لم تكن بيضة دجاجة، إنها بيضة ديناصور.
قبل ظهور الفضائيات، ومن ثم وسائل التواصل والزيف، كانت الشهرة صعبة، لم يكن ليشتهر إلا فارس، أو شاعر، أو كاتب، أو موسيقار، أو شيخ كار، أو أمير، الأمير أشهر الناس، لكن الإمارة غير متاحة لكل الناس. الإمارة حالياً شبه مستحيلة في مصر، “اللي يقرب لها ح اشيلو من وش الأرض”. في سوريا شالوا الأرض مع شعبها.
للشهرة وسيلتان؛ الفضيلة والرذيلة، الفضيلة طريقها شاق، والرذيلة سهلة جداً. الشُّهْرَةُ: ظُهُورُ الشَّيْءِ فِي شُنْعَة حَتَّى يَشْهَره النَّاسُ. الْجَوْهَرِيُّ: الشُّهْرَة وُضُوح والشَّهْرُ: القَمَر، سُمِّيَ بِذَلِكَ لشُهرته وظُهوره، وَقِيلَ: إِذا ظَهَرَ وقارَب الْكَمَالَ، الشهرة مال غير منقول، هي أفضل من المال، خدمات مجانية وحب في كل مكان، المال لا يتيح الحب، لكن الشهرة تفعله.
الاشتها بطولة.
أرخميدس كاد أن يغرق وهو يبحث عن قانون الطفو، نجا الرجل واشتهر وطفا على مياه التاريخ، ومات عباس بن فرناس وهو يحاول أن يلحق بالقمر، ولحق به الجاحظ قتيلاً تحت الكتب التي سقطت عليه من الرفوف العليا، حاتم الطائي حتى تصدر القائمة القصيرة للكرم، بعد أن ذبح فرسه للضيف، الخيول لم تكن تذبح عند العرب.
أن تصير كالقمر ليس سهلاً، لكن بعض الناس اشتهروا بطرق سهلة، مثل السوري محمد أبو زيد الذي زعم أنه تعرض للقتل، ومثل رئيس منظمة “مؤمنون بلا حدود” يونس قنديل الذي اختلق قصة خطفه وتعذيبه.
لم يعد أصحاب الحناجر الذهبية يحتاجون الى برنامج سوبر ستار، يمكن أن يبثوا أصواتهم على صفحاتهم، لكن ومع ذلك، تحتاج الشهرة إلى بعض الحظ، على سبيل المثال:
اشتهر عبد الناصر لعويني بجملة “بن علي هرب “، وأحمد الحفناوي بجملة “هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”، ومنتظر الزيدي بحذاء قذفه على الرئيس الأمريكي، فتحولوا إلى نجوم في النهار والليل. في كل يوم خبر من تركيا يجعل من أبطال الخبر نجوماً، كأن يشتري تركي تفاحاً من بستان، ويترك المال معلقاً على شجرة، أو يوزع تركي الصدقات سراً على الناس، وهذا يعني أنه حتى يشتهر المرء يجب أن تكون في البلاد فسحة من الحرية يمشي فيها الإعلام على قدمين برأس مرفوعة.
حتى تصير نجماً لا ينفع أن يكون المرء معتقلاً لمدة عقدين، ولا حتى أن يكون شهيداً. زادت السماء مليون نجمة بفضل براميل الأسد ومعتقلاته. لكنها نجوم بعيدة دفنت في الثقوب السوداء ولا ترى حتى بالتلسكوب. كثرة الأبطال تجعل البطولة مشاعاً.
في استراليا اشتهر الفتى ويلي كونولي ببيضة واحدة، وصار نجما وجمعت له أموال، ووصفته بعض وسائل الاعلام حشفاً وسوء كيلة بالمراهق، وكأننا في بحث نفسي، وإذا القوم قالوا من فتى قلت فتى “البيضاء”. في أفضل الأحوال، البيضة التي كانت ستؤكل طيّرت ذِكره في الآفاق مرتين؛ مرةً لأنه كسرها على رأس النائب المليئة بالأفكار العنصرية، ومرةً لأنه قرر أن يتبرع بالمبلغ المتجمع من أجل قضيته أمام المحاكم للضحايا فيما إذا حاكمه النائب “العجة”، والنائب العنصري لم يفعل، لأن قضيته خاسرة، فالفتى دون سن البلوغ، وعنصرية النائب عاقلة.
سوريا ومثلها مصر، بلاد البطل الوحيد. يحوم حول البطل الأول مساعدون، وكومبارس. البطل الوحيد، هو الرئيس، هو القاضي الأول والطبيب الأول والفيلسوف والرمز… مجد الشهرة لا تسمح به السلطات لكل الناس، المشهورون نجوم التلفزيون مثل سلاف فواخرجي، ونجوم الشعر مثل عمر الفرا ودريد لحام نجم الكوميديا، جال بهم النظام على العساكر طوعاً أو كرهاً، من غير أن يشربوا جرعة مسهلة للأمعاء، ومن غير أن يركبهم على حمار بالمقلوب، لرفع الروح المعنوية.
