فتاة سورية تقطع 3500 ميل على كرسيها المتحرِّك هرباً من الحرب

[dt_fancy_title title=”التغريبة السورية / في العمق” title_align=”right” title_color=”accent”]

فتاة سورية تقطع 3500 ميل على كرسيها المتحرِّك هرباً من الحرب

نوجين مصطفى، فتاة في سن المراهقة، أمضت معظم حياتها حبيسة في منزل أسرتها بشقة بالدور الخامس بمدينة حلب في سوريا، ولدت مصابة بالشلل الدماغي، وكان يقتصر اتصالها بالعالم على طبق استقبال بث الأقمار الصناعية فوق سطح منزلهم، ولكنها أجبرت على الفرار من حلب العام الماضي، بعدما كثفت القوات الموالية للأسد ضرباتها.

لم يكن لدى عائلتها ما يكفي من المال لينتقلوا جميعاً إلى بر الأمان في ألمانيا حيث يعيش شقيقها، لذلك بقي والديها في تركيا بينما سافرت هي إلى ألمانيا، على كرسي متحرك تدفعها أختها نسرين.

تروي نوجين بمساعدة كريستينا لامب المراسلة الخارجية المخضرمة، قصة رحلتها المذهلة من دمار الحرب في سوريا على كرسيها المتحرك، واصفةً كيف تغلبت هي وأختها على المهربين، وكيف كانت خطورة القوارب التي تتسرب إليها الماء، وعبور الأسلاك الشائكة حتى يصلوا إلى الحرية، وهو ما يشير إلى حجم المهاجرين الضخم الذي يعيد تشكيل أوروبا.

عندما تواصلت ناشيونال جيوجرافيك مع لامب بالهاتف بمنزلها في لندن، أوضحت لماذا تسمي نوجين نفسها “مهاجرة بالدفع خطوة بخطوة”، وكيف ساعدها برنامج تلفزيوني في ناشيونال جيوغرافيك في نضالها، ولماذا تشعر أن زعماء العالم لا يؤدون واجبهم تجاه حلب.

قطعت نوجين خلال رحلتها من سوريا إلى ألمانيا أكثر من 3500 ميل على كرسيها المتحرك، أعطينا نبذة عن خارطة الطرق التي سلكتها، ووضحي لنا بعض العقبات التي استطاعت أن تتغلب عليها؟.

يجب أن نضع في اعتبارنا أولاً أن تلك الفتاة لم تغادر شقتها أبداً قبل أن تغادر حلب، فقد عاشت في شقة بالدور الخامس، ولم يكن هناك مصعد في تلك العمارة السكنية، وبالتالي كان يستحيل عليها النزول دون أن يحملها شخص ما إلى الأسفل، كما أنها لم تركب أبداً حافلة أو قطار أو قارب أو طائرة، كل هذه الأشياء جديدة عليها.

سافرت الفتاتان من حلب إلى مدينة في الشمال تسمى منبج، وهي أول المدن التي سيطر عليها المتمردون السوريون، إلا أن تنظيم داعش قد انتقل إلى تلك المدينة بعد ذلك، وقطع رؤوس بعض سكانها، وأُرغمت النساء على ارتداء الحجاب، لذلك قررتا الفرار من تلك المدينة. وسافرتا إلى تركيا، ولكنهما أدركتا كما أدرك الكثير من السوريين أن تلك الحرب ستستمر لوقت طويل، ولذلك قررتا السفر إلى أوروبا، فقد سافرتا إلى أزمير التركية بالطائرة، حيث يقصدها الكثير من اللاجئين بسبب وجود العديد من المهربين الذين يستطيعون تدبير سفرهم إلى اليونان بالقوارب.

استغرق الأمر بعض الوقت، وذلك نظراً لخطورة السفر بالقارب على الفتاة التي تستخدم الكرسي المتحرك في أحسن الأحوال، كما أنه من المفترض أن تحمل هذه القوارب المطاطية بحد أقصى 15 شخصاً، إلا أن ما يحدث في الحقيقة أن هذه القوارب تحمل من 50 إلى 60 فرداً، إضافةً إلى أن نوجين تستخدم كرسي متحرك معدني، والذي قد يتسبب في ثقب القارب المطاطي في أي لحظة، وقد قال أحد أقاربها الذي كان مسافراً معها “إذا كان الكرسي المتحرك حاد بالفعل، سوف نتخلص منه”، ولكن لحسن الحظ لم يفعلوا ذلك.

