يعتمد هذا النص على الوثائق والنصوص والشهادات التي جمعها الكاتب ووثقها من بعض شهودها الحقيقيين.
وقف قائد الجيش السوري آنذاك الزعيم حسني الزعيم قبل نهاية عام 1948 مفشيا السر الخطير لأول مرة أمام عديله نذير فنصة قائلا: (الإسرائيليون اتصلوا بي).
في حقيقة الأمر أن (بن غوريون ) رئيس الوزراء الإسرائيلي قد وجه رسالة سرية مباشرة بواسطة السفير الفرنسي لقائد الجيش حسني الزعيم ، بعد نجاح هذا الأخير في القضاء على الثورة الجماهيرية والتظاهرات التي هاجت في مختلف المدن والمحافظات السورية ، كان أعنفها في مدينتي حلب ودير الزور بالإضافة الى دمشق ردا على الهزيمة النكراء للجيوش العربية الجرارة في معركة فلسطين وقيام الدولة العبرية في الخامس عشر من أيار من ذات العام . ولا يمكن اليوم تأكيد حقيقة هذه الاتصالات إلا عبر الوثائق والشهادات الإسرائيلية ، إذ أن ظروف الصراع الذي امتد لعقود ساهم في تغييب الحقائق من الجانب السوري … وليس أمامي هنا سوى شهادة نذير فنصة كما ًاسَرَّ بها الزعيم اليه .. حينها .. ومذكرات بن غوريون عن لقاءات موفديه برياض الصلح .
ما قاله الزعيم بالحرف: (بن غوريون أرسل الي رسالة عبر السفير الفرنسي يقول فيها أنه سيدعم أي تحول للسلطة في سورية .. فيما لو قمت بخطوة انقلابية على الرئيس القوتلي ..) .
هذه الرسالة أكدتها ثلاثة أمور أولها نجاح الانقلاب كما كان مخططا له، والدور الذي لعبه فيه الوزير الأمريكي المفوض في دمشق الكولونيل ميد، بعد أن أصبح الزعيم رئيسا للجمهورية تم ترتيب اتفاقية الهدنة مع إسرائيل وكان هو الأمر الثالث والأهم في ذلك الحين ، ففي الساعة الرابعة بعد ظهير يوم العشرين من تموز يوليو 1949 وبعد أقل من أربعة اشهر على انقلاب الزعيم توجه أعضاء الوفد السوري في مفاوضات الهدنة برئاسة الزعيم (عميد) فوزي سلو – أصبح رئيسا للدولة في عهد الشيشكلي – وعضوية العقيد الطيار محمد ناصر – اغتيل فيما بعد – والرئيس (نقيب) عفيف البزرة – أصبح رئيسا لهيئة الأركان – والدكتور الحقوقي المستشار صلاح الطرزي – عين فيما بعد سفيرا لسورية في مصر ومن ثم موسكو – الى خيمة الأمم المتحدة بحضور المسيو فيجة والجنرال رايلي مع الوفد الإسرائيلي الذي كان حاضرا، وتم تبادل الخطب بين الطرفين والتوقيع على اتفاقية الهدنة بين سورية و إسرائيل .. كان حسني الزعيم قد اقترح سلما منفردا مع إسرائيل في السادس من نيسان عام 1949 مقابل نصف بحيرة طبريا كما تنص عليها مذكرات بن غوريون في وثائق الخارجية الأمريكية ص 990 ، وتثبت أنها ضغطت على بن غوريون كي يجتمع مع حسني الزعيم بشهادة المبعوث الأمريكي الى إسرائيل جيمس ماكدونالد . في الثالث عشر من أيار كتب المفتي الحاج أمين الحسيني الى عادل أرسلان وزير الخارجية في الحكومة التي ترأسها الزعيم يرجوه فيها بأن لا تعترف سورية بإسرائيل.
