قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنها وثَّقت 72 أسلوب تعذيب لا يزال النظام السوري مستمراً في ممارستها في مراكز الاحتجاز والمشافي العسكرية التابعة له، وطالبت الكونغرس الأمريكي بإقرار مشروع قيصر كنوع من المحاسبة بعد تعرفها على هوية 801 شخصاً من الذين ظهروا في صور قيصر المسربة.
وبحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 1.2 مليون مواطن سوري على الأقل قد مرَّ بتجربة اعتقال في سجون النظام السوري منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا آذار 2011، منهم 130 ألف شخص لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وذكر التقرير الذي جاء في 62 صفحة أنَّ التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري لا يزال مستمراً حتى الآن حيث سجَّل التقرير منذ آذار 2011 حتى أيلول 2019 مقتل 14 ألف شخص بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري بينهم ما لا يقل عن185 شخصاً قتلوا منذ مطلع عام 2019.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“إنَّ من حق الشعب السوري على بقية دول العالم التي صادقت على اتفاقيات جنيف أن تساعده بأن تكفل له أن يحترم النظام السوري تنفيذ اتفاقيات جنيف، وأن يتوقف عن تعذيب السوريين حتى الموت وبشكل منهجي يُشكل جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب، ليس مجلس الأمن من فشل وحده في حماية السوريين بل جميع دول العالم عليها مسؤولية مشتركة وعاجلة في محاربة التعذيب الوحشي الذي لا يزال عشرات آلاف السوريين يتعرضون له، وصور قيصر سوف تبقى دائماً أحد الأدلة الدامغة على جريمة التعذيب المنهجي الذي تعرض له السوريون، والذين لم يساعدهم أحد على إيقاف تكرار حدوثها منذ أن شاهدت بقية حكومات العالم صور قيصر حتى الآن، وإنَّ أساليب التعذيب السادية المتبعة تمثِّل تهديداً لجوهر الإنسانية جمعاء، وليس فقط للشعب السوري أو شعوب المنطقة.”
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يعترف بعمليات التعذيب ولم يجري أي تحقيق في أي منها، بل دعم الضباط الذين أصدروا أوامر التعذيب ومنحهم مناصب عالية وسخَّر مؤسسات الدولة لاستكمال ماكينة التعذيب عبر تسجيل المتوفين والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز في دوائر السِّجل المدني على أنهم متوفون متجاوزاً بذلك القانون السوري وأصول تسجيل الوفيات في السجون، التي نصَّت عليها المادتان 38 و39 من قانون الأحوال المدنية السوري، كما خالف الدستور السوري في الفقرة الثانية من المادة 53.
أورد التقرير 20 رواية لناجين من التعذيب أو ذوي ضحايا تم الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة وراعى التقرير في الروايات التي استعرضها اختلاف الأعوام التي جرت فيها الحوادث وتنوُّعَ المحافظات ومراكز الاحتجاز، وكذلك تنوُّع أساليب التعذيب التي تعرَّض إليها الناجون واختلاف شدَّتها، واختلاف الجنس والنوع الاجتماعي والعمر وخلفية المعتقلين الدينية والثقافية؛ ذلك للتأكيد على أن التعذيب طال جميع فئات المجتمع السوري.
استند التقرير على قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لحالات الاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب، التي تم توثيقها عبر عمليات المراقبة والتوثيق اليومية المستمرة منذ عام 2011 حتى الآن كما استند على قاعدة بيانات للشبكة السورية لحقوق الإنسان تحتوي على بيانات لآلاف الأشخاص والمسؤولين والقادة والضباط الذين نعتقد أنهم متورطون في ارتكاب انتهاكات وجرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب، واستعرض التقرير أبرز المسؤولين عن عمليات التعذيب في سبيل ملاحقتهم وإدانتهم.
وأشار التقرير إلى عمليات مراسلة دورية مستمرة يقوم بها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع فريق الأمم المتحدة المعني بحالات القتل خارج نطاق القانون فيما يتعلق بالضحايا الذين قضوا بسبب التعذيب في سوريا ونوَّه التقرير إلى وجود استمارة خاصة على الموقع الرسمي للشبكة السورية لحقوق الإنسان يمكن للعائلات تعبئتها وترسل أوتوماتيكياً إلى فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي يقوم بمتابعة الحالة والتواصل مع العائلات لإتمام عملية التوثيق والتسجيل.