صادف اليوم الذي عبرتا البحر فيه، نفس اليوم الذي جرفت الأمواج فيه الطفل أيلان كردي ذو الثلاثة أعوام إلى الشواطئ التركية، كان الطفل كردياً مثل نوجين وأختها، وقد قالت الفتاتان إنهما إن كانتا قد سمعتا عن تلك القصة قبل عبورهما بالقارب، كانتا سترفضان القيام بالرحلة.

بعدما وصلتا إلى لسبوس في اليونان، استغرق الانتهاء من بعض الوثائق اللازمة للسفر إلى أثينا قرابة الأسبوع، ثم سافرتا من أثينا إلى سالونيكا ثم إلى مقدونيا، وقد كان هذا هو أول مكان به صعوبات حقيقية، فمع مرور الوقت سئم حرس الحدود في هذه البلاد من كثرة توافد اللاجئين إلى هذا المكان، إذ بدأت مقدونيا في استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع لإجبار اللاجئين على العودة، إلا أن الفتاتين قد تمكنتا من العبور، ومن ثم توجهتا إلى صربيا.

أعدت نوجين قائمة بضروريات المهاجر الناجح، حدثينا عن تلك القائمة

أكثر الأشياء أهمية هو الهاتف، إن لم يكن لديك أي شيء آخر، فأنت بحاجة إلى الهاتف، إذ يتبادل الناس المعلومات عن أفضل الطرق الواجب سلوكها من خلال مجموعات الفيسبوك والواتس آب، كما يمكنك بواسطة الهاتف الاطلاع المستمر على المتغيرات في البلدان المختلفة، كإغلاق المجر حدودها.

تحتاج أيضاً إلى المال، وتقول نوجين إن التحدث باللغة الإنجليزية مفيد للغاية، إذ يمكّنك من التواصل مع الناس على طول الطريق، ومكّنها كذلك من الترجمة للآخرين.

دائما ما كانت نوجين تشعر أنها ليست ذات فائدة بسبب إعاقتها، ولكن خلال تلك الرحلة، اكتشفت أنها تستطيع مساعدة الآخرين عن طريق الترجمة لهم، وكتبت نوجين أيضاً في تلك القائمة، إن من الضروريات التي تتعلق بحالتها الشخصية، وجود أختها إلى جانبها لتدفعها طوال الطريق.

لقد شاركتِ في تأليف كتاب قبل عدة سنوات عن فتاة مسلمة (ملالا يوسفزي هي ناشِطَة باكستانية في مَجال تعليم الإناث، وأصغر حاصلة على جائزة نوبل على الإطلاق) أخرى، ألهمت العالم بشجاعتها، هل تعتبر نوجين، ملالا جديدة؟

تقول كريستينا ضاحكةً بالفعل نعم، يبدو أنني امتهنت الكتابة عن الفتيات الملهمات ما بين سن 16 و17 سنة، ولا أتصور أحداً يمكنه أن يكون ملالا أخرى على الإطلاق، ولكن ما أعجبني أن كل منهما عاشتا ظروف صعبة للغاية في بلادهما، وسلكتا رحلات محفوفة بالمخاطر بشتى الطرق.

كلا الفتاتين شديدتا الحرص على التعليم، إذ أن ملالا قد خاطرت بحياتها من أجل الذهاب إلى المدرسة، أما نوجين لم تتسنَّ لها الفرصة للذهاب إلى المدرسة، بسبب عدم وجود المؤسسات اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكنها استطاعت تعليم نفسها اللغة الإنجليزية من خلال مشاهدة التلفزيون، إضافةً إلى اكتسابها كل تلك الحصيلة المعرفية للتاريخ والعلوم من خلال مشاهدة الأفلام الوثائقية.

هناك قواسم مشتركة أخرى بينهما ساعدت في سهولة التعامل معهما، إذ أن كل منهما تتمتع بحس كبير للفكاهة، كانت ملالا مقلدة جيدة جداً وتحب سرد النكات، أما نوجين كانت تضحك كثيراً، ودائماً ما تنظر إلى الجانب المشرق، من خلال عملي صحفيةً، كثيراً ما يتضمن ذلك العمل إعداد التقارير عن أشياء قاسية ومروعة، لذلك إنه من الرائع أن أعمل مع أناس لديهم قدر كبير من التفاؤل رغم كل ما واجهوا من صعوبات.

