قبل بضع سنوات نشرت قصة الاتصالات السرية السورية الاسرائيلية، لأول مرة موثقة من افواه اصحابها، ووثائقها التي قُدر لي الاطلاع على بعضها، وتداولتها عشرات المواقع، في حينه، ونشرها الاعلامي فيصل القاسم على صفحته، بلغت المشاركات عنها أرقاما خيالية فوجئت بأعدادها التي فاقت التصور، وعملت منها قناة الجزيرة فيما بعد حلقة مصورة من سلسلة برامجها (للقصة بقية) رفضت الظهور خلالها، اشارت القناة في سياق البرنامج الى رفضي قبول التحدث.
كل ذلك وضعني بقوة تحت”مايكروسكوب” بقايا الاستخبارات السورية وشقيقتها الاسرائيلية في كل ما اكتب او ادون، نظرا لأنني أفشيت لأول مرة (بعيدا عن ترهات الاعلام وأكاذيبه ومبالغاته) قضية التستر على كوهين الذي وجد نفسه فجأة في خضم الضباط البعثيين الذين لعبوا ادوارا تاريخية في مستقبل سورية وكان على رأسهم حافظ الاسد، وأقرانه من الاغبياء او المخترقين استخباراتيا، ولكنني لم اقدم كل شهادتي في حينه .. بل اجزاء منها .. وهذا ربما ما ساعد على بقائي حيّا الى اليوم، ومع تطورات قضية رفات كوهين التي حاولت الإدارات الاسرائيلية المتعاقبة الحصول على بقايا عظامه، كما صرحت اخيرا صحيفة ” الجيروزاليم بوست ” بأن تفاهمات روسية إسرائيلية قد سهلت من عملية اعادة الرفات الى اسرائيل تخليدا لذكراه الأسطورية، لازلت غير متأكد من هذه المعلومات ومدى صحتها .. اذ ان اخفاء رفات كوهين بعد إعدامه عام 1965 وموت غالبية الشهود حول قضيته تجعل من اعادة البحث مرة اخرى مسألة ليست بالسهولة التي اشارت اليها الصحيفة بطريقة مسرحية، حين ادعت بان رفاته في طريقها الى تل ابيب، اَي انها لم تصل بعد ..
ما يهمني نشره في هذه القضية .. لأول مرة .. نقلا عن تسجيلات المحاكمة والتحقيقات التي سبقتها وطالت شخصيات مقربة من الاسد الاب، أصبحوا وزراء وكبار قادة الاستخبارات في عهدة حكمه، ان ايلي كوهين خلال المحاكمة كان يصرح عدة مرات : ” انا لست جاسوسا ” .. ” ما انا الا مندوب”… “ما انا الا منتدب ” كان يقول ذلك ايضا خلال محاكمته، المسجلة بالصوت والصورة، كذلك ردد هذا الادعاء كما هو مدون في تحقيقات الضابط البعثي العقيد صلاح الضللي ..
باختصار كان مقصد كوهين ان يقول لأصدقائه السابقين من الضباط والقادة البعثيين .. انا مُنتدب، وأنتم تعرفونني جيدا …