يروي رئيس مفرزة الأمن سامي جمعة في كتابه (أوراق من دفتر الوطن)الذي قدمه له العماد مصطفى طلاس ، وجمعة كان المكلف بحراسة فندق بلودان الكبير، وهو المقر الذي يجتمع به الزعيم مع كبار الشخصيات السياسة، وقال انه شاهد شخصية غريبة ترتدي لباس الجيش السوري استقبلها حسني الزعيم خلال صيف عام 1949 ، وعند تحريه عن هذه الشخصية الغامضة ، تبين له أنها كانت لموشيه شاريت وزير خارجية إسرائيل، و يؤكد هذه الرواية في مذكراته الأمير عادل أرسلان، لكن في وثائق الخارجية الإسرائيلية وفي أكثرها سرية لم يرد أن وزير خارجية إسرائيل قد زار سورية سرا وبالخفية، وأن هذه الرواية حسب شخوص تلك المرحلة وشهادات ضباط استخبارات سوريون يعرفون جمعة .. نفوا هذه الرواية باعتبارها عملا غير مقبول لكي يصمت عنه الساسة وكبار ضباط الجيش، أو ادعوا عدم معرفتهم به فقط سامي جمعة كان الشاهد الوحيد عليه، وهذا ما قاله لي شخصيا واحدا من كبار شهود تلك المرحلة بأن شهادة جمعة لم تكن ذات مصداقية، كما نفاها نذير فنصة في وثيقة أمتلك نسختها الاصلية بعد صدور كتاب سامي جمعة عام 2000..!!
جوهر الحقيقة تعود الى ما قبل عام وأكثر، عندما التقى رياض الصلح رئيس وزراء لبنان برئيس الدائرة العربية في الوكالة اليهودية، المولود في دمشق إلياهو ساسون في فندق البريستول بباريس صيف عام 1948، ويبدو جليا من سير الأحداث أن الصلح نقل رسالة ساسون الى حسني الزعيم بواسطة عديله بالمصاهرة أمين عام رئاسة الجمهورية الدكتور محسن البرازي ونقلها البرازي الى حسني الزعيم قائد الجيش أنذاك بحكم صداقته القوية به وقد اختاره بعد توليه رئاسة البلاد كآخر رئيس للوزارة حيث أعدم الاثنان في انقلاب سامي الحناوي.
لقد أراد إلياهو ساسون الذي كان مندوب الجالية اليهودية لسورية في المؤتمر القومي السوري الذي استقبل الأمير فيصل بن الشريف حسين وملكه على سورية قبيل هجرته الى فلسطين وانضمامه الى القسم السياسي للمنظمة الصهيونية اختراق الزعماء والنخب السياسية والقيادية في العالم العربي، بحكم معرفته الأسبق لغالبيتهم، وكانت له علاقات طيبة وودية مع أكثرهم، وفي سابق اللقاءات في تلك المرحلة كان قد تم لقاء بين جميل مردم بك مع إلياهو ساسون عام 1936 في باريس، ألحقه باجتماع موسع في العام الذي يليه 1937 ضم اليه وزير الدفاع آنذاك شكري القوتلي وفخري البارودي الذي كان يرأس التنظيم الشبابي شبه العسكري (القمصان الحديدية).
في الخمسينات كانت المعركة في سورية استخباراتية بامتياز لعبت خلالها شركات النفط والأسلحة دورا بارزا في تأجيج الصراع ، تدخلت فيها بنوك أوربية في تلك المرحلة التاريخية بقيت أسرارها الى اليوم في الظلال، لتبدأ ملامح المرحلة الجديدة بالتقدم، بعد التأميم وصعود نجم جمال عبد الناصر لحين استلامه مقدرات سورية ,و تنتهي أحلام الوحدة النهاية المعروفة والمتوقعة لعهد المباحث ، باعتبار إسرائيل العدو رقم واحد للشعب العربي، وكان أي اتصال عبر القنوات السرية بهذا العدو يعد خيانة بلغت فيها تصورات الكراهية للدولة المعتدية أبعادا أكثر عنفية للتهيئة لرسم حدود جديدة أحدث كما تحدث عنها الصحفي الهندي كارانجيا في كتابه الشهير( خنجر إسرائيل ) بأن الدولة العبرية ستعمد الى احتلال أراض جديدة للعرب وتفاوض عليها وكانت تلك هي الطريقة الأسلم لقبول إسرائيل في المحيط العربي ..كما ستضح الصور اللاحقة والكاملة للصراع.
