجت ممن تحبُّ، فالأمر للقاضي في أمر زواجها بعد أسبوعين إن لم يقنعه والداها بحجته في منع الزواج. وإن غازل زوجته أو مسّها فللزوجة أن تقاضيه بدعوى التحرش والاغتصاب!
الخلاصة فيما فهمته من قانون الأحوال الشخصية السورية أنَّ الأب المُفقّر المسجون أو المنفي سيجد ابنه الذي لم يستطع رعايته، وقبل بحضانته من حاضن على غير دينه، قد صار على غير دين أبيه، وابنته قد تزوجت ممن تحبُّ، فالأمر للقاضي
الغنيمة الثانية هي الأوقاف، وكانت مغنومة من قبل، وما الاجتماع الذي دعا إليه بشار الأسد الذي اجتمع بالمؤسسة الدينية إلا احتفالا بالنصر، فخطب في حشد من الشيوخ نصفهم من القبيسيات المتشحات بالسواد، يتبعن سيدة هي الأخت الكبرى، فالأخ الأكبر يحتاج إلى إخوة صغار كما في المافيات، وكان هذا الخطاب تأميماً أخيراً لما سماه المؤسسة الدينية، وتتويجاً لجعل الأوقاف على شاكلة الفاتيكان، والأوقاف صارت جهازاً وليست مؤسسة.. المؤسسات منتخبة، أما الأجهزة فمُعيّنة، فندد الرئيس الذي أمضى قوانين الليبرالية بالليبرالية المحدثة، وبشر بالإسلام الصحيح. لعلّها خطبة الوداع التي بشّر فيها شعبه المتجانس بالدين الصحيح، وكاد أن يقول: اليوم هدمت لكم دينكم وأتممت عليكم نقمتي.
عائد إلى سوريا:
يروي غسان كنفاني في رواية “عائد إلى حيفا” قصة أسرة فلسطينية نكبت بحرب 1948، وتركت طفلها خلدون. كان الأب قد تأخر فخرجت الأم تبحث عن أبي خلدون، وتركت رضيعها، هجم الغزاة ومُنعت وزوجها من العود، فينزحان تاركين طفلهما. يعود الأب والأم بعد حرب 1967 ليجدا أسرة يهودية احتلت بيتهما وحضنت طفلهما، وأنَّ طفلهما خلدون صار اسمه دوف، ويفضّل أن يعيش مع أبويه اليهوديين على العيش معهما، فيندم أبو خلدون لأنه منع ابنه الثاني خالد من الانضمام إلى العمل الفدائي بعد أن رأى فلذة كبده قد سبيت.
سمّى الأب ولده خلدون، وجاء بصيغة تصغير، وسمّى الثاني خالد على اسم سيف الله المسلول، واقتنع لاحقا بالمقاومة، وهذا يعني أيضا أنَّ خلدون وخالد سيقتل أحدهما الآخر.
كل أب سوري هو أبو خالد، وكل أم سورية هي أم خالد. وقانون “الأهوال” الشخصية حيلةٌ لسبي الأطفال السوريين، ونهب جوهرة سوريا وجواهر أخواتها أيضا.