الأخبار المروعة الواردة من مدينة حلب مسقط رأس نوجين تتزايد كل يوم، هل خيب الغرب آمالها بعدم التدخل في الأمر؟

[dt_fancy_image image_id=”17744″ lightbox=”true” width=”” align=”center” animation=”zoomIn”]

لقد قابلتها منذ عشرة أيام تقريباً، كان أول ما قالته لي إنها “غاضبة”، وعندما سألتها عن السبب، وكانت قد وضعت للتو تقويم أسنانها، اعتقدتُ لبرهة أنها غاضبة بسببه، إلا أنها كانت سعيدة به، ولكنها كانت غاضبة بسبب ما يحدث في حلب.

قالت نوجين “أعتقد أن زعماء العالم لم يؤدوا ما عليهم تجاه حلب، إذ يجب عليهم إنقاذ الأرواح، ولكنهم لم يفعلوا ذلك”.

كيف تعرفتِ إلى نوجين؟

لقد كنت في المجر في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث تم بناء ذلك السياج الكبير، وقد كنت على الجانب المجري في اليوم الذي أُغلقت فيه الحدود، بينما لم يتمكن الكثير من الناس العبور من الجانب الصربي، إذ كان يعبر الحدود في ذلك الوقت ما بين 3000 و4000 شخص يومياً، ومن بين هؤلاء كانت نوجين على كرسيها المتحرك”.

كان الناس يدفعونها إلى الأمام ظناً منهم أن المجريين سوف يشعرون بالأسف تجاه فتاة على كرسي متحرك وبالتالي سيفتحون لها الأبواب، إلا أنهم لم يفعلوا، لم أستطع التحدث معها في ذلك اليوم بسبب وجودي على الجانب الآخر من السياج، سمعت بعد ذلك أن فيرجال كين من قناة BBC قد أجرى مقابلة مع نوجين، وهو ما أسعدني جداً، لأن فكرة أن يقطع شخص ما كل تلك الرحلة القاسية على كرسي متحرك تبدو شيئاً مذهلاً”.

أهم ما يملكه اللاجئون خلال رحلتهم هو الهاتف الذكي، فبدونه لن تستطيع الحصول على معلومات عن وجهتك، ولا عن المهربين، ولا عن الطرق التي تسلكها، وقد حصلت على رقم هاتف نوجين، ومن ثم قابلتها هي وأختها، وكانتا قد وصلتا في ذلك الوقت إلى نقطة نهاية رحلتهما في ألمانيا”.

وصل ما يقرب من 1,200,000 لاجئ إلى أوروبا، وبمرور الوقت بدأت القصص تندمج مع بعضها البعض، وهو ما يعتبر مسألة خلافية بالنسبة لكثير من الناس، فهناك الكثيرين ممن يتخذون موقفاً مناهضاً للاجئين والمهاجرين، وبالتالي كان ثمة طريقة لقول، انتظروا دقيقة، هناك العديد من البشر الذين قد يكونون سبب سعادتكم، ولابد من التعاطف مع أولئك الذين يسعون فقط لعيش حياة طبيعية، من يريدون الاستيقاظ صباحاً وغسل أسنانهم والذهاب إلى المدرسة، والرجوع إلى منازلهم بأمان في المساء.

قالت نوجين مازحةً إنها وأختها "مهاجرتان بالدفع خطوة بخطوة"، ماذا كانت تقصد بذلك؟

يدفع بعض الناس المال للمهربين مقدماً تكاليف الرحلة بالكامل، بينما حذى الآخرون حذو نوجين، إذ يستعينون بشخص ما كل يوم، وفي كثير من الأحيان لا يكون هذا الشخص ممن يعملون في التهريب، فقد يكون مجرد سائق سيارة أجرة أو بالقطار، ويدفعون مقابل الانتقال في كل مرحلة على حدى، أحد الأشياء التي لا يعرفها الناس عن معاناة اللاجئين، أن تلك الرحلة مكلفة للغاية، إذ تبلغ تكلفة هذه الرحلة ما يقرب من 6000 يورو.

كلما يتنقل اللاجئون من مكان لآخر، يرسل لهم أقاربهم المال عن طريق ويسترن يونيون طوال الرحلة، إلا أن عائلة نوجين لم تكن ميسورة الحال، إذ كان والدها يبيع القليل من الأغنام والماعز، ولكن شقيقها مصطفى الذي كان يعمل في حفر آبار المياه، بينما يعمل حالياً في بيع السيارات، هو من كان ينفق على الجميع، ومن سخرية الأقدار أن مصطفى ما يزال عالقاً في سوريا.

بالرغم من كل تلك الصعوبات، إلّا أنَّ نوجين تعاملت في أغلب الأحيان مع هذه الرحلة وكأنها مغامرة، فعندما وصلت إلى النمسا على سبيل المثال، ابتهجت جداً بفيلم صوت الموسيقى.