في وثيقة بالغة الأهمية كتبت بخط العقيد إبراهيم الحسيني رئيس الشعبة الثانية للجيش السوري – المخابرات – ( اغتيل العقيد الحسيني بعد بضع سنوات في ظروف غامضة في المملكة العربية السعودية ) ، وجهها الى الرئيس جمال عبد الناصر عام 1957 ( كان حينها ملحقا عسكريا في السفارة السورية بروما ) من أربعة عشر صفحة من القطع الكبير .. قدر لي الاطلاع عليها ودراسة تفاصيلها عن التصعيد الاستخباراتي الإسرائيلي الواسع في سورية و توجه إسرائيل ليس للاتصال بعدد من الشخصيات السورية السياسية والعسكرية فحسب ، بل وتهيئتهم لاتخاذ أدوار مستقبلية ، ويتابع أن بعضهم قد تم تجنيده فعلا من قبل الموساد الإسرائيلي ، وبعد مرور بضعة سنوات على قراءة عبد الناصر لهذه الوثيقة ‘ و في الرابع من كانون الثاني عام 1965 يعلن نظام البعث الحاكم في سورية الكشف عن الجاسوس الإسرائيلي .. إيلي كوهين الذي بقي يعمل ثلاث سنوات بحرية مع كبار الضباط و صغارهم والساسة البعثيين ، اخترق خلالها الجبهة السورية أكثر من مرة ‘ واستخدمت قضية اكتشافه لإيقاد الصراع القائم آنذاك بين رفاق و فرقاء الحزب و تكتلاته ، وكان بينهم شخصيات قوية تم القضاء عليها فيما بعد كسليم حاطوم و بدر جمعة – أعدما فيما بعد – أو منهم أقيل و ثم سجن .. كاللواء سويداني ومنهم من غدا رئيسا للاستخبارات السورية و كان حينها ملازم كاللواء محمد ناصيف والرائد حافظ الأسد الذي رفع الى رتبة لواء في العام 1964 ومنهم من صار وزيرا لأكثر من مرة في عهد الأسد الأب , بالرغم من أن كوهين كان تدريبه متعجلا في إسرائيل فلم يكن ذلك الجاسوس الأسطورة كما حاولت الروايات أن تصوره الا أن شهادة عدد من شهود قضية كوهين تؤكد أن حافظ الأسد كان من بين المترددين على كوهين ‘ ولكن لم يجرؤ أحد من الضباط المقالين أو المتقاعدين على تأكيد هذه الشهادة ‘ و لا زالت هناك إشارات استفهام عالقة حول قضية المحيطين بكوهين الذين حقق معهم اللواء صلاح الضلي ‘ وقال شهادته الخطيرة قبل رحيله في أركان الحكم البعثي ، الذي كان هو واحدا من أبرز نجومه ، وفي شهادة أحد المقربين من تلك الواقعة يؤكد فيها أن كوهين قدر له بواسطة أحدهم من اختراق المحرم من المطار، وهو برج المراقبة للمطار المدني والعسكري القائم آنذاك في المزة حيث كان في زيارة لأحد أصدقاءه من العاملين في البرج أسمه إيلي الماظ، مكنته إطلالته تلك الاطلاع على حجم القوة الجوية الرابضة في المطار العسكري ، وتؤكد مجريات التحقيقات أن الضلي قد أغفل تتبع خيوط هذه الزيارة ، والتي ماكانت لتتم دون موافقة من حافظ الأسد الذي كان وقتها قائدا للقوى الجوية .
هل التقى حافظ الأسد بالإسرائيليين في لندن عام 1965 ؟
في العام 1965 كان حافظ الأسد في لندن ورافقه فيها نائبه في قيادة سلاح الجو ناجي جميل والدكتور يوسف الصايغ (اغتيل عام 1980) وبقي فيها لمدة ثلاثة أيام للعلاج كما أشيع آنذاك ، ولكن وثائق وزارة المستعمرات البريطانية تشير الى أنه التقى شخصيات من حزب العمال البريطاني ووزارة المستعمرات بما فيهم الوزير اللورد تومسون وليس في الوثيقة البريطانية عن هذه الزيارة ما يثير الريبة سوى أنها تلقي الضوء على شخصية الأسد بكونها سلبية، بحسب الوثيقة، و لكن خلف هذه الزيارة، أشار عبد الكريم الجندي قبيل (انتحاره) أن حافظ الأسد التقى فيها سرا بأحد ضباط الارتباط الإسرائيليين، ولكن لم يستند أحدهم الى أي وثيقة ظهرت الى العيان حتى اليوم.
