اقترحت لجنة من البرلمان الأوروبي إصدار تأشيرات إنسانية صالحة للمرور إلى دول الاتحاد؛ بهدف تخفيض عدد المهاجرين الذين يضطرون لسلوك طرق خطرة. فهل سيساعد هذا في الحد من الهجرة غير القانونية؟
تبدو مسألة الوصول الآمن والقانوني إلى أوروبا دون الحاجة إلى خوض رحلة بحرية محفوفة بالمخاطر أقرب إلى الحلم لدى البعض خاصة لدى معظم اللاجئين وطالبي اللجوء.
وفي الوقت الحالي لا تعد التأشيرات الإنسانية والممرات الإنسانية ضمن سياسات الاتحاد الأوروبي واسعة التطبيق في الوقت الراهن. ولكن وبعد سنوات من النقاش، تحاول لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية (LIBE)، وهي لجنة تابعة إلى البرلمان الأوروبي، القيام بجهد ما لتغيير ذلك. ففي العاشر من أكتوبر لعام 2018 أصدرت اللجنة بياناً يدعو إلى إمكانية إنشاء برنامج لإصدار “تأشيرة إنسانية” على مستوى الاتحاد الأوروبي عبر تغيير قواعد التأشيرة الحالية.
وقد قوبلت مقترحات مماثلة بالرفض والاعتراض على مستوى المجلس والبرلمان الأوروبيين فيما سبق، لكن إذا تم التصويت على اقتراح لجنة (LIBE) في نوفمبر، فسوف تطلب اللجنة من المفوضية الأوروبية التقدم باقتراح تشريعي لإصدار التأشيرة بحلول نهاية مارس 2019.
ووفقا للبرلمان الأوروبي، فإن حوالي 90٪ من الأشخاص الذين حصلوا على الحماية الدولية وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق غير اعتيادية. ويهدف الاقتراح إلى خفض عدد الأشخاص الذين يضطرون لسلوك طرق خطرة وغير قانونية.
قواعد مختلفة لدول مختلفة
في الوقت الراهن يمكن للبلدان وبصفة منفردة إصدار تأشيرات إنسانية وإنشاء ممرات عبور، ولكن لا توجد لوائح لعمل ذلك على مستوى دول الاتحاد الأوروبي. في عام 2015، وقعت الحكومة الإيطالية اتفاقاً لإنشاء ممر إنساني مع دولتين شريكتين هما لبنان والمغرب، وأضيفت إليها إثيوبيا مؤخراً. جاء الممر كـ “مبادرة كنسية” بالاستناد إلى مذكرة تفاهم. تعمل المجموعة الكاثوليكية في سانت إجيديو واتحاد الكنائس الإنجيلية وكنيسة والدانيان على نقل مجموعات من الأشخاص الأكثر ضعفاً إلى إيطاليا للتقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ. ومع ذلك، فإن الأرقام محدودة. وحتى الآن جلبت سانت إيجيديو بضعة مئات من اللاجئين فيما يتوقع وصول العدد إلى ألفي شخص على مدار عامين.
وفي عدد قليل من دول الاتحاد الأوروبي توجد برامج خاصة لإعادة التوطين. ويعتقد المقرر الخاص في لجنة (LIBE)، خوان فرناندو لوبيز أغيلار أن مثل هذه البرامج يجب أن تكون جزءا من قانون الاتحاد الأوروبي. وكتب أغيلار: “تسمح التأشيرات الإنسانية لطالبي اللجوء بالوصول بشكل قانوني وآمن إلى بلد ثالث. ويبقى عدد الأشخاص الذين يصلون عبر برامج مختلفة مثل الممرات الإنسانية، أو برامج الرعاية المجتمعية أو الخاصة وبرامج إعادة التوطين منخفضاً مقارنة بعدد المحتاجين إلى الاستفادة منه”.
توفير المال
يعتقد مؤلفو التقرير أن نظامًا مثل هذا إن تم تطبيقه على مستوى الاتحاد الأوروبي فإنه سيوفر الأمان للأفراد حيث لن يواجه المهاجرون مجدداً تلك التداعيات المالية الناتجة عن دفع الأموال لمهرّبي البشر، وسيبعدهم عن المخاطر المتزايدة للاتجار والاستغلال والعنف والموت. كما أن هذا النظام يمكنه أن يوفر أيضاً أموالاً طائلة على الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل وفق ما يرى معدو التقرير. مع الوضع الراهن، يتكلف الاتحاد الأوروبي مليارات اليوروهات في معركته ضد الهجرة غير الشرعية وشبكات تهريب البشر.