سجَّل التقرير منذ آذار/ 2011 حتى أيلول/ 2019 مقتل ما لا يقل عن 14298 شخصاً بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الفاعلة في سوريا بينهم 178 طفلاً و63 سيدة (أنثى بالغة)، منهم14131 قتلوا على يد قوات النظام السوري بينهم 173 طفلاً و45 سيدة. في حين قضى57 شخصاً بينهم 2 طفلاً و14 سيدة بسبب التعذيب على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة،32 منهم قضوا في سجون تنظيم داعش بينهم 1 طفلاً و14 سيدة، و25 بينهم 1 طفلاً قضوا في سجون هيئة تحرير الشام.
وأشار التقرير إلى مقتل43 شخصاً بينهم 1 طفلاً و1 سيدة بسبب التعذيب في سجون فصائل في المعارضة المسلحة، إضافة إلى مقتل47 شخصاً بسبب التعذيب بينهم 1 طفلاً و2 سيدة على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، وأشار التقرير إلى أن ما لا يقل عن 20 شخصاً قد قضوا بسبب التعذيب على يد جهات أخرى.
وفقاً للتقرير فقد تعدَّدت أنماط التعذيب التي استخدمتها قوات النظام السوري داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، ومورست بشكل واسع حتى لا يكاد يوجد معتقل ناجٍ لم يتعرض لأحد هذه الأساليب أو لعدد منها معاً، وصنَّف التقرير أنماط التعذيب ضمن سبعة محاور أساسية، ويتفرع عن كل نوع عدة أساليب ثانوية بما يُشكِّل مجموعه 72 أسلوب تعذيب متَّبع من قبل قوات النظام السوري بحق المحتجزين، منوهاً إلى إمكانية وجود أساليب أخرى لم يتم التَّعرف عليها وتوثيقها، وأكَّد التقرير أن المعتقل قد يتعرض إلى أساليب تعذيب متنوعة وعديدة خلال جلسة تعذيب واحدة.
وبحسب التقرير فإن أنماط التعذيب الرئيسة: هي التعذيب الجسدي ويضم 39 أسلوباً والإهمال الصحي وظروف الاحتجاز ويتضمن 6 أساليب، والعنف الجنسي يضم 8 أساليب، والتعذيب النفسي وإهانة الكرامة الإنسانية ويضم 8 أساليب والتعذيب في المشافي العسكرية وتضمَّن 9 أساليب، إضافة إلى أعمال السخرة وظاهرة الفصل.
وأشار التقرير إلى أنه حدد مؤخراً هوية29 شخصاً ظهروا في صور قيصر المسربة من المشافي العسكرية مُشيراً إلى أنَّ التقارير السابقة الصادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان كان قد حددت هوية 772 ضحية، وبذلك بلغ مجموع ما تمكنَّت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من تحديد هويته لأشخاص ظهروا في صور قيصر ما لا يقل عن 801 حالة بينهم 2 طفلاً و10 سيدات بعد حصولها على قرابة6189 صورة من صور قيصر المسربة منذ آذار/ 2015 حتى أيلول/ 2019.
وفي هذا السياق أورد التقرير أنه قد أجرى مقارنة بين هذه الحالات الـ 801 مع قاعدة بيانات المختفين قسرياً، حيث تبيَّن أن معظم هذه الحالات مسجلة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاصة بالمختفين قسرياً، إضافة إلى مقارنتها مع قاعدة بيانات الأشخاص الذين يعتقد أنهم توفوا بسبب التعذيب، ووجدَ التقرير أنَّ هناك تقاطعاً بنسبة 16 % مع قاعدة بيانات ضحايا التعذيب، أي أنَّ هناك 124 حالة مسجلة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان على أنهم قد قضوا بسبب التعذيب من أصل 801 حالة، وأوضحَ التقرير أنه بعد الكشف عن صور قيصر أصبحت الـ 801 حالة جميعاً قتلى بسبب التعذيب ولم يعودوا مختفين قسرياً، ذلك على الرغم من عدم حصول الأهل على الجثة؛ لأن صور قيصر تثبت بوضوح وفاة المعتقل.
وزَّع التقرير الحالات الـ 801 بحسب المحافظات وكانت النسبة الأعلى من الضحايا الذين تعرفنا على هوياتهم من نصيب محافظة ريف دمشق بـ 65.42 %، تليها محافظة درعا بـ 25.84 % وثالثاً محافظة حمص بـ 2.62 %.
كما وزَّع التقرير الحالات الـ 801 ذاتها بحسب مراكز الاحتجاز التابعة للأفرع الأمنية التي يُعتقد أنهم توفوا فيها مُشيراً إلى أن نسبة الوفيات الأعلى كانت في الفرع 215، يليه الفرع 227.