لكن الأحداث التي تنبئ عنها ظلالها كما يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، تؤكدها التصفيات الواسعة التي تمت أنذاك والصراعات الخفية والعلنية في القيادات البعثية بجناحيها العسكري والسياسي تؤكد كلها أن صعود نجم حافظ الأسد لم يكن ليأتي من فراغ كما أكد لي ذلك كثر من رفاق دربه من البعثيين أنفسهم ومنهم من كان بجانبه سنوات طويلة قبل استلامه مقاليد الحكم في سورية رسميا عام 1971.
في شهادة أحمد أبوصالح مع أحمد منصور في الجزيرة، يؤكد فيها أن بدر جمعة عندما حقق مع حافظ الاسد في مطار الضمير بحضور شهود آخرين من القياديين البعثيين عن إتصالاته في العاصمة البريطانية ولقاءاته مع شخصيات سياسية مشبوهة بحكم أنه ذاهب للعلاج وليس في مهمة رسمية تعتبر في الموروث الحزبي البعثي جريمة خيانة، رفض الأسد الإجابة بكونه لايقبل هذه الإتهامات، مهددا بقصف مكان الإجتماع وتدمير دمشق بالطيران الخاضع لأمرته فوقف بدر جمعة وصفع الأسد صفعة أفقدته توازنه قائلا له بالحرف ( جاسوس .. و ترفع صوتك لتتوعدنا ) .. وهذه الرواية أكدها كل من كان يعرف بدر جمعة ونهايته المأساوية فيما بعد ..وبعضهم لم يزل حيا الى اليوم .. !!
يروي سليم اللوزي الصحافي اللبناني صاحب ورئيس تحرير الحوادث (اغتيل بعد أن أحرقت يده) عن اتصالات سورية إسرائيلية أدارها من باريس آنذاك السفير السوري سامي الجندي .. وكتب الجندي في مذكراته التي عنونها بكسرة خبز يقول فيها أن وزير الخارجية إبراهيم ماخوس طلب منه لقاء أبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي ويتابع بقوله: …أنا رفضت ..!!
في شهادة الدكتور محمود الجامع طبيب السادات والذي رافقه في زيارة الى دمشق عام 1969 واصطحبه فيها الى مرتفع يطل عل الجولان شديد الانحدار كانت قد احتلتها إسرائيل، عام 67 ويقول في شهادته بأن السادات أسر اليه أن الرئيس جمال عبد الناصر أبلغه أنه يمتلك رقم الشيك الذي قبضه وزير الدفاع حافظ الأسد ثمنا لتسليمه الجولان والقنيطرة دون قتال، وأشار بيده الى طبيعة الجولان وتضاريسه الجبلية القاسية التي لايمكن لكل دبابات العالم اختراق هذا الدفاع الطبيعي الحصين ، إذ أن انسحاب الجيش بأوامر منه كانت قبل دخول قوات الجيش الإسرائيلي بمدة تقارب العشرين ساعة، و يؤكد هذه الرواية ضابط الاستخبارات في الجولان الرائد خليل مصطفى في كتاب أسماه سقوط الجولان نشر عام 1975 كلفه قضاء ثلاثين عاما في سجون النظام بعد أن اختطفته عناصر الاستخبارات السورية من بيروت ، في ذات العام الذي صدر فيه كتابه.
ومن أكثر الشهادات أهمية هي شهادة دريد المفتي الوزير المفوض في مدريد والذي كُلف بإبلاغ حكومة البعث بأن المفاوضات السرية بين سورية وإسرائيل عبر الوسيط الاسباني قد أوتي أوكلها، وأن إسرائيل حريصة على بقاء الجبهة هادئة مع النظام الحاكم في دمشق ( اغتيل المفتي فيما بعد خلال كشفه تفاصيل هذه المفاوضات)، وهنا لابد من الإشارة الى مؤلفات الصحفي المصري محمد حسنين هيكل والذي أخفى فيها الكثير من الحقائق والشهادات والوثائق التي اطلع عليها ونشر تحليلات غير دقيقة عنها في كتابه الانفجار حول هذه المرحلة من التاريخ، برغم اطلاعه الأكبر عليها وعلى وثائقها بحكم الأهمية التاريخية، كما أن رئيس الوزراء الأسبق في حكومة نور الدين الأتاسي يوسف زعين له شهادة مماثلة عن اتصالات جرت حينها بين ساسة إسرائيليين وسوريين كان قد دونها عنه صحفي مصري التقاه في بودابست عام 1994 ونشرها في حينه .
و بعد حرب عام 1973 يروي وليد حمدون ضابط المدرعات في الجبهة السورية وكان من كبار المقربين من حافظ الأسد وتسلم مناصب مختلفة طوال فترة حكمه عندما دون في مذكراته حادثا له دلالاته البعيدة ، نقلا عن واحد من كبار معاوني ياسر عرفات الذي كان أيضا مرابضا على جبهة الجولان بكتيبة دبابات عندما شاهد رتلا عسكريا إسرائيليا يتقدم باتجاه مرابض المدفعية السورية فأعلمه انه يجب عليه ان يبلغ القيادة السورية بهذا التحرك ويتابع ان عرفات نهره قائلا له : (هل تصدق انها معركة تحرير انها ليست أكثر من تمثيلية الهدف منها تحريك المفاوضات) ..!! وبعد حرب 73 قدم وزير الخارجية الأمريكي شكلا من أشكال المقايضة السلمية مع إسرائيل حيث بلغ التفاوض بواسطة نقل الرسائل بين الطرفين حدا من الفكاهة والطرافة بين موشيه دايان ومصطفى طلاس كما أوردها هذا الأخير في سلسلة مذكراته، وفي رواية السفير الإسرائيلي بلندن جدعون رافائيل يقول: أن الأسد طلب عام 1976 موافقة خطية من رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي قدمها له هذا الأخير بعد موافقة الأمريكيين برعاية وزير الخارجية هنري كسينجر أنداك على دخول الجيش السوري بغطاء عربي لوقف الاقتتال الدائر بين حزب الكتائب ومنظمة التحرير في لبنان . وهناك من ألمح لدور هامشي لعبه رفعت الأسد في التفاوض مع الإسرائيليين منذ الثمانينات واذاعته إسرائيل علنا بعد رحيل الأسد عام 2000 ومفاده ان اتصالات سرية جرت بين رفعت وممثلين إسرائيليين لدعم موقفه لاستلام السلطة بعد رحيل أخيه وحينها نشرت له تصريحات أطلقها من فرنسا وتداولتها وكالات الانباء بأن رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل علق على تهيئة القيادة البعثية في سورية لبشار الأسد بقوله ان بشار ولد غر ولا يملك خبرة قيادة دولة مثل سورية … !!
في أواسط الثمانينات، يسطع فجأة نجم مؤرخ سيرة آل الأسد ( باتريك سيل ) بكثير من المبالغات التي حملتها كتاباته عن دور الأسد، بحيث انه أصبح صديقا مقربا من العائلة وهو من أصول يهودية ويحمل الجنسية البريطانية، ويتحدث العربية بطلاقة، وله مؤلفات كثيرة عن سورية أشهرها عن مرحلة الانقلابات في سورية والمعنون باسم ( الصراع على سورية ) ثم الحقه بكتابه ( الأسد والصراع في الشرق الأوسط ) ، ولا زال الى اليوم سرا غامضا في كتاباته ( فوق المدللة ) عن الأسد ونظام حكمه، ويظن البعض انه كان ناقلا للرسائل بين المحور السري القائم بين دمشق – لندن – تل أبيب – هذا المحور ذاته كرس بشار الأسد فيما بعد للسفر الى بريطانيا لمتابعة دراسته في جراحة طب العيون .. وعودته سريعا لملء الفراغ الذي خلفه مقتل شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة على طريق مطار دمشق 1994 ويرجح كثير من المحللين بأن هذا الحادث كان له دلالاته البعيدة، لم تقرأ في حينه .
