تابعت قبل قليل الفيلم القصير لمخرجه الشاب “يمان عنتابلي” 21 عاما – بعنوان ( للعبث يا طلائع ) ولَم أتمالك نفسي من شدة التأثر من هول المشاهد، والتداعيات العميقة للذاكرة، التي خبرت بعضها في سنوات الدراسة الاولى التي أسسها احد أسوأ انظمة القهر الانساني في سورية طوال عقود ..
الفيلم مختزل بطريقة مذهلة، وفيه لمحات عبقرية لمخرج شاب بذهنية متجددة، لست في صدد كتابة تقرير عن محتواه وطريقة صياغته، ولكن ما استوقفني فيه وهزَّ كياني النفسي بعمق هو استناده الى الصورة الوثائقية الحقيقية، وربط الحاضر بالماضي والمستقبل..
وقد يُفَسَّر الفيلم خطأ من بعض اصحاب الخيال القاصر انه يتحدث عن قضية تربوية، تتعلق بذهنية إدارة المسألة التعليمية في مدارس البعث..
ولكنني في أوج انفعالية التوتر عند بناء المشاهد القصيرة والحافلة بالتركيز الخاطف، في طريقة الترميز والتصوير وتعبير الحركة والوجوه، لمست عدة مستويات خلاقة لايصال عمق الفكرة والمحتوى السياسي، والاجتماعي، المطابق للواقع، دون “فذلكات” أنصاف الموهبة من مشاهير المخرجين واسمائهم المتداولة، واستطالاتهم غير المبررة ..
الكاميرا الحاذقة والمتحركة .. للمخرج الشاب الذي اعتمد على فريق يماثله موهبة ابداعية، كانت تتحدث بلمحة، بارعة الذكاء عن المؤسسة الدينية التي ساهمت بمباركة هذه الجريمة، كما استطاعت بالمقابل ان تنقل احساس الغلبة للطفولة المقهورة في سلوك الطفلة التي استعاد المخرج ذاكرتها بلمحة سريعة (Flash Back) وهي تغالب مشاعرها ودموعها وألمها ورعبها من ان تكون هي بالذات المختارة للمساهمة في تنفيذ عقوبة رفيقها في الصف، بإحساس وعفوية إيقاع الرفض الداخلي للطفولة وملامحها المذعورة التي نقلتها عدسة المخرج بروعة وألم قل نظيره، في تصوير لم يتجاوز حدود قاعة الصف المدرسي، في بضعة دقائق من تواتر المشاهد.. والتي تجد حلولها الواقعية في طريقة الاداء، والوجوه، ومصطلحات التربية اللفظية المتبعة في الحياة السورية عامة، وليست محصورة في المدرسة .. وختام المشهد الاخير من الفيلم هو ذاته قصة سورية بامتياز .. تختزل حكاية وريثها المضطرب ذهنيا وذُهانيا .. والذي شابه وجها حقيقيا، عرفه كل العالم ..
خلاصة عجالتي هذه، مفادها انني اقترح ان يعرض هذا الفيلم القصير في مبنى الكونغرس الامريكي، وامام اعضاء المجلس بالعاصمة واشنطن وعلى اعضاء هيئة الامم المتحدة في المقر الرئيس بنيويورك، بحضور المهرج الممثل الشخصي للاسد ونظامه، حتى يحول تراجيديا العرض الى كوميديا ساخرة ..
وهذا الاقتراح ليس بأمر صعب على “مهرجي” المعارضة السورية في العاصمة الامريكية .. ان شاؤوا .. خصوصا انه يستند الى صور حقيقية ومشاهد توثيقية في ختام هذه المأساة الكبرى التي سيكون لها أصداء عالمية واسعة يتقبلها الجمهور الامريكي … اكثر بكثير من غباء المعارضين، المعتادين، وبكائية خطابهم، وسخافة ذهنيتهم …