“موين موين (صباح الخير). أنا خليل خليل من بادن بادن”، هذه هي التحية التي يلقيها اللاجئ السوري على من يقابله في مدينة بادن بادن التي احتضنته بعد وصوله إلى ألمانيا. تعكس هذه التحية روح الفكاهة التي يتمتع بها خليل الذي يحاول توظيف التكرار في اسمه وفي اسم المدينة ليرسم الابتسامة على وجوه الناس.
لكن ليست روح الفكاهة فحسب هي ما تجعل خليل (30 عاماً) قريباً من الناس المحليين من حوله، بل إتقانه اللغة الألمانية الفصحى بالإضافة إلى لهجتين محليتين في جنوب غربي ألمانيا وهما “شفيبيش” و”باديش”.
يقول خليل الذي يعيش في ألمانيا منذ أربع سنوات لمهاجر نيوز: “بالطبع الألمان يستطيعون التحدث بلهجاتهم المحلية، لكن ما لاحظته هو أن كثيرين منهم لا يعرفون كيف يشرحونها، ولذلك أقوم بشرح اللهجتين بأسلوب أكاديمي ومسل بنفس الوقت من خلال فيديوهات ثقافية وترفيهية”.
اللهجات تعكس شعوراً بالانتماء
الفيديوهات التي ينتجها خليل وتنشرها إذاعة جنوب غربي ألمانيا (SWR)، جعلت نجمه يسطع في ولاية بادن فورتمبيرغ التي يقيم فيها، حتى أن وسائل إعلام محلية تطلق عليه لقب “عبقري اللغات”. وقد حظي خليل بالتكريم من إدارة الولاية ونال “ميدالية الوطن” التي تمنح للأشخاص الذين لهم دور في المشهد الثقافي والاجتماعي في الولاية.
وأشار خليل على هامش حفل التكريم إلى أن التحدث باللهجات المحلية يعكس شعوراً بالانتماء إلى المنطقة، مضيفاً أن الوطن ليس مسألة مكان بل مسألة شعور. من جانبها أكدت وزارة الثقافة في ولاية بادن فورتمبيرغ أن خليل “نموذج مشرق للاندماج الناجح”
وعن تعلمه اللغة في ألمانيا يقول خليل لمهاجر نيوز: “بطبيعتي أحب اللغات كثيراً وبالإضافة إلى ذلك فإنني أدركت عند وصولي إلى ألمانيا أنه لا يمكن للمرء أن يكون له تأثير إلا بإتقان اللغة ولذلك تعلمتها ثم تعلمت اللهجتين من خلال التواصل مع الناس وقراءة الكتب”.
ويتحدث خليل، الذي ترعرع في مدينة حلب السورية، الكردية والعربية والتركية والإنكليزية. ورغم أنه كان يريد عند بداية وصوله إلى ألمانيا الاستمرار بعمله كمحام، حيث أنه حاصل على إجازة في الحقوق، إلا أن عدم إمكانية ممارسة عمله في ألمانيا جعله يغير مساره المهني.
بناء جسور بين الثقافات
ويقول: “منذ عام تقريباً أقوم بتدريب مهني لدى إذاعة جنوب غربي ألمانيا (SWR) كتقني إعلامي (فني صوت وصورة)، لكنني أسعى إلى أن يكون لي في المستقبل برنامج ساخر أجمع فيه الناس من ثقافات مختلفة من أجل بناء الجسور بينهم”.
ويشير اللاجئ السوري إلى أنه مرّ بصعوبات عند بداية وجوده في ألمانيا، ويوضح: “كان يجب على المرء أن يضغط على نفسه قليلاً ليتعلم اللغة، بالإضافة إلى البيروقراطية وصعوبة إيجاد مسكن، لكن بعد تعلم اللغة تختفي الصعوبات لتصبح مثل الصعوبات التي يعاني منها الألمان أيضاً”.
ولا يخفي خليل أن هدفه من تعلم اللغة الألمانية واللهجتين المحليتين كان منذ البداية أن يكون متميزاً ليصبح مثالاً لاندماج اللاجئين في المجتمع وليظهر أن هناك لاجئين يتقنون اللغة الألمانية، ويضيف: “وجود نماذج ناجحة للاندماج يساعد المجتمع على مجابهة الأحزاب”.
ويرى خليل أن الاندماج لا ينجح إلا إذا ساهم فيه اللاجئون والألمان معاً، ويوضح: “بعض العادات التي نجلبها معنا كلاجئين ليست مقبولة وعلينا تغييرها، بالمقابل هناك مبادئ وقيم في المجتمعات التي أتينا منها لا يمكننا أن نستغني عنها وعلى الألمان أن يتقبلوا ذلك”، ويتابع: “على كلا الطرفين تقديم ما قد يرونه تنازلات من أجل أن ينجح الاندماج”. ويؤكد خليل على أن الاندماج بالنسبة له ” لا يعني الاستغناء عن القيم والعادات”.
ويعتقد اللاجئ السوري أن المشكلة الأساسية في ألمانيا هي التركيز على ما يفرق الألمان واللاجئين وليس على ما يجمعهم، ويضيف: “يتم التركيز على نقاط الاختلاف عوضاً عن النقاط المشتركة بين الثقافات، وهذا خاطئ”، ويتابع: “عندما نركز في البداية على النقاط المشتركة يمكننا فيما بعد مناقشة نقاط الاختلاف ثم يمكننا الوصول إلى حل مشترك، لتحقيق العيش المشترك والوصول إلى مجتمع حقيقي متعدد الثقافات وهذا ما هو مطلوب في ألمانيا في الوقت الحالي”.