وفي عام 1987 التقى الرئيسان الأسد ومبارك في مؤتمر القمة الإسلامي المنعقد في الكويت لأول مرة بعد قطيعة دامت لأكثر من عشر سنوات ، منذ زيارة السادات الى إسرائيل والمعاهدة التي تمخضت عنها و تصافح الرئيسان و بادره الأسد بقوله ضاحكا (سأقاتلك) فرد عليه مبارك قائلا بجدية (أصلك بتاع الليل) وفي هذا الخطاب الذي القاه الأسد في مؤتمر القمة ردا على قرار المؤتمر بإعادة مصر الى الحظيرة العربية والإسلامية ، خطب فيه زهاء ساعتين عن الدور السلبي لمصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفور عودة مبارك الى القاهرة حاملا قرار المؤتمر الإسلامي بعودة مصر الى سابق مكانتها ، وقف أمام مجلس الشعب يسخر فيه من الأسد لخطابه الطويل في القمة الآنفة الذكر، ويبرر امام مجلس الشعب لقاءه برفيق السلاح السابق و ما دار بينهما من أحاديث قائلا أنه كان يعرفه مذ كان طيارا ليليا متدربا سنوات الوحدة بين سورية و مصر ، وهذا ما دعاه لأن يقول له ( أصلك بتاع الليل) وأردف أنه قال له : ( اما أنا .. حتلاقيني بالليل والنهار) وأضاف في هذا الخطبة التي كان أعضاء المجلس يضحكون ملئ أفواههم وبصوت عال وكأنه كان يلقي بالنكات .. بجدية متناهية أسكت فيها الضحكات لا أريد أن أكشف هنا عن المخفي من الاتصالات السرية السورية الإسرائيلية ، وحقيقة الامر في هذا التصريح ان الإسرائيليين كانوا احذر من أن يبلغوا مبارك بالاتصالات السرية التي كان بعضها يتم مع السوريين في الطائرة الخاصة للثري السوري أكرم العجة صهر وزير الدفاع وزوج ابنته و أخرون سيكشف التاريخ القريب عن أدوارهم وأسماءهم ..
أما آخر هذه الاتصالات السرية حتى العام 2000 ، قبيل رحيل الأسد فكانت بين فاروق الشرع وزير الخارجية مع ( رولاند لاورد ) الذي ادعى أنه صديق لنتنياهو، وأوهم الأسد والشرع بأن نتنياهو متحمس للسلام أكثر من سلفه رابين .. وانطلت الخديعة على الأسد والشرع و التقيا به سرا في دمشق عام 1998و بعد عدة لقاءات طلبا منه الخرائط المحدثة والمعدلة لمشروع الاتفاق الجديد فأختفى الرجل الى غير رجعة ، وأخيرا أختم نصي هذا عن تلك التسريبات التي روجتها الاستخبارات السورية عن تورط مفلح الزعبي نجل رئيس الوزراء محمود الزعبي الذي مات منتحرا في القصة المعروفة قبل وفاة حافظ الأسد بأشهر قليلة بأن الرئيس المصري مبارك أعلم الأسد في لقاءهما الأخير بأن مفلح الزعبي متورط بالتحاصص مع شركات نفط إسرائيلية للاستثمار والترويج ونقل النفط وبيعه ، وأن هذا ما أغضب الأسد ، إذ فور عودته أقال الزعبي من رئاسة الوزارة وتعمد إهانته بطرده من الحزب ، وتحميله كل المسؤولية عن الفشل في معدلات التنمية واستشراء الفساد ، والسعي لتسليط الضوء على الدور التطهيري الذي يعول الشعب عليه في وريثه الأوحد بشار الأسد ، وما قاله حينها لأعضاء القيادة بأن الزعبي قد خان الأمانة، وفي حقيقة الأمر أن الزعبي لم يكن أكثرمن منفذ لسياسات النظام والأقرباء و ممرر للصفقات ومصفق عديم القيمة والأهمية تم التخلص منه ببساطة متناهية ودون أي ارتدادات في الداخل السوري أو الدولي لتصفيته بهذه البشاعة أو إجباره على الانتحار، وهذا ما سوف يتكرر لاحقا مع شخصيات أخرى في عهد الابن، ولكن قضية الزعبي في حقيقتها كما أكد الشهود المقربين منه والذين كانوا وزراء في حكومته أنه باطلاعه على المحرم و تسريبه معلومات مؤكدة عن تعاون إسرائيلي سوري لبيع النفط ونقله واستخراجه سواء عبر وسطاء أو بالتعاطي المباشر في الدائرة الضيقة المحصورة بأل الأسد و أقرباءهم .. كانت كفيلة بإنهاء حياته سواء بانتحاره بمسدسه هو أم بمسدس عملاء المهام الخاصة لاستخبارات الأسد، وكل ما روج حينها ملفق وغير حقيقي. وستكشف الشهادات والوثائق القادمة التفاصيل الأكبر من الرواية الكاملة في أو لعلها (الجريمة الكاملة) بحق الشعب السوري وتاريخه المغفل.( راجع مقالتي المنشورة في الأورينت نت خلال شهر تشرين الثاني 2015 بعنوان: الدماء مقابل النفط).