[dt_fancy_image image_id=”17743″ lightbox=”true” width=”” align=”center” animation=”zoomIn”]

نوجين من نوعية الأشخاص الذي لديهم حصيلة هائلة من المعلومات، فهي تتذكر أي شيء تخبريها به أو تشاهده على التلفزيون، قبل مغادرتها حلب، بحثت على جوجل عن الطرق التي ستسلكها، وكانت متحمسة جداً للذهاب لتلك الأماكن، عندما كانت في صربيا، أرادت أن ترى المطعم الذي يملكه نوفاك ديوكوفيتش لاعب التنس المفضل عندها.

يجب أن نأخذ في حسباننا أن نوجين دائماً ما كانت تتلقى الصدمات أثناء تحركها على كرسيها المتحرك، إلا أنها لم تذكر قط أثناء كل أحاديثنا معاً أنها منزعجة أو متضررة من حالتها، بل قالت إنها لم تدرك مدى خطورة الأمر حتى وصلتا إلى سلوفينيا، وتم احتجازهما في مركز اعتقال.

عندما وصلتا إلى ألمانيا، قالت إنها شعرت بالحزن لأن الرحلة قد انتهت، وكانت تفكر في أنها سترجع إلى حياتها القديمة، مجرد فتاة جالسة بصمت في أحد الغرف، وغير قادرة على الخروج، إلا أنها تعلمت أشياء لم تكن لتتعلمها في سوريا، مثل لعب كرة السلة على الكراسي المتحركة، وارتداء ملابسها بنفسها من خلال تواجدها في مدرسة متميزة لذوي الاحتياجات الخاصة في ألمانيا.

تتمتع نوجين بحياة حالمة خصبة بشكل غير عادي، إذ كان التلفزيون أكبر مصادر الإلهام بالنسبة لها، والتي قالت عنه إنه "مدرستها وصديقها"، هل كان هناك برنامج معين يمثل لها أهمية خاصة؟

لقد أصبحت نوجين مهووسة بالمسلسل التلفزيوني الدرامي الطويل الأميركي Days of Our Lives، وبالأخص قصة حب إي جي وسامي، كما أجرت نوجين أثناء تواجدها في ألمانيا مقابلتين تلفزيونيتين مع قنوات أميركية، وتحدثت عن مسلسل Days of Our Lives. رأى أحد كتاب المسلسل هذه المقابلة، وخصص جزءاً من برنامج John Oliver لمقابلة كل من إي جي وسامي والذين انتهى دورهما في المسلسل، إذ حضرا معاً وتحدثا عن نوجين، إنه شيء رائع أن تشاهد نوجين هؤلاء الناس لسنوات عبر التلفاز في سوريا، وتعجب بهم، وفجأة يتحدثون معها.

اعتادت نوجين أيضاً أن تشاهد الكثير من الأفلام الوثائقية التي تعرضها قناة ناشيونال جيوغرافيك أثناء تواجدها في سوريا، وقد استفادت من أحد تلك الأفلام خلال رحلتها، عندما كانوا في انتظار عبور البحر من الجانب التركي إلى الجانب اليوناني بالقارب، بدأت الأمواج في العلو، بينما كان القارب الذي يستقلونه قديماً وتظهر عليه بعض اللحامات، وكانوا شديدي القلق من تسرب المياه إلى داخل القارب، فتمكنت من تهدئة نفسها بتذكر برنامج Brain Games وكيفية السيطرة على التوتر.

ما هو أكثر شيء أعجبك في شخصية نوجين؟ ولماذا تعد قصتها مهمة خاصة بالنسبة للشباب؟

أكثر ما أعجبني بها هو روحها العالية، لم تسمح نوجين لأي شيء على الإطلاق أن يحبطها، فبالرغم من إعاقتها، بالرغم من الفظائع التي تحدث في سوريا، كانت دائماً ما تنظر إلى الجانب المشرق، محاولةً تثقيف نفسها، ومساعيها كي تظهر للناس أن اللاجئين هم بشر مثلنا تماماً، فهم ليسوا مجرد أرقام، وهناك العديد من تلك القصص، وقصة نوجين إحدى هذه القصص، كما أن نوجين تمتلك ابتسامة رائعة.

[dt_quote type=”pullquote”]

هذا الموضوع مترجم عن موقع nationalgeographic. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ترجمة هافينغتون بوست عربي

[/dt_quote]

[dt_breadcrumbs]

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية