قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر أمس الجمعة 27 ديسمبر/ كانون أول 2019 إن الانتهاكات التي مارسها الحلف الروسي السوري منذ 15/كانون الأول الجاري 2019 في شمال غرب سوريا يشكل الكثير منها جرائم حرب.
وذكر التقرير الذي جاء في 23 صفحة أن الحملة العسكرية التي قادتها قوات الحلف السوري الروسي منذ 26/ نيسان/ 2019 بدأت بهدف السيطرة على ما سمي “منطقة خفض التصعيد الرابعة”، وطبقاً للتقرير فإن مصطلح “مناطق خفض التصعيد” يُناقض الحقيقة، حيث أنها كانت مناطق عمليات تصعيد واسعة جداً أدت إلى سيطرة النظام السوري وروسيا عليها الواحدة تلو الأخرى، ووصل الدور إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة ومنذ نيسان 2019 حتى الآن استمرت قوات النظام الروسي والسوري بشنِّ حملات عسكرية عدة؛ أسفرت عن قضم مناطق واسعة تقدر بقرابة 20 % من مساحة منطقة خفض التصعيد الرابعة.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من انعقاد جلسات اللجنة الدستورية (اجتماعات اللجنتين الموسعة والمصغرة) إلا أن روسيا والنظام السوري استمرا في عمليات قصف عنيف بالتوازي مع تلك الجلسات سعياً نحو فرض أمر واقع على الأرض، وتحقيقاً للهدف النهائي وهو الحسم العسكري، وإنهاء أي حل سياسي وبقاء حكم نظام عائلة الأسد.
ونوه التقرير إلى أن المنطقة شهدت توقفاً شبه كامل لغارات سلاح الجو الروسي والسوري منذ 8 حتى 15/ كانون الأول تزامناً مع انعقاد الجولة الرابعة عشر لمباحثات أستانا حول سوريا إلا أنه في 15/ كانون الأول سجل التقرير بداية لحملة عسكرية جديدة تهدف إلى السيطرة على مدينة معرة النعمان وما حولها، وبحسب التقرير فقد طبقت فيها القوات الروسية التكتيك ذاته الذي اتبعته لدى سيطرتها على خان شيخون، وهو القصف العنيف والكثيف على غرار نموذج غروزني عبر تدمير أكبر قدر ممكن من منازل المدنيين وإرهابهم ودفعهم للاستسلام والرَّحيل.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“تُصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الثالثة لتشريد قوات الحلف الروسي السوري عشرات آلاف المدنيين من أحياء حلب الشرقية، ويقوم الحلف ذاته بتشريد أهالي معرة النعمان وما حولها، لماذا يهرب كل من يتمكن من ذلك ويترك منزله وفرشه ودكانه إلا لأنه لا يتوقع من هذه القوات سوى القتل أو التجنيد الإجباري أو الإذلال، كما أن 95 % من مجمل النازحين لم يعودوا إلى مناطقهم فما زالت داريا والغوطة وغيرها من المناطق التي سيطرت عليها تلك القوات شبه خالية، لا يمكن تخيُّل عودة آمنة وطوعية للنازحين واللاجئين طالما بقي النظام الحالي قائماً ودون حصول تغيير سياسي نحو الديمقراطية والمحاسبة”.
استعرض التقرير حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان إثرَ تصعيد قوات الحلف السوري الروسي العسكري على شمال غرب سوريا منذ 15 حتى 26/ كانون الأول/ 2019. ويُسلِّط الضوء على موجة النزوح الأخيرة من مدينة معرة النعمان واستهداف قوات الحلف السوري الروسي للنازحين في أثناء نزوحهم، كما يستعرض تفاصيل مجزرة وقعت جراء هجوم جوي للقوات الروسية على مخيم عشوائي في قرية جوباس في ريف إدلب الشرقي، بعد تعميم أوتشا عن هدنة إنسانية في المنطقة.
وفي سياق الحديث عن الدعم الروسي للنظام السوري أشار التقرير إلى استخدام حق النقض الفيتو من قبل روسيا والصين في الـ20 من الشهر الجاري ضدَّ تجديد قرار مجلس الأمن رقم 2449 الذي يقتضي على إعادة تفويض الأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سوريا باستخدام المعابر الحدودية التي لا تسيطر عليها قوات النظام السوري، والذي ينتهي العمل به في 10/ كانون الثاني/ 2020، وهذا بحسب التقرير سوف يؤثر على إغاثة عشرات آلاف المدنيين الذين هجَّرهم سلاح الجو التابع للنظام الروسي والسوري وسوف يُخضع مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة لمزيد من الابتزاز والسرقات من قبل النظام السوري غير الحريص أو الأمين على توزيع المساعدات وفقاً لمستحقيها وللمناطق الأشد تضرراً.