أكَّد التقرير أن قوات النظام السوري مارست جريمة التَّعذيب بشكل منهجي وواسع النطاق، ووصلت إلى انتهاك حق الحياة وشكَّلت خرقاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث ثبتَ أنَّ النظام السوري على علم تام بها، وعلى يقين بأنَّ ظروف الاحتجاز اللاإنسانية وأساليب التعذيب الوحشية المتبعة سوف تؤدي حتماً إلى استمرار في المعاناة والألم ثم إلى الوفاة، لكنه لم يقم بفعل أي شيء. وطبقاً للتقرير فإن عمليات القتل بسبب التعذيب تُشكِّل جرائم ضدَّ الإنسانية بموجب المادة السابعة من قانون روما الأساسي، وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني وترقى إلى جرائم حرب، وقد شكَّلت نمطاً كثيفاً ومتكرراً ووصلت حدَّ الإبادة، كما أنه انتهاك صارخ للقانون والدستور السوري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بحماية المعتقلين لدى النظام السوري من التعذيب حتى الموت، وإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة وإيجاد آلية لإلزام النظام السوري بوقف عمليات التعذيب، والكشف عن أماكن جثث المعتقلين وتسليمها للأهالي، كما أكد على ضرورة البحث عن الأُسر التي فقدت مُعليها أو أحد أبنائها بسبب التعذيب والبدء بعمليات إعادة التأهيل، وضمان إيصال المعونات إلى مُستحقيها بشكل مستمر.
ودعا التقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أخذ زمام المبادرة في الحالة السورية واللجوء إلى تطبيق مبدأ اتحاد من أجل السلام؛ ذلك نظراً للشلل التام في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني وعرقلة روسيا رفع الحالة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
حثَّ التقرير الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب على اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإقامة ولايتها القضائية على مرتكبي جرائم التعذيب، وبذل كل الجهود المادية والأمنية في سبيل ذلك، واتخاذ إجراءات عقابية جديَّة بحق النظام السوري لردعه عن الاستمرار في قتل المواطنين السوريين تحت التعذيب، بما في ذلك إجراءات سياسية واقتصادية، وعسكرية بما يشمل مناطق حظر جوي.
كما دعا إلى تشكيل تحالف حضاري للتدخل السياسي والعسكري لحماية المدنيين وإنقاذ عشرات آلاف المعتقلين من الموت تحت التعذيب؛ نظراً لفشل مجلس الأمن في حماية المعتقلين الذين أصبحوا بمثابة رهينة بيد النظام السوري يقتل منهم من يشاء تحت التعذيب.
طالب التقرير بتقديم مزيد من الأموال والدعم والمنح الكافية للمنظمات المحلية التي تهتم برعاية وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب وأُسرهم. وتقديم الدَّعم للنشطاء الأفراد والمنظمات المحلية التي تقوم بتوثيق الانتهاكات دون فرض وصاية أو توجيهات سياسية.
وشدَّد على ضرورة التكاتف من أجل تطبيق اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني عبر تأسيس محكمة جنائية خاصة لمحاسبة النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب واتخاذ موقف إجماع عالمي واضح ومتكرر من عدم قبول استمراره في الهيمنة على الدولة السورية.
دعا التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى بذل جهود أكبر في سبيل مكافحة وإدانة عمليات التعذيب المنهجي في مراكز احتجاز النظام السوري، وإصدار تقارير دورية وبيانات إدانة متكررة تتناول هذه القضية الحساسة.
أوصى التقرير مجلس حقوق الإنسان بتخصيص جلسة خاصة لمناقشة جرائم التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري كونها وصلت حداً من البشاعة لم يعرفه العصر الحديث، ومطالبة مجلس الأمن والمؤسسات الدولية المعنية بتحمل مسؤولياتها في هذه المسألة بالغة الخطورة، والضغط على الحكومة السورية من أجل وقف عمليات التعذيب، وفتح السجون، والمعتقلات للاطلاع على أحوال آلاف المعتقلين وظروف اعتقالهم.
وأخيراً دعا التقرير النظام السوري إلى التوقف الفوري عن ممارسة أساليب التعذيب كافة، واستخدام مقدرات الدولة السورية في تعذيب وإرهاب المجتمع والسماح الفوري بدخول لجنة التحقيق الدولية المستقلة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجميع المنظمات الحقوقية الموضوعية إلى مراكز الاحتجاز، وتحمل المسؤولية القانونية والتاريخية عن هذه الكارثة الوطنية الشاملة.
كما طالبه بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً وبشكل خاص الأطفال والنساء، وكشف مصير عشرات آلاف المختفين قسرياً والتوقف عن انتهاك الدستور السوري والقانون الدولي على نحو فظيع ومهين للدستور والدولة السورية.