لكن الحرب أتاحت هامشاً للبطولة، ليس الهامش الذي سمح به البطل الوحيد للضحايا لنشر صورهم في الشوارع إلى جانب صورته، ثم طلب إزالتها مؤخراً لأنّه يريد بدء مرحلة جديدة وليس لأنه يغار منهم، إنما الهامش هو الذي خلقته الحاجة، فهي أم الاختراع وأم الأبطال، فقد صبر الموالون الشجعان على الجوع والعطش، لكن غياب الغاز(النار) جعلهم لا يطيقون صبراً، فظهر نجم اسمه بشار برهوم، الطائفة ليست على بوط رجل واحد إذاً.
برهوم يوصف باليوتيوبر، اليوتيوبر لا يحتاج إلى آلة، مثل القلم أو عروض الشعر أو ألوان الرسم، يكفي أن يشغّل هاتفه ويتكلم باللهجة التي يريد، وقد أرسل رسالة شجاعة إلى بشار الأسد، يشكو إليه الفقر والفساد، ويهدد بسحب لقب الأمل منه، فقد بلغت الروح التراقي، فتوّج بطلاً. مخاطبة الرئيس مباشرة من غير كلفة ومراسيم ومطالبته بجرة غاز جريمة وعار، الرئيس ليس بائعاً للغاز، ولا سائق طريزينة يدور في الحارات وينادي على الجرار الفارغة وهو يدق عليها بمفتاح، الرئيس رمز قومي يستقبل ويودع الرؤساء وبجانبه العَلم، هذا سابقا. زعمت آراء بأنّ الرجل صناعة مخابرات، لأن أصحاب هذه الآراء لا تستطيع أن تتصور أمراً مرتجلاً في سوريا، لابد أن يكون كل شيء مدروساً، وإلا لمَ اختفى وسام الطير؟ صار الشيخ “ب ب” نجماً على وسائل الإعلام والتواصل من غير بيضة يكسرها برأس الرئيس، ودعاه طوني خليفة إلى لقاء، بعد شماتته بضحايا نيوزيلندا، لكنه عاد وتجاوز، فقيل إنه اعتقل، لكنه حرٌّ، فالجريمة في الغرب ليست كالجريمة في الشرق، حتى الإمارات رحلّت رجلاً شمتَ بالضحايا، وقد وقف السيسي للضحايا دقيقة صمت. لنتذكر هذا الخبر العجيب: إنّ عصابات نيوزيلندا تطوعت لحراسة المساجد! لقد هرمنا.
ظهر اليوتيوبر بشار برهوم وشمت بضحايا المسجدين، وسخر من جهل القاتل وخيبته، فضحاياه الذين جعلوا نيوزيلندا تقوم ولا تقعد، وتمنع بث الموسيقا إكراماً للضحايا، وهم لا يجاوزون المائة، ودلّه إلى “الرزق” في مكة المكرمة، ثم ثنّى بيوتيوب ثانٍ معتذراً وموضحاً، ثم ثالث، فكان كالذي يكحِّلها فعمّاها. لم لا تقتدي أيها القاتل بالسيد الرئيس، الذي دمّر خمسة آلاف مسجد بمصلّيها، ومئات المشافي بمرضاها، ومئات الأسواق بناسها، فأبادهم عن بكرة أبيهم وجدّهم وعمتهم وخالتهم، وكان يكتب العبارات الطائفية المدهونة بسمِّ الضفدع على البراميل، مثل سفاح نيوزيلندا الذي زيّن سلاحه بعبارات سامة. وبما أن “الشيخ بالشيخ يذكر”، فقد ذكّر شيخ اليوتيوب بشيخ الحداثة أدونيس، الذي ندّد بخروج المظاهرات من المساجد، مع أنّ المظاهرات ضد الظلم فعل حميد في عين الحداثة، ثم ظهر أمس باسل ثالث يدافع عنه في الاتجاه المعاكس، اعترف أن برهوماً صديقه، فلما سمعناه وجدنا أن بشار برهوم أكرم منه.
لقد هلّت البشائر: بشار الأسد وبشار الجعفري وبشار برهوم. قرأت تغريدة لحبيب صالح وهو معارض سوري باسل، تندد بالمساجد وبالإسلام إلا إذا تخلى عن السياسة، السياسة ركن في الإيمان الإيراني. أركان الإسلام ستة في إيران، وركن واحد في سوريا.
يقول الساخر الأمريكي تريفور نوح: لو كان المسلمون إرهابيين لقتلونا بالفلافل ونحن عائدون من السهرة.
ولو أننا جرؤنا على فعلة فتى البيض، ما نزل ديك من ظهر دجاجة إلا للآذان من أجل الصلاة.
يقولون: الإرهاب لا دين له، لكن له مذاهب.
المصدر :
الصفحة الشخصية على منصة الفيسبوك للكاتب أحمد عمر
صحيفةالمدن الالكترونية