وإلى جانب النفقات المخصصة للشرطة، يتحمل الاتحاد الأوروبي أيضًا تكلفة إرسال النفقات اللازمة لتمويل العمليات الطارئة إلى الدول الأعضاء التي تستقبل طالبي اللجوء والمهاجرين المحتملين الذين وصلوا إلى أوروبا بشكل غير اعتيادي. يتم إنفاق المزيد من المال بهدف السيطرة على تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء من خلال تأمين الحدود إلى جانب تكاليف المراقبة ، وأنشطة البحث والإنقاذ ، وتفكيك شبكات الجريمة المنظمة التي يستغل أعضاؤها أزمة اللاجئين من أجل مكاسبهم الشخصية.
ووفقاً لدراسات أجرتها لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية (LIBE)، فإن الحفاظ على الوضع الراهن من خلال مراقبة وإدارة الحدود واتفاقيات البلد الثالثة والتعاون الإنمائي والجريمة المنظمة المرتبطة بالهجرة يكلف الاتحاد الأوروبي ما بين 47 و 48 مليار يورو سنوياً.
آثار محتملة
من الممكن أن تساعد التأشيرة الإنسانية الرسمية في ضمان امتثال اللاجئين لقيم الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل الحقوق الأساسية. ومن الممكن أن يساعد توفير وسائل قانونية للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي أؤلئك الأشخاص الذين تضطرهم ظروف عدم توافر السبل القانونية إلى التعامل مع شبكات التهريب .
كما أن تطبيق نظام التأشيرات الجديد على نطاق الاتحاد الأوروبي سيخفف الضغوط المالية والتنظيمية التي تعاني منها بلدان الاستقبال الأولى مثل إيطاليا واليونان اللتاين تنفقان الملايين للتعامل مع مسألة الهجرة
برامج منفردة للدول
لدى النمسا حالياً برنامج القبول الإنساني للاجئين السوريين. بين عامي 2013 و 2016 ، تم استقبال 1،668 شخصًا من خلال هذا البرنامج. ولدى ألمانيا برنامج مماثل يستهدف مواطني سوريا وأفغانستان والأراضي الفلسطينية ومصر وليبيا ما سمح لها باستقبال 19،047 شخصًا في الفترة نفسها. ولدى أيرلندا برنامج قبول لأسباب إنسانية لمواطني سوريا وبرنامج آخر لجمع شمل الأسرة ، والذي بمقتضاه صدر 649 تأشيرة بين عامي 2013-2016. ولدى فرنسا أيضا برنامج خاص بمواطني سوريا استقبلت وفقاً له 3،415 شخصاً حتى الآن. كما أن المملكة المتحدة، وعبر مخطط إعادة توطين الأشخاص الضعفاء، تجاوزت في عام 2018 نصف الطريق إلى هدفها المتمثل في إعادة توطين 20 ألف شخص بحلول عام 2020.
ووفقا لتقرير صادر عن فيوليتا مورينو-لاكس، كبيرة المحاضرين في القانون بجامعة كوين ماري في لندن، كتبته للبرلمان الأوروبي، فإن هناك 16 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لديها أو كان لديها عدد من التأشيرات تحت تصرفها تصدرها لأسباب إنسانية. وتكمن المشكلة في أن لكل بلد قواعد مختلفة لمنح التأشيرات، وتميل البرامج إلى استهداف مجموعات مختلفة من الأشخاص مما يجعل الأمور غير واضحة لأولئك الذين يرغبون في التقدم. ومنذ مارس 2017 ، بدأت فرنسا، بعد إيطاليا ، في تطبيق تجربة الممرات الإنسانية من لبنان لنحو 500 لاجئ سوري وعراقي
ليست للجميع
في ختام التقارير يتفق المشاركون في كتابتها على أن برنامج التأشيرات الإنسانية سيؤدي إلى خفض كل من التكاليف البشرية والمالية. ولكن التقرير لم يشمل عدد الأشخاص الذين لن يتأهلوا للحصول على تأشيرة إنسانية أو لن يحصلوا على اللجوء فور وصولهم إلى أوروبا. وبالنسبة لهؤلاء، يبدو أن الهجرة غير القانونية هي الطريق الوحيد المتبقي أمامهم.
ويشير مورينو-لاكس إلى أن الشفافية التي تتمتع بها عملية طلب التأشيرة لن تقلل من السيطرة بل ستعززها بما يسمح بفحص أفضل للمرشحين للحصول عليها وتوقع أفضل لطبيعة الأشخاص القادمين إلى أوروبا الأمر الذي من شأنه تجنب الإنفاق الطارئ الذي يرسل بموجبه الاتحاد الأوروبي الأموال إلى البلدان الحدودية ، كإيطاليا واليونان وبنسبة أقل إسبانيا.