سجل التقرير مقتل 86 مدنياً، بينهم 21 طفلاً و18 سيدة (أنثى بالغة) في شمال غرب سوريا، وارتكاب ما لا يقل عن 6 مجازر، قوات النظام السوري قتلت 42 مدنياً، بينهم 10 طفلاً و11 سيدة، وارتكبت 4 مجازر، فيما قتلت القوات الروسية 44 مدنياً، بينهم 11 طفلاً و7 سيدات، وارتكبت مجزرتان اثنتان.
وأشار التقرير إلى وقوع ما لا يقل عن 47 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد قوات الحلف السوري الروسي في مناطق شمال غرب سوريا، في المدة التي يغطيها، كان من بينها 9 حوادث اعتداء على مدارس، و2 على منشآت طبية، و13 على أماكن عبادة، و6 على أسواق، وتوزعت إلى 38 حادثة اعتداء على يد قوات النظام السوري، و9 على يد القوات الروسية.
وفقاً للتقرير فقد ألقى طيران النظام السوري المروحي وثابت الجناح منذ 15 حتى 26/ كانون الأول/ 2019 ما لا يقل عن 248 برميلاً متفجراً على مناطق شمال غرب سوريا.
وذكر التقرير أن قوات الحلف الروسي السوري عرقلت حركة النازحين؛ بهدف تعريضهم إلى مزيد من الصعوبات والإذلال، كان ذلك في معظم الأوقات عبر استهداف الطيران الحربي الطرق الرئيسة المكتظة بالآليات التي تحمل عشرات آلاف النازحين بالرشاشات، وأشار التقرير إلى استهداف قوات الحلف الروسي السوري الطرق الرئيسة التي يسلكها النازحون ما لا يقل عن 9 مرات في المدة التي يغطيها التقرير؛ إضافة إلى توثيقه ما لا يقل عن 3 حوادث هاجمت فيها قوات الحلف الروسي السوري تجمعات خيام عشوائية تؤوي نازحين.
أكد التقرير أن القوات السورية والروسية انتهكت قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، على رأسها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وقصفت مشافٍ ومدارس ومراكز وأحياء مدنية، وترقى هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب كما أشار إلى أنَّ الهجوم المقصود على العاملين في المجال الطبي ضمن سياق نزاع مسلح غير دولي، جريمة حرب، تستوجب العقاب بموجب القانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي (الموادّ 8-2 ب، 24، و 8-2 هـ 2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، ونعتقد أن القوات الروسية والسورية قد تعمَّدت استهداف العاملين في المجال الطبي في عدد من الهجمات.
وطبقاً للتقرير فإنَّ النزوح أو التشريد القسري جريمة حرب في النِّزاعات المسلحة غير الدولية، عندما يرتكب في إطار هجوم مدروس أو واسع النطاق وموجَّه ضدّ السكان المدنيين (المادتان 8-2-ب-7 و8-2-هـ-8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، ويمكن اعتبارها أيضاً جرائم ضدّ الإنسانية (المادة 7-1- د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
وأشار التقرير إلى أن الدول وافقت بالإجماع في قمة عام 2005 على مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إن هذه المسؤولية تستلزم منع هذه الجرائم، ومنع التحريض على ارتكابها بكافة الوسائل الممكنة، وعندما تخفق الدولة بشكل واضح في حماية سكانها من الجرائم الفظيعة، أو تقوم هي بارتكاب هذه الجرائم كما في حالة النظام السوري، فإن من مسؤولية المجتمع الدولي التدخل باتخاذ إجراءات حماية بطريقة جماعية وحاسمة وفي الوقت المناسب.
طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في عرقلة العملية السياسية.
وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
كما أوصى مجلس الأمن الدولي بضرورة إصدار قرار من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وأن يتضمَّن إجراءات عقابية لجميع منتهكي وقف إطلاق النار.
وطالب بضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
كما قدم التقرير مجموعة من التوصيات إلى المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، وطالب الدول المانحة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بتأمين مستلزمات الحياة الأساسية والاهتمام والرعاية لآلاف النازحين السوريين المشردين في مناطق ريف إدلب الشمالي الغربي، وفي مقدِّمتها الماء والغذاء والمسكن والملبس وخدمات الرعاية الطبيَّة.